هل يُنزل جنيف الرياض ومعارضتها عن شجرة التعنّت؟

سعدالله الخليل

يبدو أنّ الردّ الأميركي على رسالة جماعة الرياض المعارضة والتي طلبت إيضاحات من وزارة الخارجية الأميركية حول تصريحات وزير الخارجية جون كيري بأنّ المعارضة السورية المسلحة «ستُقتلع» خلال 3 أشهر، والتي يبدو أنها وصلت بسرعة إلى الهيئة، وتكهّنات رياض نعسان آغا بأنّ واشنطن تخلت عن المعارضة وباعت أتباع الرياض لتصبح بحكم المؤكدة، فما كان منها إلا أن سارعت لإعلان نقاش إمكانية عدم ربط مشاركتها في محادثات جنيف بوقف إطلاق النار كأول التنازلات التي سبق أن ساقتها كشروط لمشاركتها في المحادثات الجدية في جنيف وكمبرّرات لانسحابها من المفاوضات بعد طول تلويح وبعد موجة من التهديد والوعيد لم تنفع بمنح الرياض فرصة لفرض رأيها على المجتمع الدولي والأطراف الفاعلة في المشهد السوري.

بعد التسريبات عن مشاركة وفد الرياض في محادثات الخامس والعشرين من الشهر الحالي بمدينة جنيف بالتزامن مع إطلاق مناورات «رعد الشمال» العسكرية السعودية ضمن خطة تدريب برية وبحرية وجوية وصفت بأنها الأكبر في تاريخ الشرق الأوسط، بما يؤكد أنّ الرهانات لا تزال تزاوج ما بين الخيارات السياسية والميدانية العسكرية، وفي هذا السياق يأتي تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأنّ بعض الدول لا تخفي نيتها المراهنة على الحلول العسكرية في سورية، في حال فشل المفاوضات السلمية ليؤكد بأنّ ما يشاع عن الخطوات العسكرية تبقى ضمن دائرة الخيارات في المستقبل القريب.

سواء صدقت تسريبات وتحليلات وزير الخارجية الأميركي حول مصير ما وصفته بلاده يوماً بالمعارضة المسلحة أو خابت، فإنّ الدوائر المقرّبة من وفد معارضة الرياض، بما فيها تلك التي شاركت في اجتماع الرياض وانسحبت وعادت لتعلن تأييدها في محادثات جنيف، لا تخفي امتعاضها من سلوك وفد الرياض في المباحثات والتهديد المتكرّر بالانسحاب من المحادثات إلى أن علّقها المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا حفظاً لماء وجهه ووجه الرياض وواشنطن، حيث فتحت الخطوة الباب واسعاً أمام مزيد من الانهيارات الميدانية على الأرض السورية في ريفي حلب ودرعا وشكلت مبرّراً لتحميله مسؤولية فشل المباحثات من دون أيّ مكاسب سياسية تذكر، بل انعكست عليه سلباً حيث بدت تنازلاته من موقع الضعف والانصياع للموقف الدولي بعد التصريحات الأميركية ولو قبلت بما قبلته اليوم في جنيف لاعتبرت خياراتها تسهيلاً للمحادثات وخطوة متقدّمة في طريق الحلّ السياسي بحيث يبدو حرصها على مستقبل البلاد أكبر، إلا أنّ الأطراف الداعمة لها أرادت أن تثبت تبعيتها وغيابها عن الواقعية السياسية لتحرق المزيد من أوراقها المحروقة أصلاً.

في الخيار العسكري تبدو التحركات الخليجية نحو التدخل البري وإنْ كانت تحت شعار الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي خطوة في اتجاه الهروب المجاني إلى الأمام، وبالرغم من مرارة التدخل العسكري على الأطراف كافة، فإنّ مغامرة كهذه تقف في صفّ الدولة السورية والروسية بحيث تفتح الساحات القتالية بشكل علني وتلغي أيّ حسابات تمنعها من ضرب قوافل المسلحين وتجمّعاتها في الداخل التركي والأردني، وهي الحالة المتواصلة منذ بداية الأزمة السورية والتي كشفت الوقائع والأدلة صدق الرؤية السورية بالتورّط التركي والأردني في دعم الجماعات المسلحة وإدارتها بغرف عمليات تدار في الداخل الأردني والتركي، وبالتالي تتحوّل المواجهة من سياق غير مباشر إلى المواجهة المباشرة بما يثبت الحق السوري في الدفاع عن سيادتها بالحفاظ على أراضيها بوجه عداون مباشر معلن لا علاقة له بحراك شعبي لطالما تلطت تلك الدول وراءه، ولا لمحاربة إرهاب قطع الجيش العربي السوري وحلفاؤه أشواطاً متقدّمة في مساراته، وبالرغم من صعوبة تأمين فرص النجاح لأيّ تدخل بري في الأرض السورية، فإنه لا يمكن استبعاد الخطوة في ظلّ التهوّر السعودي التركي الذي وصل إلى حدّ الجنون.

ما بعد جنيف يبدو أنّ معارضة الرياض تسعى إلى النزول من أعلى شجرة التعنّت غير المجدي، في حين يسعى داعموها في أنقرة والرياض إلى القفز من شجرة إلى أخرى على أمل التمسك بغصن ينجّيها من السقوط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى