هاجس «الإمارة «واختبار «النيات» الغربية في عين الحلوة

روزانا رمَّال

يتحدث دبلوماسيون غربيون عن قرار دولي بالمحافظة على أكبر قدر ممكن من التوازن الأمني في لبنان، ضماناً للاستقرار الذي يشكل نقطة ارتكاز أساسية على البحر المتوسط، منعاً لتفاقم أزمة انتشار الإرهاب وتدفق اللاجئين فيه نحو شواطئ المانيا وايطاليا واليونان وغيرها من الدول التي يتخذها النازحون هرباً من الأوضاع المأساوية. وعلى هذا الأساس تضافرت الجهود بالسنتين الماضيتين للمحافظة على الاستقرار الأمني النسبي» ما جعل عمل القوى الأمنية من أمن عام وأمن دولة واستخبارات الجيش بالتعاون مع جهات أمنية في حزب الله أنجح وأكثرها تثبيتاً للاستقرار، فتوالت إنجازات القوى الامنية اللبنانية والقي القبض منذ حوالي السنة حتى اليوم على عدد كبير من الخلايا يتراوح مدى خطورتها بين المتوسط وصولاً لمستوى قيادات تكفيرية ضبطت على الأرض اللبنانية، وقد اعترف بعضها بعمليات كان من المقرّر تنفيذها، وجزء منها يتمحور حول اغتيالات سياسية رفيعة المستوى لزعامات لبنانية كانت ستتكفل بما يكفي من إحداث زلزال في الساحة اللبنانية قادر على فتح الأمور نحو كافة الاحتمالات، خصوصاً أن الملف السوري لم تتضح مخارجه السياسية والأمنية حتى الساعة.

يعيش مخيم اللاجئين الفلسطينيين في منطقة عين الحلوة ـــ صيدا جنوب لبنان ذيول النزوح بأشكاله كافة، وما ترتّب عليه من إيواء قسري لتكفيريين اختبأوا بين الفلسطينيين العزل، فبات هذا المخيم بؤرة شديدة الخطورة على اهله وعلى الجوار بعد أن عانى اشتباكات عنيفة لليلتين ماضيتين على خلفيات متداخلة بين انتقامات ومهل وأخذ ورد بين القوى على الأرض وخلفيات تتعلق باغتيالات سابقة تم تنفيذها. أدت الاشتباكات الى نجاح الجيش اللبناني بإلقاء القبض على امير داعش في المخيم عماد ياسين مع ما ارخاه هذا التطور من توترات، حيث سجل حركة نزوح من المنطقة خوفاً من أي تطور أمني من ضمن الإجراءات الاحترازية التي بات سكان المخيم يتقنون التعاطي معها.

إلقاء القبض على الإرهابي عماد ياسين، مسؤول داعش الأول في المخيم، هو نجاح استخباري ملموس للقوى الأمنية اللبنانية، وهو يرجح امكانية ان تكون جهات فلسطينية داخل المخيم قد شاركت في التوصل لهذه النتيجة بالتعاون مع الأجهزة اللبنانية مع ما تحمله هذه الحادثة من خلفيات تعود بالفائدة على باقي القوى التكفيرية الموجودة بالمخيم أصلاً. وهنا فإنّ الاحتمال وارد ان تندلع المواجهات بين القوى الإرهابية والقوى الفلسطينية من جهة، وبين القوى الارهابية نفسها من جهة ثانية، ايضاً انتقاماً لتسليم المدعو ياسين للجيش اللبناني ما يفتح الاحتمالات كافة على باقي المناطق المجاورة ولبنان بشكل عام. فهل سيشهد المخيم محاولات انتقامية قد لا تمرّ مروراً عادياً هذه المرة مع تصاعد الضغوط المحلية السياسية في لبنان؟

السؤال البديهي بات عن مدى تمسك القوى الغربية بالاستقرار الذي دأبوا على الترويج له كرغبة دولية في لبنان، وإذا كان هذا مطلوباً او باقياً بالمرحلة المقبلة. فالسؤال الأبرز هل باتت مسألة فتح معركة عرسال وقتال الإرهاب واحدة من بين الإجراءات المتخذة بهذا الاطار؟ ما جرى في عين الحلوة يضع الجيش اللبناني في دائرة الاستهداف الدائم ويذكر بوجوب فتح العمليات بالجرود، وإذا كان الدعم الغربي واقعاً فإنّ هذا يعني منح الغطاء الأمني للجيش اللبناني وإمداده بالعتاد اللازم لإنجاز المهمة، وإلا فإن الحديث عن هذا الاستقرار بات يشكل ما يشبه الترقيد» بانتظار حدث ما قد يفجّر الأمور بوجه اللبنانيين، فانتظار الحكومة اللبنانية للبت في هذا الأمر وتغطية قيادة الجيش للانطلاق بالعملية المطلوبة لم يعُد مفهوماً.

العدد الكبير من الإرهابيين الذي بات بحوزة الجيش اللبناني المتوزع بين داعش والنصرة يأخذ الى احتمالات عديدة بينها إمكانية أن تؤدي لأعمال انتقامية من قبل الجهات التكفيرية، رداً على ذلك وهي التي وضعت الجيش اللبناني هدفاً دائماً، لهذا يعني إمكانية تحريك جبهة عرسال اللبنانية في اي وقت. اما الأمر الثاني فهو إمكانية اعتبار أن هذه الاعتقالات أسست الى ضعف في بنية داعش والنصرة في لبنان، فبات كلا التنظيمين غير قادر على الرد او الانتقام. وهذا ما لا يمكن أخذه على محمل الدقة قبل وضوح الامور في سورية.

المخيمات الفلسطينية التي يختبئ فيها تكفيريو داعش والنصرة قادرة على تشكيل قنبلة موقوتة تتفجّر بوجه الجيش اللبناني ومعه حزب الله الذي يتشارك مع القوى الأمنية التهديدات نفسها وتداعياتها. وهنا عودة الى كلام سابق لقائد الجيش العماد جان قهوجي قال فيه ان القرار اتخذ بالقضاء على المجموعات الارهابية في مخيم عين الحلوة وتسليم المطلوبين لأنفسهم»، وان الهدف الاول كان تطويق المجموعات ومنعها من التخريب خارج المخيم»، وربط حينها قهوجي كلامه في اواخر شهر آب الماضي بالامارة البحرية التي يسعى اليها التكفيريون في لبنان مقراً بنيات إنشائها قائلاً هناك مخطط إقامة إمارة إسلامية من الحدود الشرقية الى البحر شمالاً، وكلما أبعدنا الإرهابيين عن الحدود تراجع خطر إقامة الإمارة».

كلام قهوجي يؤكد خلفيات الدعم الغربي للاستقرار في لبنان على اساس عدم السماح بانفلات فتح حدوده البحرية في منافذها المتعددة المتوفرة فيه بين طرابلس وصيدا الساحليتين وغيرهما، مما قد يجعل المنفذ البحري الأخطر للإرهاب ينطلق من لبنان نحو اوروبا ما يفسّر تعاون الاستخبارات الغربية مع الجيش اللبناني في أكثر من مناسبة.

القبض على امير داعش عماد ياسين من قلب عين الحلوة يضع الاستقرار الداخلي تحت الاختبار والنيات الغربية بشكل خاص.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى