قلعة دمشق… فنّ العمارة العسكرية السورية

لورا محمود

هي قلعة محصّنة أنشئت في العصور الوسطى، تعدّ من أهمّ معالم فنّ العمارة العسكرية في سورية، بنيت في العصر الأيوبي، وهي تحفة معمارية هامة تحكي تاريخ دمشق وما مرّ عليها منذ زمن إلى يومنا الحاضر… إنها قلعة دمشق.

موقع القلعة وتاريخها

تقع قلعة دمشق في الركن الشمالي الغربي من أسوار مدينة دمشق، بين «باب الفراديس» و«باب الجابية»، وهي جزء من مدينة دمشق القديمة. يحيط بها خندق عرضه حوالى 20 متراً. شيّدت القلعة على السهول المطلة على نهر بردى واحتلت الزاوية الشمالية الغربية من مدينة دمشق القديمة، لتتكامل أسوارها الشمالية والغربية مع أسوار المدينة.

قام أمراء بوريون وزنكيون في وقت لاحق بتنفيذ بعض التعديلات على القلعة وإضافة هياكل جديدة إليها. خلال تلك الفترة كانت المدينة والقلعة محاصرَتَين من قبل الجيوش الصليبية والإسلامية، وفي عام 1174 ميلادياً وقعت القلعة في يد صلاح الدين الأيوبي، وجعلها مقرّاً لإقامته، ورمّمها وأضاف إليها أبنية أخرى.

قام شقيق صلاح الدين الأيوبي العادل أبو بكر بن أيوب بإعادة بناء القلعة بالكامل بين عامَي 1203 و1216 ميلادياً. وظلّت القلعة في أيدي الأيوبيين حتى ظهور القائد العام للجيوش المغولية كتبغا، الذي سيطر على دمشق عام 1260، منهياً بذلك حكم الأيوبيين في سورية.

وبعد هزيمة المغول على يد المماليك الذين نجحوا في حكم مصر، جاء المماليك إلى دمشق بعد غزوها واستمر حكم المماليك لدمشق لفترات وجيزة ما بين 1300 و1401 ميلادياً، أما القلعة فقد سيطر عليها المماليك حتى عام 1516 ميلادياً، وفي السنة نفسها، أصبحت سورية تحت احتلال الإمبراطورية العثمانية، وابتداء من القرن 17 أصبحت القلعة بمثابة ثكنات عثمانية لوحدات المشاة الإنكشارية.

بدأت القلعة بالوقوع في حالة سيئة في القرن 19، وقد كان استخدامها العسكري الأخير في عام 1925 ميلادياً، عندما قصفت القوات الفرنسية القلعة، ردّاً على الثورة السورية الكبرى التي قامت ضدّ الاستعمار الفرنسي. فقد قصفت القوات الفرنسية «حي الحريقة» الموجود في المنطقة الجنوبية من القلعة، وهو مكان تواجد الثوار السوريين الذين انتشروا في التلال المحيطة بالقلعة، شمال مدينة دمشق، وأدّى هذا القصف إلى تدمير واسع النطاق في القلعة، وبعد نهاية الاستعمار الفرنسي لسورية، حُوّلت القلعة إلى سجن، فثكنة عسكرية حتى عام 1986.

الوصف المعماري

تعتبر القلعة الوحيدة في سورية التي لم تُشيّد على مرتفع، بل هي على مستوى الأرض. هي تحفة معمارية عسكرية تسلّط الضوء على فنّ العمارة في العهد الأيوبي، وتقدّر مساحة القلعة اليوم بحوالى 33176 متراً مربّعاً، ولها ثلاثة أبواب، شكلها مستطيل غير منتظم بأضلاع ليست مستقيمة، وفيها 12 برجاً، يتألف كلّ برج من عدّة طوابق، ويحتوي كلّ طابق على ردهة واسعة، معقودة بحجارة ضخمة مدبّبة وعادية، كما أن كلّ طابق مجهّز بشرفات بارزة عددها ما بين أربع وخمس شرفات، كما تم تزيين أعلى الأبراج بأفاريز وشراشيف مدرّجة، وأبواب مقرنصة، أما سماكة جدرانها فهي ثلاثة أضعاف غيرها لتكون أكثر مقاومة للمنجنيق، وقد كان في القلعة قصور ومنازل وحوانيت ومسجد أبي الدرداء ودار رضوان، ودار المسرة، ومخازن وطاحون للحبوب، وقد سكن القلعة في عصور مختلفة السلاطين، والملوك والأمراء، إضافة إلى الفقهاء والعلماء والوزراء.

أبراج القلعة

في القلعة اليوم 12 برجاً، حيث يوجد برج واحد في كلّ زاوية، وثلاثة على طول كل من الجدران الشمالية والجنوبية للقلعة، واثنان في الشرقية، وقد كان للقلعة في الأصل 14 برجاً، لكن اثنين من الأبراج التي كانت على الجدار الغربي انهارا بسبب الزلزال الذي ضرب دمشق عام 1759 ميلادياً، والذي أدّى إلى انهيار الدفاعات الغربية من القلعة، مع الأبراج الغربية التي لم يتم بناؤها بعد ذلك. كما أفاد رحالة أوروبيون أنّ البرج المركزي الشمالي، الذي كان يؤوي البوابة الشمالية للقلعة، وبرج الزاوية في الجنوب الغربي اختفيا أيضاً بشكل كبير وقد تم الحفاظ على عشرة أبراج أخرى يتراوح طولها ما بين 15 و25 متراً.

البوابات

وللقلعة أيضاً ثلاث بوابات، بوابة في الجهة الشمالية، وثانية في الجهة الشرقية، أما الثالثة فهي في الجهة الغربية.

بنيت البوابة الشمالية، أو «باب الحديد» كما كانت تسمى، بشكل أساسي للمسائل العسكرية، وقد كانت تتألف أصلاً من مداخل مقوّسة في جدران البرج في منتصف الجدار الساتر الشمالي الشرقي، وتؤدّي هذه المداخل إلى غرفة مقبّبة مركزية، ومن هناك عن طريق ممرّ مقبّب طويل قبل الوصول إلى الفناء. وقد تم دمج هياكل من بوابة القلعة القديمة مع هذه البوابة الكبيرة المعقدة. ويعود البناء الأصلي للبوابة إلى عهد الدولة الأيوبية في الفترة ما بين 1210 و1212.

أما البوابة الشرقية فيعود تاريخ تشييدها إلى ما بين عامي 1213 و1215، وتعتبر البوابة الشرقية الوحيدة في القلعة التي تفتح نحو المنطقة المحاطة بأسوار مدينة دمشق. وهي تقع في واحدة من الأبراج المربعة، ويحميها برج آخر من ناحية الجنوب يوازي برج البوابة، كما يوجد مرقب يعمل بين هذه الأبراج، ويوجد في البوابة مدخل منعطف تمرّ عبرها ممرات مقبّبة قبل الوصول إلى الفناء، وراء ذلك ثمة قاعة مربّعة لها أربعة أعمدة دعم، وقبّة مركزية شكلها غير مألوف، كما أن البوابة تشمل برجاً من القلعة القديمة.

البوابة الغربية كانت محمية أصلاً من قبل اثنين من الأبراج المربعة، ربما التي بنيت في عهد بيبرس، وقد أدّى زلزال عام 1759، إلى انهيار الدفاعات الغربية من القلعة، ولم يتم إعادة بناء هذه الأبراج، وخلافاً لغيرها من البوابتين.

ترميم القلعة والبحوث العلمية

أدرجت المدينة القديمة في دمشق، بما في ذلك القلعة، في قائمة «يونيسكو» لمواقع التراث العالمي عام 1979، وفي عام 1986 نفّذت أعمال ترميم مختلفة للقلعة من هيئات سورية وبعثات أجنبية بهدف فتح القلعة للجمهور.

وقد أجرت البعثة الفرنسية للآثار وتحت إشراف المديرية العامة السورية للآثار، والمعهد الفرنسي للشرق الأدنى بين عامَي 2000 و2006، عدة بحوث أثرية، وبحوث فنية وتاريخية، فضلاً عن مواصلة أعمال الترميم في القلعة.

عام 2004 تم التوقيع على اتفاق بين المديرية العامة السورية للآثار والمتاحف والمديرية العامة للتعاون الإنمائي الإيطالي، وانضمت البعثة الإيطالية إلى المتحف الوطني في دمشق، وبدؤوا مهمة تجديد القلعة وإعادة تنظيمها عام 2007، حيث قامت البعثة بتعزيز الأجزاء التالفة أو الضعيفة هيكلياً في الهندسة المعمارية للقلعة وهي تستخدم اليوم للأنشطة الثقافية والاجتماعية.

لا بدّ أن نذكر نصب صلاح الدين، أحد أبرز النصب التذكارية في مدينة دمشق ويقع مقابل قلعة دمشق، صمّمه المعماري عبد الله السيّد عام 1993 لمناسبة الذكرى 800 لوفاة صلاح الدين، وهو من البرونز. ويُظهر النصب صلاح الدين ممتطياً جواده، محاطاً باثنين من الجند العرب، وخلفه اثنان من أسرى الفرنجة اللذين أسرهما صلاح الدين في أعقاب معركة حطين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى