ثنائيتان: إيران ـ تركيا وسورية ـ العراق

ناصر قنديل

– بعد معركة حلب الفاصلة في تاريخ الحرب السورية وربما في حروب المنطقة، تقابلت ثنائية تركية إيرانية، تحقق النصر فيها لإيران. فالصحيح أن الجيش السوري في الميدان كان الأساس في صناعة النصر وبمشاركة مع حلفاء في مقدمتهم حزب الله وشركاء في التحالف مع سورية وإيران، وأن الطيران الروسي لعب دوراً حاسماً في صناعة انتصار حلب، إلا ان الصراع وصل لنقطة لا تقدّم فيها دون حسم الجهة الإقليمية الحاسمة في حرب سورية، تركيا أم إيران، بعدما حسمت الجهة الدولية الحاسمة لصالح روسيا، وعندما تفوز تركيا تخسر الدولة السورية التي يقوم المشروع التركي على حسابها ويخسر حزب الله الذي يريد الأتراك وضعه في كفة تقابل كفة جبهة النصرة لتجري المقايضة بينهما في أي حل سياسي مقبل. وعندما تفوز إيران تربح الدولة السورية بتثبيت الرئيس السوري كخط أحمر في أي تسوية، ويربح حزب الله بجعل شرعية وجوده في سورية أمراً بيد الدولة السورية لا سواها.

– حاولت تركيا تعويض الهزيمة في حرب حلب بجعلها انتصاراً في تسوية حلب التي لعبت فيها دوراً بسحب المسلحين من المدينة إلى مناطق النصرة أو مناطق السيطرة التركية، وسهلت الوصول لتفاهم يبدأ بالهدنة وينتهي بالحل السياسي، مقدمة لموسكو عرضاً يتضمن قدرتها على منح المكانة الدولية الأولى لموسكو شرعية ونكهة لا يقدّمهما غيرها، مقابل انتقالها إلى موقع المرجع لا الطرف في الحرب والتسويات، على قاعدة حسم موقف تركيا من جبهة النصرة كما داعش، وجعل الخلاف حول الرئاسة السورية، شأناً سورياً سورياً، وموسكو على الحياد، وطهران وأنقرة تنقسمان على تأييد كل منهما لفريق ومنطق، وجعل الخلاف على دور الأكراد خلافاً تركياً أميركياً تراقبه موسكو ولا تنحاز فيه، والخلاف حول حزب الله خلافاً تركياً إيرانياً تطرحه تركيا تحت عنوان خروج المسلحين الأجانب.

– لموسكو حسابات مختلفة عن الحسابات التركية. فهي تنتظر تسلّم إدارة دونالد ترامب وتحتاج لاستعمال هذا الوقت لتكريس مكانتها في المنطقة وتدرك مأزق تركيا واستعدادها لفعل ذلك، كما تدرك موسكو أن لا جدوى تُنتظر من الهدنة والأستانة في ملفي الحرب على الإرهاب والتسوية السياسية التي قالت موسكو مراراً، لقوى بحجم أميركا وفرنسا وتركيا والعسودية مجتمعين، إنها لا تتم إلا تحت سقف تثبيت رئاسة الرئيس السوري والانطلاق منها.، فلا أنقرة ستقطع مع النصرة، قبل جلاء دورها في سورية، وحسم الملف الكردي، وهذا ما تريده أنقرة من واشنطن وبموافقتها، وستجمّد البحث بمستقبل النصرة وترفع بوجهه ملف حزب الله لحين بدء البحث الأميركي التركي، كما ستتسمك بموقف سلبي من الرئيس السوري لتبقى ممسكة بأوسع تجمع من المعارضة كورقة تحتاجها عندما تتوضح الصورة. وتدرك موسكو أن تركيا تتخذ العنوان الكردي مرة وداعش مرات ذريعة لتوغل قواتها في الأراضي السورية، لأن الإمساك بالجغرافيا هو الذي يمنح مواقع للتفاوض، فتكتفي موسكو بالنتائج الناجمة عن ترؤسها طاولة الحل بعد قيادتها جبهة الحرب، وتبتعد عن السجالات إلا عندما ينسب إليها زوراً كلامٌ لم تقله أو لم توافق عليه، كمثل ضمّ النصرة للهدنة أو القبول بالحديث عن تنحي الرئيس السوري أو شرعية حزب الله، ولكنها اكتفت بالرد ولمرة واحدة.

– من حيث لا تدري تركيا، ارتضت الهزيمة في حلب مدخلا لتحديد حجمها، فلم تعد كما أرادت قبل سنتين، تقف قبالة روسيا. وها هي تسعى الآن لتقف قبالة إيران، لكنها عندما يبدأ البحث الجدي بالتسويات بعد شهور ستجد نفسها قبالة مصر والسعودية.، فالمكانة الأولى في المنطقة حسمت لإيران من اللاعبين الدوليين الأميركي والروسي مع التوقيع على التفاهم حول الملف النووي الإيراني، بينما كانت تركيا غارقة في أحلام العثمانية وأوهام الأخونة، والمكان الذي على تركيا المنافسة فيه هو مقعد اللاعب الموازي لإيران في صناعة التسويات من الخليج إلى سورية وهو شريك لا تستطيع تركيا تلبية كل متطلباته في سورية وحدها، فكيف في ساحات المواجهة كلها وخلافاً لمقاصد اللعبة التركية سيحسم موقع الأكراد كشريك في التسوية المقبلة، كما سيفصل ملف النصرة عن أي محاولة تقارب السخافة بوضعه قبالة حزب الله، بعدما قالت أميركا التي تصنف حزب الله كتنظيم إرهابي إنها لا تستطيع إنكار المكانة التي يحتلها في الحرب على الإرهاب، أما عن الرئاسة السورية، فالتفاهم الروسي الأميركي قبل وصول ترامب كان واضحاً من كلام كيري المسرّب في نيويورك تايمز، وهو يخاطب المعارضة، بقبول منافسة انتخابية مع الرئيس السوري كطريق وحيد للتسوية، بينما ترامب يتحدث عن التنسيق مع الدولة السورية.

– تضع سورية وإيران وحزب الله ثقلهم في مكان آخر، وهم يتناوبون على مساجلة المقولات التركية. فالوقت الذي سيسبق الحركة الأميركية الجديدة، حتى الربيع، يجب أن يشهد حسم الجيوب المتعبة في الجغرافيا السورية، خصوصاً في ريف دمشق وجنوب سورية، وبعض أرياف حماة وحمص، وخصوصاً تدمر، وحفظ الهدنة شمالاً حيث يمكن تحميل تركيا مباشرة مسؤولية أي خرق، وبالتوازي التمهيد لبلورة ثنائية سورية عراقية، تشكل العمق العربي لبلاد الشام وللجوار التركي في وقت واحد، تتماسك في مواجهة الإرهاب وتنسّق خطواتها، وتتعامل مع البعد التركي وفق رؤيا مشتركة، للمشروع الأخواني، وللعبث التركي مع داعش والقاعدة وما رتّبه على البلدين، وللتلاعب التركي بالملف الكردي وتحويله حصان طروادة للتدخل العسكري مرة، ولتهديد وحدة البلدين مرة أخرى.

– سورية والعراق ثنائية تستند إلى الحقائق تنمو كلما قاربت المصالح، وتركيا وإيران ثنائية قائمة على المصالح قابلة للحياة كلما قاربت الحقائق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى