مأزق البرزاني

نظام مارديني

منذ سنوات ما بعد الاحتلال الأميركي، أدرك أكراد شمال العراق الاحتياطات الهائلة من حقول الألغام المميتة على تضاريس مضاربهم المنكوبة بالسُبات الجليل، وقد دوّنوا ذلك بدقة عميقة في كتابة تاريخ آل البرزاني الذين قبضوا على السلطة والثروة بعون الاحتلال. هذا الاحتلال الذي لطالما خان طموحات الأكراد على مذبح مصالحه الدنيئة و«قهقهاته القاتلة».

لخّص الأكراد العواقب المريرة لبواكير العبث بحياتهم المصابة بالصدأ، في إقليم كان من المفترض أن يكون واحة سلام للعراق عموماً، ولأكراده الذين سقوا بدمائهم أعماق تلك الحقول الخضراء التي يتميز به الإقليم خصوصاً، مصحوبين بشريط طويل من الأهازيج الحماسية، وماراثونات الانتقال الجمعي إلى الديمقراطية والحرية.

مأزق البرزاني أنه قدّم صورة سلبية لهؤلاء القادة الذين يقضون حياتهم في سبيل كسر الاستبداد لتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية والديمقرطية، إلا أنه وقع في المحظور نفسه فمارس استبداده بقبضه على السلطة والثروة والاستثمار في الإقليم الغني بالنفط والغاز، وكان السؤال الذي طرحه أصحاب الاحتجاجات من موظفين وعمال هو: أين تذهب عائدات هذه الثروة النفطية؟

إن هذا العصف الجمعي من هرولات آل البرزاني لنهش الجسد الكردي والتفنّن في تقنية الانتهاكات الهمجية، يشير بوضوح إلى نوع البضائع الديمقراطية التي حصدها الأكراد من دغدغة الغرائز كي يرتقوا إلى ذرى لم يعرفها تاريخ سلالات بني آدم من قبل، بعد شوط طويل من الانفلات وخوار القوى ووهن الضمائر والعقول.

هذا ما طفح عن عودة العاصفة إلى ملاذات الأكراد القاتلة في التعاطي مع معطيات وتحديات الديمقراطية التوافقية، التي تقتفي أثر الشيطان وسلالاته المتربّصة بقدرهم. هذا القدر الذي أعلنه «داعش» عبر شعاره الإسلامي «الحداثوي»: «جئناكم بالذبح».

إن من يتعقّب ما ينضح عن المؤسسات والاستثمارات التي أقيمت لمصلحة آل البرزاني وحاشياتهم، سوف يكتشف حجم الخواء والتواطؤ والعجز في أفضل الأحوال في مواجهة حزمة المصائر الجهنمية التي تنتظر الأكراد «عشائر وقبائل وأحزاباً» عند نهاية المسلسل الطويل من الخيبات المدجّجة بـ «القهقهات القاتلة».

زعامات لم تكتفِ شراهتها وتطلعاتها الفئوية الضيقة بإجهاض وإهدار المنحة التاريخية التي أهدتهم إياها الأقدار العابرة للمحيطات فحسب، بل شمّرت عن مواهبها مرة أخرى ضد أبناء جلدتها في جولتهم الأخيرة للمطالبة بحقوقهم المشروعة.

لقد عصفت المواجهات الأخيرة في كردستان العراق بما تبقى من مساحيق الادّعاءات الزائفة حول الحرية والديمقراطية والاستقلال، بعد المقاومة الأسطورية التي أبداها «كاك» مسعود في التصدي للمتطاولين على عرشه الديمقراطي الفيدرالي وأطراف غنائمه الأزلية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى