جنبلاط يستعيد بيضة القبّان ويربح قانون السكين

ناصر قنديل

– لم يكن النائب وليد جنبلاط عبثياً عندما أشهر سلاح الفيتو بوجه قانون النسبية المطلقة ولبنان دائرة واحدة، ولا كان جدياً عندما لوّح باتفاق الطائف وطالب بالذهاب لصيغة المجلسين وهيئة إلغاء الطائفية، ولا كان جدياً بالاستعداد للذهاب إلى الفراغ النيابي دفاعاً عن قانون الستين. كان جنبلاط يعرف الواقع السياسي اللبناني جيداً، ويعرف القوى التي يتقابل معها، ويعرف المهل واللعب فوق حدود سكينها، لكنه يعرف قبل ذلك ما يريد، والأهم في ما يريد هو إعادة صياغة قواعد التفاوض باسترداد صفة بيضة القبان التي كاد يشعر بفقدانها مع تبلور صيغة الرباعية التي تصنف القوى الكبرى القادرة على صناعة السياسة، ومنها قانون الانتخابات النيابية ووضعته خارجها. وصفة بيضة القبان هي صفة المرجح الذي تميل الكفة حيث يميل، وقد استردها جنبلاط عملياً، منذ أن صارت معادلة قانون الانتخابات هي معادلة القانون الذي يرضاه جنبلاط مقابل قبوله بالتخلّي عن قانون الستين.

– كانت أهم إصابة بالغة لدعاة قانون الستين، خصوصاً جنبلاط وتيار المستقبل، هي المعادلة التي رسمها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بإسقاط الابتزاز القانوني الذي يحملونه بوجهه بضغط المهل القانونية لدعوة الهيئات الناخبة، ومخاطبته بلغة قوامها، الستين أو التمديد، وإلا فالفراغ، فقال لهم مفاجئاً فليكن الفراغ. وكان ممكناً لهذه الصدمة الإيجابية أن تفعل فعلها في تحسين شروط التفاوض على قانون انتخاب يعتمد النسبية لو لم يقع التيار الوطني الحر في شبهة توظيف المعادلة الرئاسية، بالتقدّم بمشاريع قوانين انتخابية توحي بقيامها على معادلة ضمنية قوامها، قانون يرضي التيار، ويلبّي متطلبات التحالف بين التيار والقوات ويُقصي المنافسين المسيحيين، أو الفراغ، فيصير الحوار الذي يخوضه ثنائي حركة أمل وحزب الله مع الفرقاء مقسوماً بين حوارين متشابهين، واحد يمثله تحالف المستقبل وجنبلاط ويقوده جنبلاط ومعادلته قانون يلبّي توسيع التمثيل الحزبي بمزيد من المقاعد ويُقصي المنافسين السنة والدروز أو قانون الستين والثاني يمثله تحالف التيار الوطني الحر والقوات ويقوده التيار ومعادلته مشابهة، قانون يلبّي توسيع التمثيل الحزبي بمزيد من المقاعد ويُقصي المنافسين في الطوائف المسيحية أو الفراغ، بينما المعادلة الأصلية التي انطلق منها التفاوض، هي قانون يصحح التمثيل ويوسّع التعددية السياسية في الطوائف، بدلاً من توسيع الأحادية والاحتكار، ولذلك كانت قاعدة لا للستين ولا للتمديد، ولكن أيضاً لا للفراغ، إلا بصفته سيفاً للتحريض والتحفيز على الإنجاز.

– مع ضغط معادلة الفراغ، ولدت معادلة بديلة عنوانها التصويت على مشاريع القوانين قبل نهاية ولاية المجلس الحالي، وليفز منها ما ينال التصويت الأعلى، ما لم يتم التوصل للتوافق على قانون جديد، ليصير الأرجح في هذه الحالة فوز قانون يعتمد النسبية الكاملة، مع دوائر صغرى ومتوسطة، كقانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، أو دوائر أوسع كالمحافظات الخمس، لأن التصويت بلا صيغة توافق مسبقة سيجعل التيار الوطني الحر مضطراً للتصويت على قانون يعتمد النسبية الكاملة باعتباره مشروعه الأصلي بالتوافق مع حزب الله وحركة أمل. وهذا حفّز جنبلاط للإسراع بتوظيف دوره المستعاد كبيضة قبّان لترجيح كفة التوافق على ما فهم جيداً من مقترحات التيار الوطني الحر المتداولة أنه قاعدة مشتركة للطرح، وما هو بالأصل مشروع جنبلاط المشترك مع تيار المستقبل والقوات اللبنانية، وهو كذلك مشروع حركة أمل، ولو بصيغ متفاوتة، أي النظام المختلط، فأطلق صفارته معلناً فوز القانون المختلط بتغريدة تقول، لا مانع بقانون يخلط الأكثري مع النسبي، بعدما أودع لدى رئيس مجلس النواب مطالبه في ما يخصّ الدوائر التي تهمّه من القانون المختلط، مفتتحاً طريقة الحل التي سيولد عبرها القانون، أن يضع كل فريق تصوّره لتوزيع المقاعد بين النظامين الأكثري والنسبي في ما يخص الدوائر التي تهمّه كوديعة مشابهة لوديعة جنبلاط، ويبدأ البحث عن المبدأ الجامع بين الودائع، أو الذي يمكن استخلاصه للقانون بتدوير الزوايا وتعديل التفاصيل بين الصيغ – الودائع.

– ستكون الحصيلة قانون السكين، قانون يُمسك معه كل طرف سكينه ليقصّ الدوائر على هوى حساباته، ويوزّع بالسكين المقاعد بين النظامين الأكثري والنسبي بلا ضابط مبدئي يفسّر التوزيع ويحقق شموليّته، وسيقولون لرئيس الجمهورية هذا قانون توافقيّ بديل من قانون الستين، ويعتمد النسبية، وسيُبدي التيار الوطني الحر موافقته، وكذلك القوات والمستقبل وجنبلاط، وحركة أمل وحزب الله سيقولان هذا أفضل من الفراغ والستين لكن نحن سنترحّم على الستين، لأن معيار أي قانون انتخاب ثلاثة سيفتقدها قانون السكين، بعض الغموض في توقّع النتائج لتكون انتخابات، كما يقول الرئيس بري، وسهولة موقف الناخب في جعل صوته وسيلة لفوز مرشحه، شخصاً كان أم حزباً، ومعيار واحد يطبق على كل المناطق والمقاعد، والثلاثة سنفتقدها حتى قياساً بقانون الستين، أما عن السعي لتحقيق التعددية السياسية فحدّث ولا حرج، وعن تمثيل قوى جديدة فذلك حصرم رأيته في حلب.

– في النظام المختلط، طالما أعلن جنبلاط فوزه بالضربة القاضية، يمكن منع وقوع السكين في قلب الديمقراطية والتمثيل الصحيح، بحال واحدة، اعتماد الدوائر التقليدية المتعارف عليها بلا فك وتركيب، الأقضية للأكثري والمحافظات الخمس للنسبي، وتوزيع المقاعد بين الانتخاب الأكثري والنسبي، بجعل لكل طائفة ممثلة في مقاعد أي قضاء مقعداً واحداً وفقاً للأكثري، ونقل الباقي من المقاعد للنظام النسبي على مستوى المحافظة، إذا كان لدعاة التمثيل الصحيح من قدرة على تحقيق قدر من التأثير لتصويب السكين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى