لن تنكسر «غين غزة» أو «جيم جباليا»!؟

نصار إبراهيم

غزة ذروة المأساة… وذروة البطولة والمقاومة… غزة تكثيف الكرامة الوطنية والصمود، في أكتوبر 2016 تجاوز عدد سكان غزة 2 مليون نسمة… يحتشدون كسنابل القمح في حقل لا تتجاوز مساحته 365 كيلومتر مربع… محاصرون ببحر محاصر، وبر محاصر، وسماء محاصرة… يعيشون ويقاومون بما تيسّر ما بين حرب وحرب، لكنهم لم يخفضوا راية فلسطين يوماً… فمن غزة انطلقت بشائر الفدائيين في خمسينيات القرن الماضي… وحين التبست الجغرافيا بقيت غزة ترفع اسم فلسطين…. تقدّم الشهداء والأسرى ولا تيأس… فهي تكثيف كرامة شعب بكامله…

وغزة بعد مئة حرب وحرب تلازم ذلك الدمار العظيم ولا تنكسر.. فقد احترفت المقاومة والشهداء والأسرى والحصار والبقاء…

جباليا… مخيم الثورة والشهداء في غزة… هو تكثيف المكثف، فهو أكبر مخيمات اللجوء الثمانية في غزة، يقترب عدد سكانه اليوم من 200 ألف نسمة يحتشدون على مساحة لا تتجاوز 1.4 كم مربع…

في مخيم جباليا.. حيث المسافة صفر بين بيت وبيت.. بين باب وباب… بين نافذة ونافذة… بين قلب وقلب، بين بندقية وبندقية.. هنا وهناك على الجدران وفي العيون والقلوب والوعي تتراكم صور الشهداء… شهداء يتكّئون على شهداء وينتظرون الشهداء الذين سيأتوا…

هذه هي غزة.. وهذا هو مخيم جباليا… أقول ذلك لمن لا يعرف أو ينسى.. لأنّ هناك من ينسى حتى البديهيات…

من يعتقد أنّ بمقدوره أن يروّض غزة ومخيماتها واهم… فهنا من أعماق الأرض.. من بين كثبان الرمال ومع أمواج البحر… من تحت الأنقاض المحاصرة ومن أزقة الفقر العالي والكرامة الباسلة ينهض الشهداء دائماً ليعيدوا ضبط البوصلة…

ولكن هناك من ينسى.. وهناك من يتوهّم أنّ بمقدوره أن يكسر «غين غزة» أو «جيم جباليا»…

حين تندفع الجماهير الفلسطينية إلى الشارع في مخيم جباليا لتطالب بحقوقها فهذا يعني رسالة واضحة لمن يهمّه الأمر أو لا يهمّه: نحن من أعطاكم هذه المكانة… فلا تختبرونا ولا تجرّبونا…

فجباليا مخيم الثورة العنيد لم يسلس القياد يوماً لعابر ومحتلّ وغاز… ولن يسلس القياد لقمع أو قهر ومن أيّ جهة جاء…

هنا جباليا مخيم الثورة… فلا تنسوا ذلك…!

أن تتحوّل سلطة تنظيم أو حزب سياسي لشعب تحت الاحتلال إلى أداة قهر وقمع وإهانة ضدّ شعبها فتلك كارثة… وتتضاعف الكارثة إلى حدّ المهزلة حين يعتقد التنظيم أو الحزب أنّ من حقه أن يتطاول على شعب المقاومة..

فليس هناك لأيّ سلطة سياسية أو تنظيم أو حزب فلسطيني، صغُر أم كبر، ضوءاً أخضر ليتطاول على الناس… فاحترام أيّ تنظيم يكون ما دام يقبض على جمرة المقاومة ولا يحرف البندقية، ولن يشفع لأيّ تنظيم فلسطيني تاريخه أو تضحياته حين يتطاول على الناس.. فتلك هي بالأصل تضحياتهم… ففي اللحظة التي ينتقل فيها التنظيم أو السلطة التي يمثلها ليصبح قوة قهر أو قمع في مواجهة الناس ولأيّ سبب كان سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو ثقافي.. فإنه فوراً يتجاوز الخط الأحمر… فيفقد في تلك اللحظة حصانته وشرعيته الوطنية… وما لم يبادر فوراً لتصحيح الاتجاه فإنه ينحدر إلى الهاوية…

في جباليا لم يخرج الناس للشوارع ترفاً.. كما لم يخرجوا للشوارع ليطالبوا بوجبات «كنتاكي ساخنة»… لقد نزلوا للشوارع غضباً واحتجاجاً على حقهم في النور… قد يكون هذا الأمر قابلاً للنقاش والتوضيح، من على قاعدة الممكن وغير الممكن… ربما.. ولكن ما هو مؤكد أنه محظور على سلطة حركة حماس أو غيرها أن تبيح لنفسها قمع الناس لمجرد أنهم يغضبون على واقعهم القاسي ويحتجون عليه، ويطالبون من يقول أنه المسؤول عن تنظيم حياتهم وشؤونهم أن يحلّ مشاكلهم… أما إحالة الحراك الجماهيري إلى «جهات، وأيد خفية» هذه اللازمة المهينة التي تردّدها كلّ أجهزة القمع في العالم العربي فهذا يدلّ على استحفاف عال بوعي الناس…

لقد وقف الشعب الفلسطيني مع حركة حماس ومع غيرها من حركات المقاومة باعتبارها مقاومته… وسيواصل الوقوف معها وتقديم التضحيات معها ما دامت عنوان مقاومة وكرامة… تبدأ بفلسطين وتنتهي إليها…

ولكن على ما يبدو أنّ حركة حماس يلتبس عليها الأمر في جباليا وغزة… كما التبس عليها الأمر بالنسبة «لشركة مقاولات الثورات العربية في سورية واليمن».

لكل هذا… نقول: كفى عبثاً وخفة… وتجاوزاً… وكونوا حيث سجلتم أروع ملاحم الصمود والتضحية والمقاومة…

اللوحة من إبداع الفنان التشكيلي يوسف كتلو

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى