ترامب ونتنياهو: لا دولة فلسطينية وتفاوض للتفاوض… وروحاني لحوار خليجي وديعة جنبلاط لدى بري تنتظر موقف الحريري بعد إعلانه ربط النزاع مع عون

كتب المحرّر السياسي

بين أستانة وواشنطن مساران متعاكسان يرتسمان، حيث تمهد أستانة لجنيف وحوار سوري سوري يتأسس على موازين عسكرية جديدة أنتجتها معارك حلب، وفتحت باب التموضع التركي والأردني، وتحت سقف سياسي يُنهي نظرية مرحلة انتقالية وهيئة حكم انتقالي، ويفتح الطريق لحكومة موحدة في ظل الدستور السوري وتحت عباءة الرئيس السوري، تمهيداً لدستور جديد وانتخابات جديدة، على قاعدة أولوية الحرب على الإرهاب، بحيث صار المسار المكوكي بين أستانة وجنيف الطريق لاستيلاد الجسم المعارض القادر على تحمّل أعباء التسوية، بين حروب إلغاء ومؤامرات استبعاد وتدخل المخابرات، حتى يستقر الوفد الفائز بقصب السباق إلى المقاعد الوزارية، حيث موسكو وطهران تمدّان جسور الهبوط الآمن لأنقرة وعمان للانخراط في مسار التموضع الجديد من دون آمال كبيرة بإنجاز التحوّلات بسرعة. بينما في واشنطن فقد رتّب الضعف الذي تعيشه أميركا و«إسرائيل» بعد حروب فاشلة عجزاً عن الحرب والسلام معاً، وصار الرئيس الأميركي دونالد ترامب كصديقه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، في حال الضعف الداخلي أمام التطرف وصورة القوة، والضعف الخارجي أمام مَن يملكون قدرة خوض الحروب وتحمل أكلافها، وبينهما وقت يمضي ينمو فيه الإرهاب ويتجذّر كخطر يدقّ الباب، ولا خيار لمواجهته بلا شجاعة صناعة التسويات مع خصوم الأمس وخصوصاً روسيا وإيران، بعدما سقطت خيارات الحروب معهم. لذلك لا يجد ثنائي ترامب ونتنياهو اليوم إلا لغة التصعيد الكلامي بدلاً من الحرب والتفاوض للتفاوض بدلاً من التسويات، وهذا ما تحمله التصريحات عن الموقف من الاستيطان كضرورة سكانية للجدار الأمني، وصرف النظر عن حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية، لكن من دون الخروج من التفاوض ليصير التفاوض بلا قضية مجرد ميكانيكا لتمييع المواجهة.

الوضوح لدى معسكر موسكو وطهران يقابله التشوش والارتباك لدى محور واشنطن وتل أبيب، والوقوف في منتصف الطريق بالنسبة لحلفاء واشنطن في حربها على سورية بانتظار تبلّور خيارات التسوية بعد لقاء الرئيس الأميركي بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في الصيف المقبل، وحتى ذلك التاريخ تسير موسكو بثبات لبلورة نظام إقليمي جديد للشرق الأوسط نواته إيرانية تركية مصرية تتبلور بقوة على الساحتين السورية والليبية، وتمضي إيران لتطبيع علاقاتها خليجياً من بوابة الحوار الذي تتقدّم نحوه الكويت وعمان في ظل موافقة ضمنية وعدم ممانعة سعودية علنية.

لبنانياً، يبقى انتظار قانون الانتخاب الجديد الموعود، مع الوديعة التي وضعها النائب وليد جنبلاط لدى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بانتظار أن يحسم رئيس الحكومة سعد الحريري خياراته، بما يتصل بشروط التسوية التي ستحكم مرحلة ترؤسه الحكومة في عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، حيث ربط النزاع الذي أعلنه الحريري في خطاب زكّى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، ليس موجهاً عملياً لحزب الله بل لرئيس الجمهورية، والسؤال عن كيفية الجمع بين ربط النزاع حول الموقف من سلاح المقاومة ودورها في سورية والعلاقة بسورية، خصوصاً في مواجهة الإرهاب وأزمة النازحين، كما أعلنها رئيس الجمهورية، وبين تلبية استحقاقات بحجم قانون الانتخابات بحلول وسط مقبولة، بعدما لم يعد جنبلاط ذريعة مناسبة لتعطيل ولادة القانون الموعود.

لقاءات مكثفة في الأيام الفاصلة

تتكثّف اللقاءات الثنائيّة والرباعيّة في الأيام القليلة الفاصلة عن نهاية المهلة الدستورية لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، في محاولة للتوصل الى صيغة انتخابية توافقية، وفي حين لا زالت الصيغ المتداولة تدور في حلقة مفرغة، بات من المستبعَد خروج مشروع قانون الى النور قبل 21 شباط المقبل في ظل تمسك رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط بموقفه الرافض للنسبية وتضامن تيار المستقبل ورئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، الذي أعلن المواجهة مع القانون النسبي وتمسّكه بالمختلط.

وإذ بدا التباعد واضحاً بين التيار الوطني الحر و«القوات» بشأن القانون، نفت مصادر في التيار لـ«البناء» وجود أي رؤية موحّدة بين الطرفين، ولفتت الى أن «لا تقدم إيجابي بين القوى السياسية على صعيد قانون الانتخاب يوحي بقرب التوصل الى اتفاق بشأنه»، وكرّرت المصادر تأكيد «أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لن يوقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وبالتالي الأمور مفتوحة على الاحتمالات كافة».

واستبعدت المصادر أي مفاجأة بالإعلان عن اتفاق حول القانون العتيد قبل 21 المقبل، لافتة الى أنّ «رئيس الجمهورية سيواجه مَن يريد إعادة عقارب الساعة الى الوراء، وإذا أراد البعض الاستمرار بالتعاطي مع المسائل المطروحة بهذا المنطق، فإنّ الفراغ سيكون سيّد الموقف حتى الآن ولن تجرى الانتخابات في موعدها وكل فريق يتحمّل مسؤوليته، لكن العهد الجديد لن يخالف الدستور».

وتحدّثت المصادر عن «صراع جديد ظهر بعد التسوية الرئاسية محوره قانون الانتخاب تدخل فيه المصالح الانتخابية والسياسية والصراع على السلطة، وكأن لا شيء تغيّر ولا رئيس جديد ولا عهد ولد ولا دستور».

وأوضحت أنّ «جميع الطروحات التي تقدمت ليست واضحة ولم تنتج أي صيغة توافقية ولا يوجد تصوّر لدى أيّ مكوّن»، مضيفة أنّ «رئيس الجمهورية يرى بأنّ النسبية هي القانون الأفضل، لكن أيّ قانون يصل الى بعبدا يراعي المعايير التي يحدّدها الدستور سيوقعه عون ولن يقف حجرة عثرة أمام التوافق، لكن أن تُطرح مشاريع وقوانين وفق مصالح البعض فهذا أمر مرفوض».

وإذ لفتت المصادر الى أنّ التمديد التقني للمجلس الحالي بات مؤكداً، أشارت الى أنه من المبكر الحديث عن السيناريو الذي سيسلكه الاستحقاق الدستوري.

وفي حين كرّرت كتلة المستقبل في اجتماعها أمس «تمسكها بضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها وفق قانون جديد قائم على وحدة المعايير، لا يُقصي أو يُقهر أيَّ طرف من الأطراف اللبنانية»، دعت كتلة الوفاء للمقاومة خلال اجتماعها الأسبوعي الى إقرار قانون انتخاب جديد يقوم على النسبية مع الدائرة الواحدة أو الدوائر الموسعّة، ولا ترى في ذلك أي انتقاص أو تهميش لأيّ مكوّن من المكوّنات اللبنانية، ومع ذلك فإنّ الكتلة منفتحة على كلّ نقاش جدي يدور حول أيّ صيغة معقولة ومتماسكة يمكن التوافق عليها.

وثمنّت الكتلة المواقف الوطنية الواضحة التي أدلى بها أخيراً رئيس الجمهورية، خصوصاً لجهة تأكيده ضرورة بقاء المقاومة وحاجة لبنان إليها ولجهة ثقته بحرصها على الاستقرار الداخلي وتشديده على دورها الإيجابي مع الجيش اللبناني في التصدّي للاعتداءات الإسرائيلية وتحرير بقية الأراضي اللبنانية المحتلة.

بري: النسبية تحفظ التنوّع

وبينما تحدّثت المعلومات عن أنّ مشروع القانون الذي أعدّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي يُبحث بجدية في الاجتماعات اليومية التي تحصل بعيداً عن الإعلام، وأنّ النائب جنبلاط تقدّم خطوة باتجاه الموافقة على صيغ القانون المختلط، أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنّ «حماية لبنان والحفاظ على التنوّع في التركيبة اللبنانية لا يكونان إلا بإقرار قانون جديد للانتخاب يعتمد النسبية، وعلينا جميعاً، من أجل تسييج لبنان، أن نتوافق على قانون الانتخاب».

وجدّد القول في لقاء الأربعاء إن «من واجب الحكومة مناقشة القانون في أقرب وقت، لأنّ هذا الموضوع هو من أولى مهماتها ومسؤولياتها». وقد شدّد بري على أنه ضنينٌ على تأمين العدالة في القانون الانتخابي الجديد من خلال صحة التمثيل للجميع، وهذا ما يوفره النظام النسبي الذي يحدّد الأحجام والأوزان السياسية ولا يلغي أحداً.

وجزم بري بأن لا تمديد لمجلس النواب تحت أي ظرف كان، وإذا حتّم علينا القانون الجديد تمديداً تقنياً للجهوزية الانتخابية، فإنّه لن يكون سوى لفترة قصيرة، وأكد أننا بتنا في الأيام الأخيرة الفاصلة عن وضوح الصورة الانتخابية، والتي ستتجنّب الوقوع في الفراغ وتعمل على إنجاز صيغة عادلة.

وعلى صعيد آخر، رأى الرئيس بري أنه «مهما جرى من نقاش حول الموازنة لا بدّ من إقرارها من أجل مصلحة الدولة والاقتصاد اللبناني»، مشدّداً في الوقت نفسه على «وجوب إقرار سلسلة الرتب والرواتب في كلّ الأحوال بعد كلّ هذه الفترة من الانتظار».

جلسات ماراتونية للموازنة

وفي حين غاب قانون الانتخاب، طغى ملف الموازنة على جلسة مجلس الوزراء والتي ستتحوّل الى جلسات ماراتونية غداً الجمعة والاسبوع المقبل حتى إقرار مشروع الموازنة العامة للعام 2017.

وشهد مجلس الوزراء الذي انعقد أمس، في السراي الحكومية برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري وجهات نظر ومقاربات عدّة حيال مشروع الموازنة وناقش الوزراء بالأرقام والوقائع وطلب رئيس الحكومة من الوزراء عدم التحدّث في الإعلام عن التوجّهات الحكومية حيال الموازنة.

وقالت مصادر وزارية لـ«البناء» إنّ «الاتجاه في مجلس الوزراء الى إقرار الموازنة بعد إشباعها درساً بناءً على الوقائع والأرقام المالية ولا خلاف في المجلس حول ذلك. والجميع أقرّ بضرورة إنجاز الموازنة رغم بعض التباينات في وجهات النظر».

وأوضحت المصادر أنّ «هناك شبه موافقة في المجلس على السير بالضرائب، كما وردت بمشروع الموازنة التي أحالها وزير المال علي حسن خليل إلى مجلس الوزراء مع تغيّر بسيط في بعض الضرائب والإنفاق».

وأضافت المصادر أنّ «هناك ضرورة لإقرار ضرائب جديدة لتحسين إيرادات خزينة الدولة مع ضبط الإنفاق قدر المستطاع، لكنها لن تصيب الفئات الشعبية الفقيرة ولا المتوسطة وكل الضرائب الملحوظة في الموازنة، لا سيما زيادة الضريبة على القيمة المضافة 1 في المئة، لا تشمل مشتقات المواد الأولية والأدوية وغيرها التي تطال ذوي الدخل المحدود بل الضرائب ستكون بمعظمها على الأرباح العقارية والمصرفية». ولفتت الى أنه «لا يمكن الاستمرار بسياسة الاستهلاك الموجودة في ظلّ عجز في الميزان التجاري 14 مليار ليرة».

وتحدّثت المصادر عن أنّ «النمو الاقتصادي في لبنان لم يتعدَّ الـ 2 في المئة، بينما خدمة الدين العام بلغت 5 مليارات دولار وعجز 10 في المئة في الدخل القومي. وبالتالي هناك نمو سلبي 8 في المئة ما يفاقم الخطر على الاقتصاد اللبناني».

وانقسم الوزراء بين مؤيّد لفصل سلسلة الرتب والرواتب عن مشروع الموازنة، نظراً للخلاف حول تمويلها لا سيما زيادة الرسوم والضرائب، وذلك بعدما تكلّم رئيس الحكومة عن أفضلية فصلها عن موازنة 2017، لأنّ وزارة المال بصدد إعداد موازنة 2018 بعد نحو شهرين أو ثلاثة، ويمكن أن نضمّ السلسلة الى هذه الموازنة او نصدرها بقانون منفصل اذا جرى التوصل الى تفاهم حول السلسلة قبل اقرار موازنة 2018.

أما في ما خصّ قطع حساب الموازنات السابقة منذ العام 2005 حتى الآن بما فيها مبلغ الـ11 ملياراً، تم فصل الموازنة عن عملية قطع الحساب الذي تمّ تأجيل بتّها ثلاثة أشهر.

وشدّد الرئيس الحريري على أنه من الأهمية بمكان إقرار موازنة عام 2017 بعد 12 سنة من دون موازنة، مشدداً على تحسين موضوع الجباية.

وفي موازاة ذلك، حذّرت جمعية المصارف «من المخاطر التي قد تنجم عن مشروع موازنة العام 2017 والضرائب الجديدة المقترحة فيه، والتي تناول بعضها القطاع المصرفي بصورة انتقائية»، وكشفت أنها «سترفع مذكّرة في هذا الخصوص إلى السلطات المختصّة، وتجري اتصالات مكثّفة مع المسؤولين المعنيّين لمعالجة الموقف».

وتمّ الاتفاق في نهاية الجلسة على عقد جلسة أخرى غداً الجمعة وثلاث جلسات الأسبوع المقبل.

وحضر موضوع التظاهر أمام مبنى قناة «الجديد» أمس وأمس الأول، في بداية الجلسة، وأكد وزير الإعلام ملحم رياشي، أن ما تعرّضت له المحطة يتطلب تدابير قضائية لحماية الإعلام والإعلاميين والحرية الإعلامية، فردّ الوزيران علي حسن خليل وغازي زعيتر معتبرين أنّ الكلّ مع حرية الإعلام ولا أحد ينوي المسّ بها، لكن شرط أن تلتزم وسائل الإعلام نصوص القانون.

وتحدّث وزير العدل سليم جريصاتي مؤكداً أنّ القضاء تحرك أصلاً من أجل ملاحقة المعتدين على المحطة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى