حين يشرق الفرح من فكرة حزينة فيصبح وجودنا مجدياً

عبير حمدان

تتمسّك الفنانة الشابة إيلات قنيزح بالفرح ولو كان منبعثاً من واقع حزين، هي التي ترى المكان مشبّعاً بالألوان وتثق أننا نملك المقدرة على تغيير بعض التفاصيل الزمنية ليصبح وجودنا أكثر جدوى.

«قزح»، عنوان معرضها المنفرد الثاني، ويختزن سيلاً من الشعاع المنسكب على جدران المقهى الذي يختزن حكايات المدينة بما تضمّ من فرح وصخب وحزن وأمنيات. وتأتي خطوطها مزيجاً لأكثر من مدرسة فنية بحسب تعبيرها، إذ إنها تنهل من تاريخ علاقة الريشة بالقماش ما تراه مقترناً بشخصيتها.

هذه الفنانة المتّقدة بالأفكار، لديها طاقة إيجابية رغم إدراكها أن الواقع ليس وردياً، لكنها ترنو إلى منحه حيّزاً خالياً من السودواية، آملة أن نصل إلى مرحلة تصبح القراءة النقدية فيها للعمل الفني متجرّدة من منطق الحكم المسبق على الأمور.

توزّعت لوحات إيلات قنيزح في أرجاء مقهى «De Pragues» منذ أيام، لكنّها دعت المهتمين إلى الاحتفال بمعرضها «قزح» مساء اليوم الإثنين، وكانت قد تحدّثت إلى «البناء» عن رؤيتها وخطوطها قبيل الافتتاح.

نبدأ من التسمية فتخبرنا قنيزح عن الفكرة لنراها بعينيها، فتقول: هو معرضي المنفرد الثاني، وسمّيته «قزح» لأنه مشتق من قوس قزح، وفيه سبعة ألوان. وهذه هي السنة السابعة من عمر علاقتي بالريشة واللون والقماش. ويضمّ لوحات رسمتها عام 2009 أي حين بدأت الرسم وصولاً إلى 2016.

لكن، هل ترى قنيزح أن الحياة عبارة عن قوس قزح، تجيب: أعتقد أنها كذلك، أو يمكنك أن تجعليها كقوس قزح حين تركّزين على الأمور الجميلة وتتمسّكين بالجانب المشرق من الحياة، رغم كلّ ما يحيط بك من سواد. وأظنّ أن التمسّك باللحظات الجيدة مفيد، وفي النهاية لا يمكننا أن نطلب عالماً سحرياً خالياً من التفاصيل اليومية بمختلف تناقضاتها.

وتضيف في إطار متّصل: إذا نظرت إلى اللوحات سترينها مشبّعة بالفرح، ولكن قد يكون ذلك نتاج حالة من الحزن العميق. ليس بالضرورة أن تأتي خطوطي وفقاً لما في داخلي من السلبية حين أعمل على تكوينها، لعلّ الرسم مساحة لإخراج الألم إنّما بهيئة مفرحة.

وعن فرضية مقدرة المتلقّي على تفسير المعنى الساكن بين خطوط الفنان تقول قنيزح: ليس بالضرورة أن يعرف المتلقّي ما يريده الفنان أو ما عاشه لحظة رسم اللوحة، الأهم أن يرى من يتأمل اللوحة انعاكس ذات صاحبها. بمعنى أنه حين تنظرين إلى عمل فنّي لا يكون دورك كمتذوّقة لفنّ الرسم أن تدركي ماهية شعور الرسام، وقد ترين فيها شيئاً مغايراً للفكرة الأساس، قد ترين فيها جانباً يشبهك أنت.

أما عن دور المدارس الفنية في تشكيل هويتها، فتقول قنيزح: ليس بالضرورة أن يتبع الفنان مدرسة محددة، إذ إنّ كل نقطة بداية، وفي لحظة ولادتها كانت جديدة، أنا أمزج بين عدد من الأساليب الفنية التي تعجبني مثل بيكاسو وفريدا وسلفادور دالي، فريدا لأنها امتلكت القدرة على إظهار مشاعرها خصوصاً أنها عاشت حياة صعبة جداً وتمكّنت من تجسيدها على القماش. ودالي لديه أفكار مختلفة تجذبني، أما بيكاسو فأحب الألوان التي يستعملها. في النهاية، هناك ما أريد قوله، لكنّني لم أصل إليه بعد. هذا المزيج يحثّني على البحث لإيجاد ما أريد، وأظن أنّني لن أجده، وحتى لو وجدته، من يعلم ماذا سأفعل لاحقاً، بصراحة لا أفكر بالموضوع كثيراً.

قنيزح لا تفكّر برسم أشياء يمكن أن تلتقطها عين الكاميرا، لذلك تعطي لوحاتها طابعاً يخرج عن إطار المكان والوجوه.

ونسألها عن رأيها بفعل النقد إذا ما كان موضوعياً وحقيقياً فتقول: من المفترض أن يكون هناك أشخاص مختصّون في هذا المضمار، يدركون ما يرونه أمامهم من خطوط وألوان، لكن للأسف ما نراه اليوم لا يمكن وضعه في خانة التخصّصية في النقد الموضوعي والعلمي. هناك كثيرون يطلقون على أنفسهم لقب «ناقد فنّي» ولكنهم لا يملكون المقدرة الفعلية على النقد، مع احترامي للجميع، ولكن الساحة مفتوحة لكلّ الآراء حتى ولو كانت خلفيتها مزاجية شخصية. من جهتي لا يزعجني من يقول إنه لا يحبّ أسلوبي، ولكنّ أكثر من يوتّرني أن يأتي أحدهم ويعمل على تشريح لوحتي وتوجيه الملاحظات، وقد يصل به الأمر أن يملي عليّ كيفية توزيع الخطوط والألوان على القماش.

تعتبر قنيزح أن تعيش مغامرة تستحقّ منها المحاولة كي تترك بصمتها في محيط يضجّ بالكثير من التطوّر والانفتاح الإلكتروني بما فيه من سلبيات وإيجابيات. وعن ذلك تقول: هذا العالم الافتراضي الشاسع مفيد في مكان ما لناحية الانتشار وإيصال ما لديك إلى الناس، بشرط أن يكون ما تقدّمينه جهداً خاصاً بك وليس منقولاً عن الآخرين. أما الوجه السيئ لهذا العالم، فيتمثل في سرقة البعض أفكار غيرهم، وإقناع المتابعين أنها من نتاجهم، إذ يمكن لأيّ شخص أن ينقل صورة أو لوحة ويمهرها بتوقيعه من دون أن يشير إلى مصدرها. وهذا الأمر ينسحب على المجالات كافة لا على الرسم فحسب.

وتحمّل قنيزح جزاء كبيراً من هذا الجيل مسؤولية تفوّق السلبي على الإيجابي في العالم الافتراضي قائلة: المشكلة أن جيلنا يتعامل مع المعلومات بطريقة سطحية ويستسهل مهمة البحث عنها. قلة قليلة منّا تقرأ كما يجب، قد أكون محظوظة لأنني لم أتخلّ يوماً عن الكتاب ولم أستعجل الأمور وأبحث في العمق وبتأنّ.

أما لماذا اختارت أن يكون معرضها في مقهى، تجيب: نحن في زمن بات اللقاء مع الآخرين مرتبطاً بالطعام، حتى حين نذهب لحضور مسرحية نخرج ونناقشها في مقهى أو مطعم، ربما لأننا نعيش في مجتمع استهلاكي. أنا أرى أن المعارض أو الأمسيات الشعرية والندوات يجب أن تكون في قاعة مغلقة حيث يأتي الناس لتذوّق الفن ولسماع الشعر. ولكن إذا ما تطلّب منّا أن نتكيّف مع المجتمع كما هو فلماذا لا نجاريه ونجبر الناس على الحضور ليروا ما لدينا وليسمعوا كلماتنا. الأهمية تكمن في قدرتنا على إيصال الفكرة ويبقى المكان تفصيلاً مقترناً بطبيعة الزمن الذي نعيشه.

وتختم قنيزح بالقول: برأيي، من يملك الموهبة شخص محظوظ، وتبقى الدراسة المتّكأ لإخراج ما في داخلنا من طاقة وقدرة على التغيير لتصبح الحياة مكاناً أكثر جمالاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى