خربشات على حائط اللحظة الراهنة

إبراهيم علوش

– وقوع بلدة مهين في ريف حمص بيد «داعش» يقدّمه البعض كأنه فاتحة حسم معركة سورية لمصلحة العصابات المسلحة! وكما عنونت إحدى الصحف الأردنية الرئيسية الخبر: «داعش» يتقدم ويهدد تماسك دمشق والشمال. لكن في التفاصيل «الصغيرة» نجد أن الجيش العربي السوري وحلفاءه في حالة هجوم استراتيجي، وأن العصابات المسلحة، «المعتدلة» والمتطرفة، في حالة دفاع، كما يتجلى ذلك في دخول قوات الجيش العربي السوري منطقة البيارات غرب تدمر، والسيطرة على قرية غمام في ريف اللاذقية، التي كانت تتساقط منها الصواريخ على مدينة اللاذقية، والسيطرة على مساحات جديدة في ريف حلب الجنوبي، والتقدم العام للجيش العربي السوري في محيط ريف حمص الشمالي منذ أسبوعين. كل ما في الأمر أن مجموعة مسلحة في مهين انقلبت على اتفاقها مع الجيش العربي السوري وبايعت «داعش» الذي هاجم البلدة من الخارج مع تحركها من الداخل، مما يؤكد ما قاله الرئيس بوتين لفرنسوا هولاند في الأيام الأولى في 2 تشرين الأول 2015 في قصر الأليزيه: لا فرق بين معارضة معتدلة ومتطرفة، فكل مَن قام فكرها على التكفير وقتل المدنيين هي منظمات متطرفة مسلحة!

– إذا ثبت أن الطائرة المدنية الروسية التي سقطت وسط سيناء كانت ضحية لعمل إرهابي، سواء بصاروخ أو تفجير، فإن المستهدف يكون العلاقات الشعبية العربية – الروسية، والاقتصاد المصري، والاستقرار في سورية والعراق وكل البلدان العربية. وتتزايد المؤشرات الآن أن مقتل 224 راكباً كانوا على متنها جاء بسبب انشطارها في الجو على علو 31000 قدم من دون أن ترسل نداء استغاثة من أي نوع. فإذا ثبت مثل هذا الاحتمال، ونأمل أن لا يثبت، فإن أصبع الاتهام يجب أن يوجه لا للعصابات الإرهابية المسلحة فحسب، بل لحكام الدول التي تدعمها ممن أرسلوا ممثلين لهم لمؤتمر فيينا لمناقشة الأزمة السورية نهاية الشهر الفائت، ومنهم حكام قطر والسعودية وتركيا.

– نتائج الانتخابات التركية الأخيرة التي أعطت حزب «العدالة والتنمية» خمسين بالمئة من أصوات الناخبين، مما يمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً لعبت على وتر خوف الناخب التركي، فقد استفاد «العدالة والتنمية» بشدة من التفجيرات التي تصاعدت في تركيا قبيل الانتخابات، ووظّفها سياسياً لتخويف الناس من انفلات حبل الاستقرار السياسي والاقتصادي مع هبوط الليرة التركية، مما يعيد إلقاء الضوء على العلاقة العضوية بين نظام أردوغان والعصابات الإرهابية. كذلك جاء شن الحملة العسكرية على الأكراد سحباً للبساط الانتخابي من تحت أقدام «الحركة القومية»، وتجويفاً للتأييد الشعبي التركي لـ»حزب الشعوب الديموقراطي» الذي مُنِع فعلياً من القيام بحملات انتخابية، كما تم التضييق على وسائل إعلام معارِضِة. إذن مارس «العدالة والتنمية» إرهاباً سياسياً غير شفاف ليستعيد سيطرته على مجلس النواب التركي، ناهيك عن التحريض الطائفي ضد العلويين والتحريض العرقي ضد الأكراد، فحصل على مبتغاه بالابتزاز. وإذا كان هذا لا يسهل عملية الحل السياسي في سورية، ولا وقف دعم العصابات الإرهابية في الإقليم، فإنه لا يدعو أيضاً لتمجيد «التجربة الديموقراطية التركية»، كما فعل بعض الكتاب المحسوبين على النظام الأردني ووزير التنمية السياسية الدكتور خالد كلالدة الذي دعا «الشعوب للتعلم منها»!

– تسييج ساحة مسجد الكالوتي بسور حديدي لمنع الاعتصام ضد السفارة الصهيونية في عمان وضد معاهدة وادي عربة هو نموذج آخر للتجربة «الديموقراطية»، بحسب رؤية النظام الأردني على ما يبدو. وقد أورد موقع الـCNN تقريراً يوم 2 تشرين الثاني 2015 يؤكد على لسان أحد سكان المنطقة أن الجيران لم يشكوا أبداً من المحتجين، على عكس ما يزعمه النظام الذي تذرّع بهم لتسييج الساحة التي تصل مساحتها لعشرة دونمات، دعماً لصمود أهلنا في فلسطين المحتلة واحتجاجاً على الانتهاكات الصهيونية ضد المسجد الأقصى، بعد فض آخر ثلاثة اعتصامات لجماعة الكالوتي جك بالقوة! شر البلية ما يضحك حقاً. ومثل هذه القرارات لا يمكن أن تكون صادرة في مثل هذا التوقيت السياسي عن أي جهة أردنية، مهما كان تأييدها للتطبيع ومعاهدة وادي عربة. فهي نتاج ضغط جهات أميركية وصهيونية بالضرورة.

– 2 تشرين الثاني هو أيضاً ذكرى وعد بلفور العام 1917، الذي وعد اليهود بوطن قومي في فلسطين. وفي هذه المناسبة لا بد من أن نستذكر أمرين: 1 أن ذلك الوعد جاء متمماً لاتفاقية سايكس – بيكو العام 1916 التي قسمت الدول المحيطة بفلسطين أساساً، فتجزئة الأمة ووجود الاحتلال صنوان، ونحن نعيش اليوم مشروع فرض المزيد من التجزئة لتحقيق الأمن الاستراتيجي للاحتلال، 2 أن احتلال فلسطين وتجزئة الأمة تمّ بقرار دولي، وعندما قامت دولة العدو الصهيوني في 15 أيار 1948 كانت فلسطين تقبع تحت الانتداب البريطاني بموجب قرار من عصبة الأمم. ولذلك، فإن المطالبة بـ»حماية دولية للفلسطينيين»، بزعم أن ذلك سيمهد لفكفكة الاحتلال الصهيوني لهو عبارة عن هراء سياسي يفتقد لأدنى فهم لدروس التاريخ الفلسطيني الحديث.

– اعتراف نتنياهو أن الألمان لم يرغبوا بقتل اليهود خلال الحرب العالمية الثانية بل بترحيلهم من ألمانيا، في خضم اتهامه للحج أمين الحسيني بالتسبب بالـ»مخرقة» بالخاء، كناية عما لا يُصدّق ، هو جوهر ما ذهب إليه المؤرخون المراجعون الذين أكدوا الأمر نفسه، وأن غرف الغاز لم توجد يوماً ولم يُقتل فيها شخص واحد، وأن اليهود ماتوا كغيرهم في الحرب العالمية الثانية بسبب القصف والجوع والمرض، بأعداد أقل بكثير مما يدّعون لابتزاز العالم اليوم، دفع بعض الكتاب الغربيين للتأكيد على أن هتلر استغلّ الحسيني، خوفاً من تعاطف الفلسطينيين مع النازيين، لكن النازيين مضوا، والنازي الحقيقي اليوم يبقى النظام الإمبريالي الذي قدم فلسطين لليهود وغزا العالم ودمّره تحت شعارات ليبرالية وديموقراطية زائفة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى