حلب تُطفئ أنوار برج إيفل…!

تماضر عباس

لا يزال الغرب ومنذ سنين طويلة جداً يرتدي القناع القديم ذاته، ويخبرنا ذات النكتة السّمجة عن تحرير الشعوب وتقديم

العون لها، وعن الحريّات والديمقراطيّات وحقوق الإنسان. ومع أنّ العالم بمجموعه قد ملّ بشكلٍ كامل من تلك المقطوعة

النَّشاز، ورأى ما تحت هذا القناع، لكنّ الغرب لم يملّ بعد. ومع بدايات الحرب على سورية بدأ العالم يتباكى على

أطفال درعا وأظافرهم، وعلى الحرية المقموعة في سورية ويرغب في تخليص العالم من ديكتاتورية الأسد، وبدأت بعقد

مجموعة مؤتمرات سُمّيت بـ«أصدقاء سورية» أنهاها الفشل في تحقيق أيّ مُبتغى. ولم يوفّر مجلس الأمن فرصة واحدة بعد كلّ نصرٍ للجيش السوريّ، ليفتح أبوابه ويعقد جلساته بمشاريع جاهزة لوقف تقدّم الجيش متباكياً على الوضع الإنساني المُزري في سورية، ومطالباً بالهدنة للمسلّحين وبالخروج الآمن في بعض الحالات.

هل عرف أحدنا لماذا تُطفئ فرنسا أضواء برج إيفل؟

فرنسا التي شعرت وأيقنت أنّ الجيش السوري وحلفاءه قد أخذوا قرار تحرير حلب بخطوات عمليّة لا عودة عنها، وبدأت المساحات على الأرض، والتي يسيطر عليها المسلّحون، تتقلّص بشكل سريع، وبدأ صراخ المسلّحين يعلو ويعلو شيئاً فشيئاً.

فسارعت فرنسا إلى مجلس الأمن بمشروع قرار طالبت فيه بنهاية فوريّة للضربات الجوية، وطلعات الطائرات الحربيّة فوق مدينة حلب. لكنّ الفيتو الروسي ـ الصيني تصدّى مجدّداً لمشروع القرار، فما كان على فرنسا إلّا أطفاء أنوار برج إيفل تضامناً مع حلب مساء الأربعاء 14 كانون الأول الحالي، وفي حقيقة الأمر تعلم الحكومة الفرنسية جيداً أنّها لا تستطيع بهذا التباكي خداع الرأي العام العالمي عموماً والفرنسيين بالخصوص، فالمزاج الأوروبي والأميركي والعالمي أصبح متغيّراً، والحقائق حول سورية

أصبحت جليّة أكثر من قبل، وتخوّف المواطن الفرنسي الحقيقي هو من «داعش» وليس مصير الأسد، وما يريده هذا المواطن هو وقف الإرهاب والقضاء على الجماعات التكفيرية المسلّحة أينما وُجدت. وقد أثبتت صناديق الاقتراع هذا التوجّه، سواء في أميركا أولاً أو في فرنسا مؤخّراً، كما هو واضح من الاستطلاعات التي تثبت أنّ مرشّح اليمين الفرنسي فرنسوا فيون هو المرشّح الأكثر حظّاً للفوز بالرئاسة الفرنسية.

لا تستطيع إدارة هولاند خداع الشعب السوري، ولا أهل حلب الذين لم يهتمّوا كثيراً لموضوع برج إيفل وأنواره، والسبب كان انشغالهم بالفرح لتحرير حلب وفي تحضير أمتعتهم للعودة إليها حيث سترجع أنوار حلب وحدها مُضاءة، ومدنها الصناعية ستعمر من جديد لتكون رافعة الاقتصاد السوري.

لكنّها أرادت خداع من خدعتهم منذ البداية، وهم مسلّحو حلب والمعارضة السورية، وعندما سيسأل هؤلاء المسلّحون مشغّلهم الفرنسي وصانع أحلامهم أين ما وعدتمونا به؟ ستردّ الحكومة الفرنسية لقد أطفأنا أنوار برج إيفل حزناً، فهل هناك أكثر من هذا الحزن وأشدّ من هذا التعبير؟

هل ما بعد تحرير حلب كما قبل تحرير حلب؟

يقول الرئيس بشار الأسد في حديث مصوّر عبر الموبايل: «إنّ الزمن هو شيء مختلف عن التاريخ، فلا يمكن للزمن أن

يصبح تاريخاً إلّا بحدث عظيم. فالزمن يمرّ عادياً بانتظار حدث ما يدخل فيه الزمن إلى التاريخ مسجّلاً تغييراً في مجراه».

ويقول الرئيس الأسد: «فنقول قبل ولادة السيد المسيح ليس كما بعد ولادة السيد المسيح، وقبل نزول الوحي ليس كما بعد

نزول الوحي، ونقول الوضع السياسي قبل سقوط الاتحاد السوفياتي أو الحربين العالميتين ليس كما بعدهما، ومع تحرير

حلب لن يتغيّر الوضع السوري والإقليمي بل الدولي أيضاً، فما قبل تحرير حلب ليس كما بعد تحرير حلب، وهنا مع

تحرير حلب تحوّل الزمن إلى تاريخ». لا يشبه الرئيس الأسد تحرير حلب بالأحداث العظيمة التي تُدخل الزمن إلى التاريخ

وتغيّر مجراه عبثاً، فهو يدرك تماماً أنّ حلب معركة لا تشبه غيرها، لذلك استمرّ الجيش وحلفاؤه في خوضها على

الرغم من محاولات تشتيت الجيش بإعادة الدخول المسلّح إلى تدمر. حلب اليوم تكتب انتصاراً سيغيّر وجه التاريخ، ويخبر

رؤوس الحروب العالمية أنّ الفوضى لم تعد «خلّاقة»، وأنّ الأصل في الربيع هو الزهر وليس الرؤوس، وأنّ المخطّطات

التي وُضعت كانت أكثر من فاشلة وعليهم التفكير بغيرها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى