النصر أكبر من الكلمات… وخيارنا المقاومة

جمال محسن العفلق

هي أيام ويعترف الداعمون للإرهاب بالهزيمة، وإن كانوا اليوم يعترفون بها من خلال تصريحاتهم السياسية المبطنة بمرارة الهزيمة، وما أعلنت عنه الإدارة الأميركية قرارها برفع الحظر، المرفوع أصلاً، على بيع الأسلحة لتصل إلى الإرهابيّين ما هو إلّا طلقات إدارة أوباما الأخيرة في الحرب الشرسة على سورية. فاليوم في حلب يُعلَن النصر، وهذا النصر ليس مجرّد كلمات تتحدّث عن انسحاب للجماعات الإرهابية أو تقدّم عسكري هنا أو هناك على جغرافيا الوطن السوري، إنما هو انتصار محور المقاومة على مشروع كبير لو نجح لكنّا اليوم نتحدّث عن ولايات وإمارات تمتدّ من حلب إلى الموصل، آخذةً معها كلّ الإرث الحضاري والإنساني لبلاد مأهولة بالسكان والحضارة من سبعة آلاف سنة، لتاريخ الحرف الأول، فقرار الاستيلاء على حلب لم يكن قراراً محليّاً لجماعات إرهابية متفرّقة أو استراتيجية محسوبة لما يُسمّى ائتلاف الدوحة الخائن، إنّما هو قرار استخباراتي دولي جمع أشدّ المعادين لسورية وشعبها واتّخذ القرار في غرفة عمليات تحالف العدوان. والمال المدفوع للاستيلاء على حلب قُدّر بالمليارات، وشارك في المعارك ضباط من جنسيات متعدّدة، ومنهم ضباط استخبارات من الكيان الصهيوني، والهدف حلب فمنها يبدأ التقسيم ومنها ينطلق الإرهاب في رحلته، فعاصمة سورية الاقتصادية وأكبر مدنها هدف سمين وكبير جداً، والاستيلاء عليها يُنهي المنطقة ويحقّق هدف المشروع الأكبر، وهو إعادة تقسيم المنطقة ودفن خارطة سايكس – بيكو التي قسّمت المنطقة لقطع كبيرة لم تعد تناسب اليوم جشع الغرب ورغبته في نهب الشرق الغنيّ بكلّ شيء.

إذن، هو النصر الذي تحقّق اليوم على يد محور المقاومة، وبسواعد الرجال الصابرين الصامدين على جبهات القتال.. هو النصر الذي سبق العام الجديد، لتُرفع الصلاة في مساجد حلب وكنائسها تحت راية الجيش السوري وحلفائه، أمّا على الجهة المقابلة فأصحاب المشروع والإدارة الأميركيّة والشاكرين للصهيونيّة العالمية والمتسابقين لإرضائها يتجرّعون مرارة الهزيمة الكبرى، فكلّ ما بُني خلال السنوات الأربع الماضية أصبح من الماضي، وحلب لم يتمّ اقتطاعها ولم تبصرْ ولاية حلب النور، ولصّ حلب أردوغان يخسر كلّ رهاناته، فمجموعاته الإرهابية لم تفِ بالوعد وتعطيه حلب الحلم.

وبغضّ النظر عن الغد وما قد يحمله، فمعركة حلب كانت مفصليّة وغيّرت الكثير من الواقع السياسي، كما أنّها عزّزت منطق الحق ومنطق المقاومة وهي الخيار الوحيد لنا، ولهذا جاء النصر الذي لا تعبّر عنه كلّ الحروف والكلمات، ولهذا جاء النصر الجديد للجيش والمقاومة.

والرسالة اليوم أصبحت واضحة وضوح الشمس: أرض دخلتموها أحياء لن تخرجوا منها إلّا أشلاء، وعلى داعمي الحرب العدوانية مادياً وعسكرياً ولوجستيّاً على سورية أن يفهموا أنّ حربهم هذه خاسرة وحلمهم في التقسيم لن يتحقّق، وما كلّ الضربات الكبيرة التي تلقّاها الشعب السوري إلّا جرعات زادته قوة وإصراراً على البقاء.

وجاء النصر ليثبت كذب المحطّات الإعلامية الرخيصة التي تستخدم اللغة الإنسانية وتتحدّث عن مدنيّين ونقص غذاء ودواء، ليثبت احتكار الجماعات الإرهابية في الأحياء الشرقية لحلب لكلّ أسباب البقاء، وحرمان الناس من الوصول إلى المواد الأساسية وقطع المياه عن المدنيّين.

وكما قرار الإدارة الأميركية برفع الحظر عن بيع الأسلحة للإرهابيين، جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المطالب بالوقف الفوري للقتال في سورية في محاولة أخيرة للمشروع الصهيو أميركي لإنقاذ من تبقى من الجماعات الإرهابيّة، تلك الجماعات التي أعلن صانعوها قرار إعدامها، فمن سيخرج من حلب لن يجد مكاناً يذهب إليه، فقد أعلنت الجماعات الإرهابية المتبقية في إدلب أنّ أيّ مقاتل سيصل إليها سيُعدم، وتركيا أغلقت أبوابها وهذا أمر طبيعي، فدائماً الخائن لوطنه يكون رخيصاً عند المشغّل، والتخلّي عنه أمر طبيعي عندما يضيق الخناق.

فبعد كلّ هذا، هل يكفي أن نقول شكراً للجنود الذين حرّروا حلب؟ وهل تكفي المقالات والقصائد؟

سؤال كبير، لا أجد الإجابة عليه إلّا بالقول إنّ العام الجديد سيكون عام إعادة الإعمار والبناء، عام إخراج كلّ الإرهابيّين وطردهم، لا بل سحقهم. فحرب السنوات الست يجب أن تنتهي، ولكنّها لن تنتهي إلّا بالنصر الكامل وتطهير سورية من الخونة والمتعاملين، فلا حوار مع الإرهاب ولا حوار مع المطبّعين مع الكيان الصهيوني، فنحن ولدنا مقاومين، ولم يقدّم أبناء سورية هذا البحر من الدماء ليرفع الكيان الصهيوني علماً في دمشق، ومن يريد الكيان الصهيوني ليذهب هو إليه.

النصر أكبر من الكلمات، وخيارنا المقاومة هو العنوان الباقي، وما سنعلّمه للأجيال القادمة وما سوف نكتبه في كتبنا المدرسية لنحفظ تاريخ هذا الوطن ونصحّح مفاهيم المقاومة التي شوّهتها العصابات الإرهابية والدول الراعية للإرهاب، فحربنا الحقيقية ستبدأ مع آخر الطلقات، وحربنا هي حرب العقول والفكر، حرب البقاء والحياة، فلا يمكن أن نسمح بعد اليوم أن يكتب أحد غيرنا تاريخ منطقتنا، ولا يجب أن نسمح بعد اليوم للمال السياسي أن يغيّر من حقيقة تكويننا أو يعيد توزيعنا الجغرافي بما يناسب مصالحة وأطماعه، فسورية ستبقى سورية والقدس عاصمة فلسطين وبيروت أيقونة الشرق وبغداد عاصمة الرشيد، وما هذه الحروب وما حملته من سرقات للتاريخ والمخطوطات إلّا واحدة من محاولات كثيرة لدفن هذه المنطقة التي كانت وما زالت أرض النور في هذا العالم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى