أهمية الشراكة الوطنية في حكومة العهد الرئاسي الجديد!

أسامة العرب

اكتسب انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في لبنان أهمية خاصة تفوق بكثير أهمية انتخاب أيّ رئيس آخر، ذلك أنّ وصول العماد عون إلى سدّة الرئاسة شكّل انتصاراً حاسماً لخط المقاومة والممانعة ولوثيقة التفاهم التي وقّعها في 6 شباط 2006 مع السيد حسن نصرالله في كنيسة مار مخايل في منطقة الشياح، والتي كانت الضمانة الوطنية التي جنّبت البلاد الكثير من الفتن، لا سيما في مجال مقاومة الإرهابَيْن الصهيوني والتكفيري واستكمال تحرير ما تبقى من أراضٍ لبنانية محتلة صهيونياً.

كما شكّل انتخاب العماد عون علامة فارقة جداً بالنسبةً للّبنانيين، وذلك بسبب الثوابت الوطنية الأساسية التي طرحها في خطاب قسمه، والمتعلقة بوجوب الالتزام في لبنان بالنهج المقاوم، لا سيما في مجال وضع حدّ لكافة الانتهاكات الإسرائيلية البرية والجوية والبحرية المتواصلة للسيادة اللبنانية، وإعطاء الأولوية للجيش اللبناني وتحصينه وتزويده بالسلاح والمعدّات اللازمة. هذا عدا أنّ هذا الانتخاب استطاع أن يحقق الوفاق الوطني بين مختلف التيارات خاصة لجهة وجوب إعادة إطلاق عجلة عمل المؤسسات الدستورية والحياة العامة والسياسية وإجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها وتحقيق الإصلاح الإداري والاقتصادي المنشود.

ولكن حتى الرئيس القوي بحاجة لكي يبقى قوياً أن يحافظ على عوامل قوته، لا سيما في دولة كلبنان تلعب فيها عملية التوافقات السياسية بين التيارات والقوى المختلفة على الساحة السياسية دوراً كبيراً وربما محورياً في إشاعة الأمن والهدوء والاستقرار. ما معناه، أنه اذا ما أراد الرئيس القوي أن يمسك فعلاً بزمام الأمور، فإنّ عليه أن يحافظ على التفاهمات التي تكرّس الديمقراطية التوافقية والاستقرار في النظام السياسي القائم في البلد. على أن تشمل بطبيعة الحال التفاهمات، الأوزان داخل الحكومة ومسألة الميثاقية الطوائفية والمناصب الأمنية والبيان الوزاري. ذلك أنه بقدر ما تتحقّق توافقات سياسية بدرجة معقولة ومقبولة تنحسر وتتلاشى الكثير من المشاكل والأزمات.

وعموماً، يسلّم الفقه اللبناني بأهمية دور رئيس الجمهورية بحفظ التوازنات وميثاقية الطوائف في الحكومات، نظراً لأنّ تشكيل الحكومة من حيث المبدأ معهودٌ به الى رئيس الجمهورية بالاتفاق مع الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة، ونظراً لأنّ من واجب رئيس الجمهورية أثناء تأليف الحكومة أن يراعي التوازنات الطائفية لحماية أمن البلد، خصوصاً أنّ النظام البرلماني اللبناني يتميّز عن غيره بأنه لا يعتمد على الأكثريات وإنما على توافق التوازنات، ولهذا يكون دور الرئيس أساسياً في مجال حفظ التوازنات ومنع الشطط والهوس الذي ينجم عن افتراض الربح في الانتخابات النيابية، وبحيث يقوم الرئيس بتصحيح أيّ خطأ في عملية التأليف، كالأخطاء التي تنجم عن قوانين الانتخابات أو عن فقدان الحكومات لميثاقيتها أو حتى تلك التي تنجم عن تعسّف الأكثرية النيابية باستعمال حقوقها.

إلى جانب ذلك، فإنّ التجربة اللبنانية أثبتت بأنّ وحدها التوافقات السياسية هي التي تفضي الى حصول مرونة في بلورة الخطوات والمقدمات المطلوبة لإقامة مجتمع متجانس ومنسجم، تختفي وتذوب فيه الاحتقانات والتشنّجات، ما يمهّد بالتالي إلى احتواء نزعات العنف والتطرف، ومنع اندلاع الحروب والصراعات الأهلية بين الفئات والطوائف والقوميات والجماعات السياسية المختلفة، حتى لا يجد البعض نفسه مهمّشاً في ظلّ غياب التوافقات.

ولهذا، فإنّ حكومة الشراكة الوطنية تشكل ضرورة وطنية لحماية أمن البلد، فضلاً عن كونها ضمانة لحفظ وحدته وسلامة مؤسساته، خصوصاً في ظلّ احتمال اختلاف القوى السياسية مستقبلاً حول ملفات وقضايا حساسة وهامة. ذلك أنّ تكريس نهج الديمقراطية التوافقية عموماً والشراكة الوطنية خصوصاً، هامان جداً لأنهما الضمانة والركيزة للوقوف بوجه المشاريع الخارجية والمخططات التقسيمية للبلد، لا سيما أنّ حلقات التآمر على لبنان تشكل جزءاً لا يتجزأ من عملية استهداف عمله المقاوم، خصوصاً بعدما هزمت المقاومة اللبنانية العدو الصهيوني ونجحت بالتصدي للإرهاب التكفيري وللمخططات الفتنوية المذهبية والتقسيمية التي كانت وما تزال تحاك ضدّ الدولة اللبنانية.

كما أنّ التفسير الواضح والحسن لأحكام المادة 65 من الدستور اللبناني يقرّ بمبدأ الشراكة الوطنية، ذلك أنّ اتخاذ القرارات بغالبية الثلثين إنما يعني بداهة أنّ الثلث زائد واحداً وضع أصلاً لضمان عدم تعسّف الأكثرية النيابية باستعمال حقوقها، وحتى لا تقوم الحكومة أيضاً بإساءة استعمال سلطتها من خلال إصدارها قرارات سلطوية من شأنها أن تهمّش حقوق المعارضة في البلد. وهذا هو التحليل الطبيعي المنسجم مع روح الدستور اللبناني بطابعه التوافقي الواضح في نص المادة 65 منه. ومن هنا تشكل ميثاقية الطوائف حجر أساس الديمقراطية التوافقية التي يقوم عليها النظام السياسي اللبناني منذ ميثاق العيش المشترك عام 1943 وصولاً إلى اليوم، وهذا التحليل هو المتعارف عليه منذ اتفاق الطائف وإقرار التعديلات الدستورية المستندة إليه، فحتى فريقي 8 و 14 آذار كانا يطالبان بالسابق وبمواقف وتواريخ زمنية متفاوتة بالحرص على احترام الميثاقية الطوائفية بالحكومات حتى لا يهمّش كلّ فريق الآخر.

ولهذا، فإنّ مهامّ جسيمة وكبيرة ملقاة اليوم على عاتق رئيس البلاد، ولا يمكن التصدّي لصعوباتها وتطوراتها إلا بتمتين الوحدة الوطنية، التي يُفترض أن تتجسّد من خلال حفظ الاستقرار الوطني عبر التمسّك بالمعادلة الذهبية الشعب والجيش والمقاومة، والتي استطاعت أن تحمي لبنان مراراً وتكراراً بالرغم من كلّ العواصف التي مرّت على المنطقة. ولكن على أن يشكل الحوار الوطني السبيل الوحيد لإيجاد كافة الحلول والمخارج الناجعة، ذلك أنّ البناء على قواعد ثابتة وراسخة تعكس إرادة توافقية جامعة لكلّ الأطراف، أفضل بكثير من البناء على أسس ركيكة وواهية، من شأنها أن تنهار عاجلاً أم آجلاً.

وأخيراً، مما لا شك فيه بأنّ وصول الرئيس العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا أتى نتيجة الوفاء والمواقف الصادقة والواضحة للمقاومة اللبنانية، ما معناه أنّ العلاقة بين الحليفين سوف تزداد تماسكاً يوماً بعد يوم، وأنّ محاولات البعض الواهية لإيقاع الفتنة بين الحلفاء، سوف تبقى دوماً مجرد تخيّلات وتهيّؤات وأوهام لدى أصحابها، لا أكثر ولا أقلّ. وحتّى أنّ الكيد «الإسرائيلي» سوف يرتدّ طبعاً على أصحابه، لا سيما أنهم كانوا أوّل من سعى لإيقاع تلك التفرقة، وفقاً لما ورد على لسان الاستخبارات «الإسرائيلية»، حيث قال مايكل هورويتز: «بأنّه من الواضح أنّ فوز عون هو لصالح حزب الله، إلا أنّ الأخير لديه شخصية مستقلّة نسبياً، ومن الممكن أن يتخلّى مستقبلاً عن تفاهماته لصالح قاعدة مسيحيّة داعمة له في لبنان». لكن خلافاً لتمنيات كافة المتربّصين، فإننا متأكدون بأنّ العلاقة ما بين الحلفاء ستتوطّد أكثر وأكثر حتى ييأس الكثير من المراهنين على إمكانية انفصام عرى العلاقة بينهم. ذلك أنّ مؤامرات البعض قد تكسر أحياناً، إلا أنها تزيد متلقيها قوةً ومناعةً وصلابةً. كما أنّ فخامة الرئيس الوفي لحلفائه ولنهج المقاومة، كان وسيبقى دوماً الضمانة الرئيسية لتمتّع كافة اللبنانيين بالحرية والاستقلال، وللاستمرار قدماً بسياسات استكمال تحرير ما تبقى للبنان من أراضٍ محتلة صهيونياً، ولمتابعة تقديم الدعم للقضية المركزية فلسطين والقدس. لا سيما أنّ شعبية العماد المرتفعة، لا تمنحه فقط ثقة المقاومة وحلفائها، ولا حتى ثقة المسيحيين بصفته رئيساً لأكبر كتلة نيابية لهم، وإنما ثقة عموم اللبنانيين، بأحزابهم وفرقهم وأطيافهم كافة.

محام، نائب رئيس

الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى