خواطر لبنانية

معن بشور

1 ـ تفكيك مفاعل أم تفكيك مشروع؟!

دعوة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الكيان الصهيوني إلى تفكيك مفاعل ديمونة النووي كي لا تتحوّل القوة النووية الصهيونية من قوة بيدها إلى قوة عليها، لا تكتسب مصداقيتها من مجرّد أنها صدرت عن قائد إذا وعد صدق فحسب، ولا من حقيقة تأتي بعد دعوة سابقة لتفريغ العدو لميناء حيفا من خزانات «المونيا» بعد إنذار قائد المقاومة اللبنانية فقط، وهو ما تفعله تل ابيب الآن، بل انها أيضاً تأتي في سياق تبدّل متدرّج في موازين القوى بين الكيان الصهيوني وبين قوى المقاومة في الشمال حزب الله والجنوب المقاومة الفلسطينية في غزة ، وفي الوسط حيث شباب فلسطين وشاباتها مستمرون في انتفاضة بدأوها قبل 15 شهراً

وليس من قبيل الصدفة أيضاً أن تأتي دعوة السيد نصرالله، فيما كان ترامب ونتنياهو يعلنان في واشنطن نعي «عملية السلام» بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتحويلها إلى مجرد عملية تفاوض من أجل التفاوض، بل انها تأتي في سياق إعلان ترامب انّ «إسرائيل» تواجه تهديدات أمنية جدية، وقراره بتحذير الأميركيين من السفر الى لبنان بكلّ ما يتضمّنه هذا القرار من إيحاءات وضغوط..

ولا أخال أحداً من المتابعين إلا ويدرك انّ الترسانة النووية التي يمتلكها العدو هي أحد أهمّ ركائز مشروع تفوّقه الاستراتيجي على أمتنا، وبالتالي فإنّ تفكيكها لا بدّ ان يقود إلى تفكيك المشروع الصهيوني نفسه، كمشروع هيمنة وتفتيت لأمتنا، وبالتالي إلى تفكيك الكيان الصهيوني ذاته الذي لم ولن تنجح كلّ مشاريع التدمير والتفتيت في الجزائر عام 1991 والعراق عام 2003 وسورية واليمن وليبيا عام 2011 والمحاولات المستمرة لإضعاف مصر، في إنقاذ هذا الكيان من مصير الأفول المحتوم ولو بعد حين.

فهل نفهم الآن لماذا تشنّ الحرب بكلّ أشكالها على المقاومة في لبنان وفلسطين، وقبلهما في العراق، بل لماذا العمل على تدمير سورية شعباً ودولة، مجتمعاً وجيشاً، خياراً ومواقف…؟

2 ـ شهادة في رجل كبير

تذكرت وأنا أشاهد الحديث مع الرئيس العماد إميل لحود على قناة «الميادين»، كلمة كنت أردّدها دائماً كلما سألني صديق أو غير صديق «لماذا تصرّ على زيارة الرئيس لحود مرة كلّ شهر، وهو لم يعد رئيساً وهناك حملة شرسة ضدّه»، كان جوابي للجميع: «لأنه رئيس مستقيم يحترم نفسه، يلتزم بمبادئ، يعيش قناعاته».

فمنذ معرفتنا بالرئيس لحود، قبل التعرّف إليه، في أواخر السبعينات، ونحن نلاحظ أنّ الرجل أمين للمبادئ التي ورثها عن والده اللواء جميل لحود، وهي المبادئ التي حالت بين الراحل الكبير وبين قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية لأكثر من مرة…

وأذكر انه في أواسط الثمانينات، ولدى الحديث عن تعيين قائد جديد للجيش، قلنا، رفيقي بشارة مرهج وأنا للرئيسين الشهيد رشيد كرامي والضمير سليم الحص: «نحن نعتقد انّ لحود أفضل الأسماء المطروحة. بل انه حتى لو لم يكن مطلوباً ان يكون القائد مارونياً، فلحود جدير بها، وانه حتى لو لم يكن عسكرياً فلحود جدير بها».

سبق العماد عون آنذاك الرئيس لحود إلى قيادة الجيش، ليسبقه في ما بعد العماد لحود إلى رئاسة البلاد، فكان تناوب جميل بين رجلين تجمعهما الاستقامة أياً كان خلاف البعض مع أيّ منهما.

صحيح انّ في عهد الرئيس لحود، كما في أيّ عهد، أخطاء بعضها جسيم، وهو يتحدث عنها بكلّ شفافية وصدق، لكن في عهد لحود أنجز لبنان استحقاقات هامة أولها دحر الاحتلال الصهيوني عام 2000، ثم ردع العدوان عام 2006، وفي كلا الاستحقاقين دور بارز للرئيس لحود فيهما جنباً إلى جنب مع المقاومة والشعب والجيش…

يكفي ان نذكر له رفضه مع وزير الداخلية آنذاك بشارة مرهج إطلاق النار على أنصار المقاومة المتظاهرين تحت جسر المطار الغبيري في 13/3/1993 احتجاجاً على اتفاقية اوسلو.

في عهد الرئيس لحود عاش لبنان استقراراً مديداً، رغم محاولة قوى الغلوّ والتطرف والتوحش تخريبه في جبال الضنية مع نهاية العام 1999، وما كان ذلك ليتمّ لولا شجاعة الرئيس ومبادراته من جهة، ونجاحه مع مساعديه في إنجاز تنسيق عال مع القياة السورية على قاعدة لا يجيدها إلا من يحترم نفسه ويحرص، على استقلالية قراره مع إدراكه السليم بأهمية التعاون بين لبنان وسورية الذي أقرّه اتفاق الطائف عام 1989، وكرّسته معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق مع سورية عام 1991، وكلاهما تمّ إقرارهما قبل أن يصبح العماد لحود رئيساً أو حتى قائداً للجيش، ابان التوقيع على اتفاق الطائف.

في عهد الرئيس لحود، كان الحسّ الاجتماعي عنده، كما عند والده، عالياً، فقد أصرّ على التعامل، وهو قائد للجيش، مع التحركات المطلبية والعمالية بكلّ رقيّ وروح حوارية عالية، وكان يرفض صدور قوانين تنعكس سلباً على الأوضاع الاجتماعية في البلاد، وكانت له وقفة مشهودة في مجلس الوزراء عام 2000 أثناء طرح مشروع قانون للإيجار يبقى افضل بكثير من القانون الذي أقرّه مجلس النواب مؤخراً، والذي يتطلع مئات الآلاف من اللبنانيين إلى الرئيس عون لردّه إلى مجلس النواب…

لم تكن مواقفه العربية أقلّ جرأة وشجاعة من مواقفه اللبنانية، خصوصاً عشية الحرب على العراق حيث وقف مع الرئيس بشار الأسد الوقفة القومية الصارخة في قمة شرم الشيخ في شباط/ فبراير 2003، وهو ما دفعنا يومها إلى تنظيم مسيرة »الكرامة والوفاء» إلى بعبدا ودمشق في 9/3/2003 وضمّت أكثر من 150 ألف لبناني وفلسطيني بعضهم لم يكن قادراً على زيارة دمشق منذ عقود ورأسها آنذاك رئيس السن في مجلس النواب اللبناني الكبير الشيخ قبلان عيسى الخوري.

كذلك كانت وقفة الرئيس لحود في قمة بيروت العربية في شهر آذار/ مارس 2002، حين أصرّ على إدراج بند حول حق العودة على مبادرة الأمير آنذاك عبد الله بن عبد العزيز، كما كانت وقفاته في قمم الخرطوم 2005 والرياض 2006 حين رفض الالتفاف على هذا البند بضغط أميركي وعربي معروف، وحين أصرّ على إدراج بند في الببان الختامي يتضمّن دعم المقاومة في لبنان.

كلّ هذه المواقف، وهي بعض مواقفه، كانت وراء التحامل عليه أو الحملة ضدّه، ومحاولة إلصاق تهمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري به وبأبرز معاونيه، في محاولة مكشوفة للنيل منه، ولإرهاب أيّ رئيس آخر يحاول ان يسلك سلوكه…

لهذه الأسباب، بقيت مع اخواني مصراً على زيارته كلّ شهر، احتراماً لمواقفه، وتقديراً لشجاعته واعتزازاً بوفائه واستقلاليته.

اطال الله في عمر الرئيس العماد إميل لحود…

3 ـ هل بدأ لبنان يستعيد دوره العربي؟

من تابع تصريحات وخطب الرئيس العماد ميشال عون في مصر والأردن أحسّ بأنّ لبنان قد بدأ يستعيد دوره في الحياة العربية كجسر للتضامن بين العرب، وكمدافع عن القضايا العربية العادلة، وفي مقدّمها قضية فلسطين، في تأكيد انّ لبنان حين يستعيد عافيته يبدأ في استعادة دوره بين أشقائه، وهو دور لا يستطيع غيره ان يضطلع به.

انّ الخطاب العربي المقاوم للرئيس اللبناني سيكون له أثر بالغ في معالجة حال الانقسام والاحتراب السائد بين العرب، كما في إعادة تسليط الأضواء على الخطر الصهيوني، لا سيما في القدس، في ظلّ سياسات رسمية عربية تتراوح بين العجز والتخاذل والتواطؤ…

اللبنانيون الذين بقوا على مدى عقود أمناء على دور لبنان النهضوي ورسالته العربية يستبشرون خيراً بمواقف رئيسهم وخياراته، ويحذرون من محاولات المتضرّرين من هذه المواقف في الداخل والخارج، الساعين الى الانقضاض عليها، وعلى صاحبها، كما كان الأمر في حالات سابقة حين جرى العمل لشيطنة الرئيس المقاوم العماد إميل لحود. كما جرى العمل لمنع الوزير الضليع بمخاطر الصهيونية على لبنان والمنطقة ميشال ادة من الوصول الى سدة الرئاسة عام 2007.

ولكن ظروف اليوم، المحلية والإقليمية والدولية، مختلفة تماماً عما كانت عليه خلال العقد الاول من القرن الحالي، بما يؤكد انّ خيارات الرئيس عون ليست وطنية وقومية فحسب، بل هي تعكس ايضاً بعد نظر استراتيجي يبقى ضمانة لبنان وحصانته في مواجهة ما يحيطه من زلازل وحرائق وعواصف…

4 ـ لبنان يتسع للجميع

أن يحيي تيار المستقبل ومحبو الرئيس رفيق الحريري الذكرى 12 لاستشهاده، وأن يحيي حزب الله والملتزمون نهج المقاومة ذكرى استشهاد «سادة النصر»، الشيخ راغب حرب والسيد عباس الموسوي والحاج عماد مغنية، وأن تحيي كلّ جماعة لبنانية على امتداد العام والوطن ذكرى شهدائها، فلذلك معنى واحد، أنّ لبنان يتسع للجميع… وأنّ أيّ محاولة لإلغاء أيّ مكوّن اجتماعي أو سياسي، أو إقصائه لم تأت على لبنان، كما على كلّ قطر عربي، إلاّ بالويلات والشهداء قادة وافراداً ومواطنين.

في هذه الأيام، تبرز أمام كلّ اللبنانيين مسألتان: أولهما أن يكفّ بعضهم عن التحريض على بعضهم الآخر، سواء كان سبب التحريض مكاسب ذاتية ضيقة، أو كانت وراءه أياد خارجية تريد الاستمرار في إشعال الحرائق في لبنان والمنطقة.

وثانيهما أن يحرص المشرّع اللبناني، كما أهل الحلّ والربط، في كلّ قوانينهم، وأهمّها قانون الانتخاب، على ما يضمن وجود الجميع، جماعات وتيارات وقوى سياسية، بما يتناسب مع حجمه الحقيقي، وهو ما لا يوفره إلاّ قانون يعتمد النسبية على مستوى لبنان كدائرة انتخابية واحدة، أو على مستوى دوائر موسّعة تراعي كلّ الخصوصيات.

بهذه الروح نكون قد أعطينا شهداءنا، كلّ شهدائنا، حقهم…

المنسّق العام لتجمّع اللجان والروابط الشعبية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى