فوز أردوغان … وحماس المتحمّسة!

القدس المحتلة ـ راسم عبيدات

انتهت الانتخابات المحلية التركية بفوز واسع لأردوغان وحزبه الحرية والعدالة ، رغم أن المعطيات والوقائع كلها تؤشر إلى أن هذا الحزب مرشح للتراجع بعشر نقاط أو أكثر عن الانتخابات السابقة، وليس تحقيق تقدم بعشر نقاط، فثمة فشل كبير في السياسة الداخلية والخارجية وكذلك سلسلة الفضائح والفساد المالي التي طاولت أركان حزب أردوغان وعائلته، ناهيك عن قمع الحريات وحجب مواقع التواصل الاجتماعي والتقييد الكبير للحريات الإعلامية، وكذلك حملات القمع والاعتقالات بالجملة، كلّها عوامل ومؤشرات قوية على تراجع حزب أردوغان لا على تقدمه. لكن رغم ذلك، استطاع الديكتاتور أردوغان المصاب بجنون العظمة، وبإعادة الخلافة المريضة على حساب الدم والجغرافيا العربية، أن يحقق نجاحاً مستحقاً على قوى المعارضة، وتحديداً على حزب الشعب الجمهوري وسواه من أطياف المعارضة. ويدلّ ذلك على أن قوى المعارضة المشتتة لا تمتلك رؤيا واستراتيجية واضحتين، إن على الصعيد الخارجي أو الداخلي، وغير قادرة على توظيف أخطاء أردوغان الكبيرة وفضائحه المالية وما قام به من عمليات قمع وتنكيل بالجملة في حق المتظاهرين والمعارضين ووصفهم بالخونة في حملته الانتخابية. ما يعني أن أردوغان نجح بسبب ضعف المعارضة وتفكّكها، وعدم امتلاكها برامج ومقاربات اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها واضحة لكيفية التعامل مع الوضع التركي، فضلاً عما شهدته الأحزاب القومية والعلمانية والليبرالية من ضعف وتراجع عربياً وإقليمياً لعبت دوراً مهماً في نصر أردوغان.


رغم ما حصل عربياً وإقليمياً من تراجعات وانحسارات لحركة «الإخوان المسلمين» بعد حالة الصعود والنهوض خلال الثلاثة أو أربعة عقود الماضية، التي بلغت ذروتها بتسلّم «الإخوان» السلطة في مصر، هذا الاستلام الذي أخرج الحركة من دائرة الإتكاء على خطاب المظلومية وبأنها حركة مقاومة وخادمة للشعب، وكشفها سريعاً أمام الجماهير أنها حركة تعمل وفق مصالحها وأجنداتها، وليس وفق مصلحة شعوبها وأهدافها، ولتخسر الحركة الحكم في أقل من عام واحد، والخسارة هذه لا تعني أن الحركة انتهت أو خرجت من دائرة الفعل والعمل والحضور السياسي، فللإسلام السياسي بيئة حاضنة عربياً وإسلامياً وبنية تحتية وتنظيمية ودينية وشبكات واسعة من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، ويملك صنابير مال مفتوحة. وبالتالي فإن المواجهة مع تلك الجماعة لا تتم بالضرورة عبر البوابة الأمنية من خلال الاعتقالات أو قرارات الإعدام بالجملة التي أصدرها القضاء المصري في حق أعضاء «الجماعة»، بل عبر إجراءات وتشريعات اقتصادية واجتماعية ناجحة، مترافقة مع إطلاق الحريات الديمقراطية والسياسية ومواقف قومية وعروبية حقيقية تشكل روافع حقيقية للمشروع القومي العربي.

في الإطار الآخر، واضح أن حركة حماس تكرر ارتكاب الأخطاء نفسها وعلى نحو أشد خطورة، فهي لا تجلب الضرر لنفسها فحسب، بل ينعكس الأمر على الشعب الفلسطيني عامة، فعندما فاز مرسي بالانتخابات المصرية هللت حماس وطبلت لانتصار «المشروع الإسلامي»، وأضحى «مرسي» بمثابة الخليفة المنتظر، ووضعت كل بيضها في سلة مرسي، وبعد سقوط «الخليفة مرسي» المدوي وقفت حماس المتماثلة إيديولوجيا وفكرياً والنابتة من رحم الجماعة مع «الإخوان» بـ»الباع والذراع» واستعدت النظام الجديد في مصر من دون أي اعتبار لقضية الجغرافيا وما يستتبع تلك المواقف من انعكاسات على الشعب الفلسطيني، إذ دفع شعبنا ويدفعه في قطاع غزة ثمن أخطاء حماس، وأقدم النظام المصري على إجراءات غير مسبوقة من تدمير للأنفاق وإغلاق معبر رفح وفرض إجراءات وقيود على سفر الفلسطينيين من القطاع إلى الخارج، وبرر ذلك ليس بتدخل حماس في الشأن الداخلي المصري فحسب، وهذه حقيقة لا تستطيع حماس نكرانها، بل بحماية الأمن القومي المصري، خاصة بما يحدث في سيناء التي أصبحت بؤرة للجماعات الإرهابية والمتطرفة والمغذية إقليمياً ودولياً والتي تعبث بالأمن القومي المصري وتهدد الاستقرار.

اليوم، بعد فوز الدكتاتور أردوغان، بدأت حماس حملة تطبيل وتزمير وأعلنت حالة النفير العام ونصبت خيام الفرح ودقت الطبول وسيرت المسيرات احتفالاً وابتهاجاً بـ»المشروع الإسلامي» وقائده أردوغان «الخليفة المنتظر»، الخليفة هذا «نصير غزة وفلسطين والإسلام والعروبة»، ولا أعرف أي غباء سياسي ترتكبه هذه الحركة؟ وعن أي قائد إسلامي ومشروع إسلامي تتحدث؟ فأنا لا أعرف كيف يكون مشروعاً إسلامياً في كنف عضوية الخليفة «أردوغان» في حلف الناتو وما يقدمه من خدمات إلى أميركا والغرب و«إسرائيل» في إطار تلك العضوية؟ وهل يريد مصلحة العرب والمسلمين، هو الساعي إلى شن حرب على سورية خدمة للأطلسي وأميركا، بحسب الفيديو المسرّب لاجتماع أركان قيادته، وإرضاء لنزواته وجنون عظمته؟ وهل الغارق في الفساد من رأسه حتى أخمص قدميه هو وعائلته وأركان حزبه هو نموذج للشفافية؟ وهل من يمارس القمع والتضيق على الحريات وكمّ الأفواه وتخوين المعارضين هو مثال للديمقراطية والعدالة؟

أي قائد هذا وأي مشروع إسلامي تتحدث عنه حماس؟ على حماس أن تراجع سياساتها ومواقفها ولا تستمر في جلب المصائب والكوارث لشعبنا، فوقوفها الأعمى إلى جانب «الإخوان» ومرسي جلب على شعبنا الكوارث في القطاع، ودعمها وابتهاجها بانتصار الخليفة أردوغان، الديكتاتور والطاغية سيجلب علينا وعلى شعبنا في القطاع المزيد من الكوارث والمصائب، فهل تتعظ حماس وتتخلى عن سياساتها المدمرة؟

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى