الشعب يفقد رفيقه رفيق سبيعي

سماهر الخطيب

«وصلت إلى سنّ أعرف أنّني قد أرحل في أيّ لحظة. لذا، دعوني أوصيكم بسورية خيراً. تحيا سورية». بتلك الكلمات، أنهى فنان الشعب و«قبضاي» الشام و«زعيم» الفنّ السوري مسيرة حياة مفعمة بالخير والحق والجمال.

خفت صداح «أبي صيّاح» الذي اعتادت أشجار الياسمين الدمشقي على ترانيمه المفعمة بالشهامة والرجولة لتنكّس تلك الأشجار ياسمينها حزناً وألماً على فراق رفيقها وعشيقها «القبضاي» والذي حمل ياسمينها في قلبه لينثره بالحبّ والخير والعطاء، أربعاً وثمانين سنة حتى ترجّل عن صهوة الحياة.

الشام شيّعت رفيق دربها ورفيق روحها المناضلة والمقاومة، وخيّمت مشاعر الحزن والأسى على تلك الأزقة العتيقة بفقدان هامة عالية وجبل شامخ كشموخ قاسيون. ولِم لا؟ ورفيق النضال الذي تحمّل معها ما تحمّلته وتكبّد ما تكبّدته من آلام الحرب ومآسيها، وأبى أن يترجّل عن صهوة الحياة إلّا على ترابها وفي أزقّتها وعبق بيوتها، وهو الآن يرحل عنها وهي على مشارف النصر، من دون أن يحتفل معها بانتصارها الذي آمن به منذ اللحظة الأولى التي شُنّت فيها تلك الحرب الشرسة على أراضيها.

«أبو صيّاح» حلو الكلام، الذي علّمنا أفعال الرجال، و«ألا ندوّر على المال، وأن نجعل الناس يحبونّنا، وأن الحبّ ثلاثة ألوان، والطفولة ما زالت هناك على الزحليقة والثلج، لكن ليش هيك صار فينا؟ لا تزعلي يا شام، حتى لو حبسوا الأحلام سيعيدها أبطال بلدنا».

«قبضاي الحارة» بقي ذكرى ليلة الحبّ في الليل الطويل، وحمل معه أحلام المدينة كالشمس في يوم غائم. في «ليالي الصالحية» رقص رقصة الطير، تابع مع العشاق «سفر برلك» ليصل إلى «وادي المسك» ويغلق «صندوق الدنيا» على «الحصرم الشامي» و«أشياء تشبه الحبّ». وفي «أيام شامية» نادى «أهل الراية» حتى يعلّموا العالم أجمع أننا نحن السوريين «أهل الشمس».

فنان الشعب لم يتقاعس عن نقل القيم والمبادئ المتعلقة بالبيئة الشامية وأهازيج التراث الشعبي إلى الفنّ السوري الأصيل، ليجمع بين المجد والفنّ. فقد كان عاشقاً للحياة، ينهل من مدرسة الزعيم أنطون سعاده وتعاليمها التي تحمل تجدّداً مثمراً ومستمرّاً لكوننا أبناء الحياة، ليؤكد أنه في زمن الحرب هناك زماننا زمن الإبداع والفنّ والتميّز، وأن نهجنا نهج فكر وعمل، ودفاعنا عن أرضنا ليس فقط بقوّة السلاح، بل بقوة العقل والفكر والإبداع، لننهض بأمتنا نهضة شاملة في كلّ مفاصل الحياة حتى ترفرف الزوبعة فوق كلّ الرايات.

رفيق سبيعي الذي روى قصّة وطن في أعماله طوال مسيرته الفنية، لم يكن يتصوّر أنه سوف يأتي يوم يشعر الناس أن هناك فناناً حاول قدر استطاعته أن يقول شيئاً لمجتمعه.

فكان التكريم يليق به وبمسيرته العريقة من أبناء سعاده القوميين الاجتماعيين، ومما قاله آنذاك: «إني أحس أن روح أنطون سعاده هي التي ستكرّمني، وأنني سأستمدّ منها العَظمة والمجد. ما أجمله من شعور! أشعر أن سعادة كبرى تغمرني هذه اللحظات، إذ كم هو شعور عظيم أن يكرّمني العظيم وأبناؤه العظماء؟ حقاً إنه لإنسان عظيم، ليس إنساناً عادياً، إنه رجل بأمة، وأمة برجل».

رفيق سبيعي، فنانٌ كالشمس التي لا تغيب، كما الزوبعة بما تحمله من دعائم الحرّية والواجب والنظام والقوّة. رحلتَ جسداً وروحكَ تسكن خلجات نفوسنا كما تحيا سورية حييت في قلوبنا وذاكرتنا. لروحك السلام والبقاء للأمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى