هل تقول طريقة إجلاء الإرهابيين من حلب «شيئاً» للدول الكبرى؟

روزانا رمّال

تغيب السياسة بشكل كامل عن جلسات مجلس الأمن التي من المفترض أن تُخصص لما آلت اليه الامور في سورية والاوضاع فيها بين حلول وأفراد مساحة لدعم النشاط السياسي للأمين العام للأمم المتحدة او حتى الاتفاق على تصويت على عمليات عسكرية بين الأفرقاء المتحاربين لتحضر الملفات الإنسانية في حلب وتعمّ الخطابات التي تتمحور حول سلوك حلفاء الرئيس السوري بشار الأنظمة واللاعبين الإقليميين الذين أنجزوا التقدم في حلب أبرزها عبر التغطية الروسية للعمليات المكثفة التي تدحرجت انهيارات شديدة السرعة في منطقة اتخذت منطلقاً لانتصار او هزيمة الدول المتقاتلة. فلم تصمد حلب شهراً بعد سنوات من وقوعها في يد المعارضة المسلحة وإرهابيي الحركات الجهادية المتطرفة، حسب الصحافة «الإسرائيلية».

توزعت في حلب كبرى التنظيمات وأصغرها والتسميات، تعددت وتضاعفت أعداد أمراء الحرب فيها، بالتالي يبدو شبه مستحيل التوصّل للنتيجة التي أرستها الأيام الماضية من دون أن يكشف هذا تطوراً سياسياً دولياً وإقليمياً كبيراً ساهم في الوصول الى خضوع الأنظمة الداعمة للمجموعات المسلحة الى خلاصات تفضي الى ضرورة عدم الاستمرار أكثر في المكابرة في ظل تأثرها محلياً أي داخل دول وأنظمة أوروبية وإقليمية بتداعيات الأزمة في سورية، والخضوع لفكرة اساسية مفادها «ان روسيا لم تأتِ الى سورية الا لهدف واحد وهو حماية النظام السوري وقتال الارهاب والمسألة لم تعد قتال فئات او مجموعات محدودة الاهداف»، فالثقل الروسي ومن ورائه الإيراني يعني تدهوراً محتوماً بالعلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول تلك وروسيا، اذا ما طالت الامور اكثر وهو بالاساس ما بدأت تشعر به دول جارة لسورية مثل تركيا حيث تأثر الوضع الاقتصادي سلباً في انقرة بسوء العلاقات مع روسيا، هذا بعيداً عن مسألة الارهاب ومحاولات فرض دولة كردية كان لروسيا رأي واضح فيها ومنسجم مع تركيا.

مجلس الامن الذي يشكل منبراً دولياً للجهات المشاركة في الحرب السورية يشهد منذ أيام تركيزاً على مسألة وحشية النظام في أيام الحرب الاخيرة في حلب في وقت تمّ تحت أعين وإشراف روسيا عملية «إجلاء الإرهابيين» وأسرهم الى ادلب بعد صدّ الجيش السوري لعمليات المجموعات الأخيرة هناك وتوجهت الباصات الخضراء لمعبر الراموسة لنقل المسلحين مترافقة مع مراقبة الجيش السوري لتأمين المسيرة ونجاح المهمة. وكل هذا تمهيدا لعودة المدنيين إلى منازلهم وقبل شرح خطة الإجلاء سياسياً يفيد التذكير بما ورد عن مندوبي الدول في مجلس الامن.

ففي وقت أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين والمفترض أنه يتابع عن كثب مع وزارة الخارجية الروسية آخر الأخبار من حلب، إنّ المقاتلين «ومعهم أفراد أسرهم والمصابون يخرجون حالياً من ممرات متفق عليها إلى وجهات اختاروها بأنفسهم طواعية». باعتبار أن روسيا شريك لواشنطن في مسألة الحل السياسي المطروح في سورية منذ أشهر وفي حلب تحديداً وهي مقبولة كشريك في العملية السياسية من الأميركي نفسه بعد جلسات طويلة وجولات مكثفة بين ديبلوماسيتي البلدين. وفي وقت أكد فيه بشار الجعفري مندوب سورية الدائم في الامم المتحدة، عدم وجود انتهاكات في حلب، معتبراً ان «حكومته بريئة من الاتهامات بشأن انتهاكات في حلب.. وأن التقارير عن الانتهاكات في حلب مضللة»، وأن الامين العام «بان كي مون يتحدث عن تقارير بانتهاكات لم يتأكد منها».

كانت فرنسا وبريطانيا تحثان مجلس الامن على اتخاذ إجراءات لازمة وإدانات مفترضة بحكم مجازر ارتكبها النظام السوري يوم الاثنين في حلب مع حديث لإعلام الفريق الغربي عن تنفيذ 200 عملية إعدام رمياً بالرصاص لأهالي حلب، بينهم نساء وأطفال، وفقاً لشهود عيان من داخل مدينة حلب من قبل حلفاء وميليشيات مؤيدة للنظام أي حزب الله مع إعدام طاقم طبي في مستشفى الحياة رمياً بالرصاص» وإعدام نساء وإحراق منازل.

اللافت أن كل ما ذكر يفقد قيمته بمجرد التوقف عند خطوة شديدة الأهمية، وهي إشارة كبرى لمنطق وتفكير النظام السوري في لحظة حرجة من هذا النوع، وهي عملية «إجلاء الإرهابيين». وهم مسمون إرهاباً باعتراف كلّ الاطراف اللاعبة حيث يمكن للجيش السوري رفض مسألة تأمين ممر آمن لذهابهم الى بؤرة إرهابية اخرى في سورية بشكل طبيعي ومشروع لأنهم سيتوجهون لممارسة نشاط ضد النظام بطبيعة الحال. وكل هذا لم يجر الا يشكل هذا الامر دليلا دامغا على ان الجيش السوري ومعه حلفاؤه لا يريدون سفك الدماء ويرحبون بأي خطوة من شأنها التقليل او «حقن الدم» الذي غطى تلك البقعة في سورية لسنوات؟ الا يشكل تجاوب النظام مع مفهوم عمليات التبادل دليلاً واضحاً على ان ما يحكى في مجلس الامن بعيد عن الواقع بالمقارنة مع اتمام المهمة بنجاح؟ تدرك الدول الكبرى تماماً أن إجلاء الارهاب واسرهم محطة قادرة على نسف كل ادّعاءات ادواتهم في سورية وخطاباتهم المباشرة في مجلس الامن. وهو الامر الذي لا يحتمل اي تأويل.

يتفوّق الجيش السوري مجدداً في مسألة» إجلاء الارهاب» و«مدّ اليد» لكل من هو مستعد لحقن الدماء معه في سورية ويبهر مجدداً أولئك الذين راهنوا على مجزرة جدية في ما تبقى من تلك البقعة ولم تحصل. فهل يُعاقَب النظام معنوياً لعدم ارتكابها؟ يسأل مراقبون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى