إيران تواكب التحوّلات لبنانياً وتتقدّم دبلوماسياً

هتاف دهام

ملأت الجمهورية الإسلامية الإيرانية فضاء بيروت بسياسة الانفتاح. حطّت طائرة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على رأس وفد رفيع المستوى في مطار بيروت. تأتي الزيارة مباركة للعهد الجديد بثمرة الانتصار بانتخاب الرئيس العماد ميشال عون رئيساً.

قَطَفَ الإيراني والسوري والمقاومة إنجاز الاستحقاق الرئاسي. اتصالات التهنئة إلى الرئيس عون توالت من اللحظات الأولى، كانت من الرئيسين الإيراني الشيخ حسن روحاني، السوري بشار الأسد، وصولاً إلى تصريح مستشار مرشد الثورة الإيرانية علي أكبر ولايتي باعتباره انتخاب عون انتصاراً للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والمقاومة وأصدقاء إيران. وإنْ كان «السيد» أول المهنئين.

استُتبعت هذه الاتصالات أمس، بزيارات فوق العادة، حيث التقى الرئيس العماد صباح أمس وزير شؤون الرئاسة السورية منصور عزام ناقلاً تحيات وتهاني الرئيس بشار الأسد يرافقه السفير السوري علي عبد الكريم علي، ليجتمع عصر اليوم نفسه بوزير الخارجية الإيراني، بحضور السفير الإيراني محمد فتحعلي. تزامنُ التوقيت السوري والإيراني له دلالاته ومعانيه الاستراتيجية والوطنية.

تشكل الزيارتان أول حضور إقليمي في حياة العهد الجديد. الهدف بوضوح إظهار حجم السعادة وحجم الصلة للتأسيس على هذه السياسة والدبلوماسية لقوى حلف المقاومة في دعمه مع انطلاقته الأولى. وفق المعلومات ستستتبع هذه الزيارات بحضور روسي كحليف دولي مؤثر في المنطقة للإيراني والسوري.

يثبت ذلك، حيوية حضور هذه الدول في لبنان ما بعد انتخاب العماد عون والموقع المميّز الذي سيحتله عبر تلقي الدعم المتنوّع. ستفتح هذه الحيوية الطريق لما بعد هذه الزيارات. الاستثمار السياسي والاقتصادي عبر أبواب متعدّدة يُمكن أن يترجم علناً ومباشرة.

إنّ زيارة ظريف على رأس وفد موسّع اقتصادي وسياسي يضمّ حوالى 45 شخصية، وافتتاحه اليوم، مؤتمراً للفرص الاقتصادية الإيرانية اللبنانية بهذا الحجم، دليل على أنّ العين الإيرانية تعزيز التعاون مع لبنان اقتصادياً في العهد الجديد، ليكون على مستوى العلاقات السياسية.

لطالما أيدت إيران خيار تبني حزب الله دعم انتخاب العماد عون. تتعاطى اليوم على أساس أنّ خيارها نجح. كانت منذ البداية تقول لمن حاول التوسط في طهران حول تسهيل الاستحقاق أنّ الرئاسة شأن لبناني، إذا رفعت القوى الخارجية يدها عنه، فسيتمكن اللبنانيون من تحديد خياراتهم الصحيحة. هذا ما حصل. أكدت الانتخابات الرئاسية انتصار وجهة نظر إيران في مقاربة الملف، فوضعت مواقف الدول التي مارست تعقيدات بحق لبنان على المحك.

تواصل إيران تعزيز انفتاحها على المكونات اللبنانية. يلتقي ظريف اليوم الرئيس المكلف سعد الحريري. ترغب الجمهورية الإسلامية بفتح صفحة جديدة مع الدولة في لبنان، بعيداً عن الخلافات الإقليمية مع المملكة العربية السعودية. الصراع بين طهران والرياض محتدم. المشهد في حلب والموصل واليمن خير برهان على البركان الملتهب.

يؤكد مصدر مطلع على الموقف الإيراني لـ «البناء» أنّ زيارة الحريري اليوم، تأتي في سياق دعم المرحلة الراهنة والاعتراف بالمسار والتعاطي مع الدولة كدولة بتركيبتها السياسية.

الأكيد أنّ إيران «ملكة الدبلوماسية واللياقات، تريد فتح صفحة جديدة مع النموذج السياسي القائم، بغضّ النظر عن الصراع السعودي الإيراني. قدّمت المملكة تنازلات تحت النار أكثر مما شاركت بتسوية.

شكل الطلب الإيراني لموعد من الرئيس المكلف بادرة حسن نية. ردّ عليها الحريري بالمثل، وإنْ كان حاول إقامة توازن ما باجتماعه مع سفراء الخليج.

النمط الذي يسلكه الحريري راهناً، وفق مصدر مطلع لـ «البناء» بدأ بالتبدّل. كانت واضحة رسائله الإيجابية تجاه حزب الله خلال لقاء كتلة الوفاء للمقاومة السبت الماضي. ربما بات مقتنعاً أنّ النهج السعودي أوصله الى خارج السلطة.

هل سيغيّر الحريري نهجَه؟ تحمل الزيارة الإيرانية رسالة دعم للحكومة التي يرأسها للإقلاع بصورة قوية ودعم الرئاسات الثلاث لتؤدّي دورها بفعالية لحماية الأمن والاستقرار والحفاظ على الوحدة الداخلية.

تمارس الجمهورية الإسلامية دوماً سياسة اليد الممدودة والحوار. لا تنظر الى محاكاة خلفية «الشيخ سعد» السعودية بقدر ما تنظر الى احترام رئيس مجلس الوزراء العتيد الذي اختير للمرحلة المقبلة، بغضّ النظر عن التباين في القضايا الاستراتيجية والسياسية.

يفترض المصدر أن يعزز الحريري تعاطيه كرجل دولة، ألا يُخضِع موقعه لحسابات غير وطنية. تكمن أهمية الزيارة أنها ستشكل صلة وصل ليس مع الحريري فحسب، إنما تفتح هذا الوصل لأبعد مدى في ظلّ الصراع المحتدم مع حلفائه الإقليميين.

فهل يبقى التواصل محصوراً بالنطاق اللبناني المحض، خاصة أنّ الرئيس المكلّف سيصبح رئيس الحكومة المقبلة، وكان مبادراً الى تبني خيار دعم العماد عون؟ أم أنه سيلعب دور الجسر بين حلفائه الإقليميين وهذه القوى المؤثرة التي تزور لبنان؟

يستطيع الرئيس المكلّف من خلال موقعه على رأس الحكومة العتيدة امتلاك حيوية تؤهّله للعب أدوار أقوى وأهمّ مما كان عليها قبل أزمته، شرط أن يتحرّر من أسر خطابه السياسي وبعض المصطلحات التي تخرجه من قدرته على المناورة المفترض أنه يمتلكها في المنطقة الحيوية التي يتواجد بها على رأس الحكومة اللبنانية في اللحظة الحاسمة.

إن مدلول زيارة بيت الوسط يؤشر إلى أنّ الزمن السعودي لبنانياً انتهى. السيطرة السعودية غارقة في وحول اليمن. أصبح لبنان مشرعاً أمام كلّ الدول الراغبة بتقديم المساعدات والاستثمار فيه، من خلال الحكم الحالي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى