ما قبل رحيل أوباما وما بعده… ماذا سيحصل للعراق؟

مصطفى حكمت العراقي

يشكل العراق هدفاً ومركزاً رئيسياً تتخذه واشنطن لجهة تمديد نفوذها في عمق جغرافي مهمّ وموقع جيوسياسي فريد، إذ تلتقي فيه الأضداد من طهران والرياض الى دمشق وأنقرة، كما يشكل فيه إقليم كردستان موقعاً لتنفيذ خطط من تل ابيب وواشنطن وغيرها من العوامل التي تجعل العراق بؤرة جذب الخارج لتنفيذه خططه في بغداد وجعلها منطلقاً لتحقيق مشاريع في الشرق الاوسط برمّته لذلك نجد حجم التكالب على العراق من جهة، والاهتمام به من جهة أخرى. وهاتان الحالتان المتناقضتان اجتمعتا في سياسة الولايات المتحدة المتبعة مع العراق، فسمحت واشنطن بولادة «داعش» ودخوله العراق واحتلال محافظات عدة بعد أن اوعزت الى القادة العسكريين المرتبطين بها بترك المعارك واسقاط الجيش العراقي، للسماح بتمكن داعش لتحقيق أهدافه في العراق عن طريقه. وهو ما كشفته العديد من التقارير الاستخبارية والصحافية، وكان الهدف الاسمى من هذه الخطوة هو التوجه نحو عودة الاحتلال الاميركي لبغداد تحت ذريعة حماية العراق، وهو ما حصل بعد ذلك. فتوالت عودة الطائرات الحاملة جنودا اميركيين الى الانبار، ومن ثم المساهمة بتحرير الموصل لغرض فرض إرادة واشنطن السياسية بعد تحرير كامل الأراضي العراقية. وهو ما يندرج بشكل أوسع لتحقيق مشروع نائب الرئيس الاميركي جو بايدن المعلن منذ بداية ولاية أوباما الاولى لتقسيم العراق الى ثلاث دويلات طائفية ما يعني حكماً التوجه نحو تطبيق مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي ستكون نقطة شروعه في بغداد، الا أنّ هذه النيات قد اصطدمت بإرادة شعبية عراقية مدعومة من حلفاء أوفياء كإيران ودمشق وحزب الله حتى وقف المشروع المعادي للعراق ولكامل محور الممانعة في المنطقة الذي تشكل بغداد رئته والتي من غير الممكن للحلف أن يسير قدماً في مقاومة المشاريع المشبوهة في المنطقة من دون بغداد. ولذلك كان لإدارة اوباما القرار بالتوجه لإنهاء ملف «داعش» في العراق قبل نهاية ولاية أوباما الحالية في نهاية هذا العام، لذلك تعدّدت الإعلانات الاميركية عن مقتل قادة داعش في العراق، وتوالت زيارات مسؤولي واشنطن الى بغداد مجدّدين فيها دعمهم العراق على المستوى العسكري أولاً ومن ثم الاقتصادي الصعب وصولاً الى المستوى السياسي الذي يمرّ فيه العراق بأصعب أحواله. فلا برلمان يُعقد ولا حكومة تعمل والجميع دخل في دوامة الإصلاحات التي أدخلت البلاد في نفق مظلم جعل المواطن يدخل مقارّ حكومية بغية التعبير عن غضبه ورفضه الواقع المزري المتمثل بضعف ادارة رئيس الوزراء لعمل الحكومة.

وكذلك الحال مع رئيسي البرلمان والجمهورية، ولكن ضعف هؤلاء كان مريحاً ومفرحاً لإدارة اوباما لجهة وجود حلفاء لها في العراق ينفذون أوامر بايدن وكيري ويتخذون من طريق واشنطن منهجاً لتحقيق ما يحلمون به، لذلك نجد إدارة اوباما تصرّح جهاراً نهاراً بمنع سقوط هؤلاء القادة الذين رفضهم الشعب، لأنّها تعلم انّ القادم لن يكون مطيعاً كهؤلاء، فجاء بايدن وكيري وكارتر والعديد من مسؤولي ادارة أوباما للإفصاح عن هذا الدعم، بعد ان كان سقوطهم حتمياً في الايام الماضية بالنظر لتولد كتلة برلمانية كبيرة اتخذت من إسقاط الرئاسات الثلاث هدفاً لها، وسارت في هذا الهدف وهي الآن تخوض معركة قانونية في هذا الأمر. أما الولايات المتحدة فهي تدافع عن وليدها الشرعي في العراق والمتمثل بالعملية السياسية الهزيلة التي تولدت بعد الاحتلال الاميركي للعراق، وتدفع للحفاظ على مكتسباتها في هذه العملية لتحقيق أهداف سياسية لأوباما وحزبه قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة لجهة القول إنّ طائرات تحالف واشنطن هي مَن حمت بغداد من السقوط بيد «داعش»، لذلك تلهُّف صدور فريق اوباما العسكري لإنهاء ورقة داعش لحسم الرئاسة المقبلة لحزب أوباما، أما الفريق السياسي فيجهد في منع سقوط الحكومة الحالية المضمون ولاؤها لواشنطن وعدم الخوض في مغامرة السماح بتشكيل حكومة جديدة غير معلوم ولاؤها ومدى تبعيتها لواشنطن، فكانت آخر الزيارات الداعمة لفريق العبادي السياسي هي زيارة نائب وزير الخارجية الأميركي توم شانون الذي ناقش خلال زيارته العراق يومي 8 – 9 أيار مسألة مكافحة تنظيم «داعش»، وأكد على دعم واشنطن لحكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وقد التقى شانون في بغداد وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيتش، ووفقاً لوزارة الخارجية الأميركية فإنّ الزيارة التي أداها الدبلوماسي الأميركي كانت تهدف إلى دعم حكومة حيدر العبادي التي لا تستطيع الحصول على ما يكفي من الأصوات في البرلمان من أجل الموافقة على برنامجها الإصلاحي الذي يشمل إجراء تغييرات في مجلس الوزراء لا تقوم على المحاصصة الطائفية أو السياسية.

في المجمل، فإنّ العراق مع نهاية ولاية أوباما قد يشهد نهاية لملف داعش»، ما سيعزز سطوة العبادي على السلطة في الفترة القليلة المقبلة، والتي قد تتغيّر لجهة التعزيز او الضعف مع وصول الرئيس الجديد لسدة الحكم في البيت الابيض، بالنظر لمدى تفاعل الرئيس الجديد مع الفوضى السياسية العارمة في العراق لذلك فإنّ العراق سيبقى في الركود السياسي الحالي لحين رحيل اوباما وحتى ما بعده لفترة نصف عام او عام على الأكثر، لأنّ الرئيس الجديد سيقضي هذه المدة في ترتيب البيت الداخلي لحكمه، خصوصاً إنْ كان القادم من الحزب الجمهوري، وهو ما سيؤخر التفاعل مع ملفات المنطقة بشكل عام وسيجعلها عرضة للتغيير نحو ايّ احتمال مقبل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى