مطانيوس ابراهيم يوقّع «أنطون سعاده والنظام اللبناني»

وقّع الدكتور مطانيوس يوسف ابراهيم، كتابه الجديد «أنطون سعاده والنظام اللبناني»، في حفل دعت إليه الرابطة الثقافية في طرابلس في قاعة المؤتمرات، وحضره حشد من الشخصيات السياسية والحزبية والفكرية والاجتماعية.

وألقى الكاتب الياس عشّي كلمة قدّم فيها الكاتب والكتاب، معرّفاً بما احتواه من معلومات جديدة حول شخصية سعاده ومواقفه من النظام اللبناني. واستهلّ مداخلته قائلاً: في جعبتي اليوم حكاية تقول إنه كان يوجد ملك أعرج، ويرى بعين واحدة. وفي أحد الأيام دعا هذا الملك فنانين ليرسموا له صورته الشخصية، بشرط ألّا تظهر عيوبُه في هذه الصورة! اعتذر الفنانون جميعاً عن رسم هذه الصورة، إذ كيف سيرسمون الملك بعينين وهو لا يملك سوى عين واحدة؟ وكيف يرسمونه بقدمين سليمتين وهو أعرج؟

ولكن، وسْط هذا الرفض الجماعي، تقدّم فنّان، ورسم صورة جميلة خالية من العيبين. كيف؟

تصوّر الملك واقفاً وممسكاً ببندقية صيد موجّهةً إلى هدف ما، مغمضاً إحدى عينيه، وحانياً قدمه العرجاء… وهكذا، رسم صورةً للملك بلا عيوب.

وقال: في هذه المناسبة، لا بدّ من العودة إلى سعاده الذي طرح سؤاله الأوّل: ما الذي جلب على أمّتي هذا الويل؟، واستتبعه بسؤال آخر: من نحن؟

كان باستطاعة سعاده أن يختبئ وراء الأجوبة التي اكتشفها، وأن يرسم لوحة لأمّته لا عورة فيها، فيعيش بسلام كما عاش كثيرون من الفلاسفة والمفكّرين والمصلحين الاجتماعيين. لكنه أصرّ على الإجابة عَبر حركة نضالية، وانضمّ إلى لائحة لا تنتهي من شهداء المعرفة الذين رسموا خريطة للإجابات الصحيحة، ولكنها خريطة مليئة بالألغام، تؤسّس لمسرحية عربية خالدة اسمها الاغتيال.

وكان باستطاعة الدكتور مطانيوس ابراهيم أن يؤرّخ هذه المرحلة من تاريخ لبنان متجاوزاً العيوب، ولكنّه أبى إلّا أن يكون واقعياً ومنهجياً، وكأني به يطبّق القاعدة الذهبية في النقد التي أطلقها الجاحظ عندما قال: «إذا كانت المحبّة تُعمينا عن المساوئ، فإنّ الكره يُعمينا عن المحاسن».

وعن الكتاب قال عشّي إنه بحجم الموسوعة، مشيراً إلى أنه أيضاً الأطروحة التي قدّمها مطانيوس ابراهيم للحصول على درجة دكتوراه في التاريخ، وقد نالها بامتياز. وعدد الصفحات ألف، بحجم من القطع الكبير. مضيفاً: ويصح فيه ما قاله الأقدمون في كتاب «الأغاني» بأنه مكتبة في كتاب. كما توزّعت صفحاته الألف بين أبواب وفصول، وفهارس تفسح في المجال ليكون مرجعاً هاماً للباحثين المهتمين بالشأن القومي، والشأن الاجتماعي والشأن السياسي.

ونقل عشّي عن المؤلف قوله: إن البحث لا يقدّم تاريخاً سياسياً بمعنى تاريخ الحروب والغزوات والوقائع والمعارك، لأن مثل هذا التاريخ يُكتب لفئة من الحكّام المعروفين بالتسلّط والفوقية، لذلك فإنّ عملي سيكون بحثاً تاريخياً اجتماعياً، تاريخ شعب يتطلّع إلى الديمقراطية والحرّية والمواطَنة الحقة … وما سأقدمه في هذه الأطروحة محاولة تغيير صورة تاريخية خاطئة لأحداث طالت مرحلة مهمة من تاريخ الوطن وتاريخ شخصية قومية عاصرت هذه المرحلة، أعني بها حياة أنطون سعاده.

وتابع عشّي نقلاً عن الكتاب: يقول جوزف أبو خليل عضو المكتب السياسي في حزب «الكتائب» في كتابه «لبنان… لماذا؟»: «ثمة إحساساً بالذنب يلازمني منذ أحداث 1949 التي انتهت باعتقال أنطون سعاده ومحاكمته وإعدامه في غضون ساعات. وأتساءل اليوم، كيف لم أستفظع تلك المحاكمة؟ على الأقلّ بيني وبين نفسي، خصوصاً أنّ ملاحقة الزعيم جاءت في أعقاب حادثة الجميزة المعروفة وقد كنت أحد المصفقّين لأبطالها».

ونقل عشّي عن الدكتور محمد القوزي، رئيس قسم التاريخ في جامعة بيروت العربية قوله: … ولقد تبيّن لي أنّ الأطروحة تتميّز بمستوىً علميّ جيّد سواء من ناحية جِدّة الموضوع، ومعالجته شكلاً وموضوعاً، كما تتميّز بمنهجيّة علمية، خصوصاً أن الطالب اعتمد مصادر أساسية ومصادر جديدة…

وخلص عشّي إلى القول: أفضل ما يمكنني أن أنهي به هذه المداخلة، ما قاله الجاحظ في مقدّمة كتاب «الحيوان» في معرض حديثه عن أهمية الكتاب في زمن لم تكن الطباعة قد اكتشفت بعدُ، يقول: «والكتاب يحتاج إليه المتوسّط العاميّ كما يحتاج إليه الخاصّ، ويحتاج إليه الريّض كما يحتاج إليه الحاذق … ، لأن كلّ من التقط كتاباً جامعاً، وباباً من أمّهات العلم مجموعاً، كان له غنمه، وعلى مؤلّفه غرمه … ، وهذا كتابً جمع معرفة السماع وعلم التجربة»… ولم أرَ ما يليق بموسوعة مطانيوس أفضل ممّا قاله الجاحظ.

وفي الختام، وقّع الدكتور ابراهيم كتابه للحضور.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى