دونالد ترامب وبداية عهد منكبّة على إبعاد «الشبهات»

روزانا رمّال

لا يمكن الحديث عن إدارة أميركية تقليدية تقطن البيت الابيض اليوم، ولا يمكن ايضاً الحديث عن نمط كلاسيكي في التسلم والتسليم بين الإدارات الديمقراطية والجمهورية المتعاقبة أو حتى انتقاء الوزراء الذين سيشكّلون هوية الإدارة الجديدة في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب الذي باتت الشكوك تحوم حول قدرته على سلوك مسارات سياسية منفردة من دون العودة الى المؤسسة الأميركية، ما تكشف في الأيام الماضية عن صعوبة ان تكون هذه الإدارة قادرة على التفرّد بقرارات مغايرة أو أحادية، خصوصاً في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية. ففي وقت كان الحديث يتمحور قبل فوز ترامب بالرئاسة حول علاقة جيدة مع روسيا وحول انكفاء وتخلٍّ عن التصعيد في ملفات الشرق الاوسط التي لا تجلب لواشنطن سوى المزيد من التعقيدات, بدأ صدى إقالة مايكل فلين المستشار القومي الذي عين لأيام تتفاعل بمؤشراتها التي كرست العداوة الأميركية لروسيا أكثر في أذهان المؤسسات والأجهزة الأميركية، بعد ان تبين ان استقالة مايكل فلين هي نتيجة اتهامه بتضليل نائب الرئيس في ما يتعلق بمضمون محادثة هاتفية مع السفير الروسي لدى واشنطن قبل تنصيب الرئيس ترامب ودخوله البيت الأبيض رسمياً وهو ما فسّر على أنه عنوان عريض لمرحلة «انغماس» أو انكباب على روسيا التي لا تزال تصنف «العدو« الأول لدى الأميركيين المتطرفين، وجزء وافر منهم لا يزال يحتل كبرى المناصب ويدير المهمات الأمنية الأدق.

يبدو أن ترامب قد انهزم أمام المؤسسة الأميركية بعدما اظهرت استقالة مايكل فلين أن ترامب ليس مستعداً للقتال من أجل ثوابته التي بدا أنه مستعدّ لتحمّل عواقبها. فمايكل فلين الذي شغل منصب رئيس المخابرات العسكرية الأميركية وقائد القوات الملمّ بشؤون الشرق الأوسط والقدرات العسكرية الأميركية وضرورة التوجّه نحو تعاون مع الروس في مكافحة الارهاب، كان مفترضاً أن يخوض معركة واحدة بعنوان منع نفوذ الخصوم وتعزيز الحلفاء الموثوقين في الشرق الأوسط من اجل قتال داعش حتى السحق. وهذا يعني أن الأهم أن «لا تربح إيران من أي تعاون مع روسيا والثاني ان لا تخسر أسرائيل أيضاً». وهي معادلة بديهية من الوجهة الأميركية السياسية، لكنها ليست معادلة مقبولة عند التطرف الذي لا يزال يجتاح عقل المسوؤلين في الـ«سي اي اي» و«البنتاغون» التي تعتبر أن أي تعاون مع روسيا وإشراكها بمعادلة اقتسام على اساس الاعتراف بقوة الآخر هو إهانة لواشنطن ومكانة الولايات المتحدة التي لا تزال تعيش على مفاهيم التفرّد.

مشاكل جدية تحول دون اعتبار ترامب رئيساً مؤهلاً لإدارة ملفات بلاده الخارجية، خصوصاً الشرق الأوسط تحديداً سورية. وهي مشاكل جعلت منه رئيساً منكبّاً على الاهتمام بإدارته الجديدة التي تعيش عدم الاستقرار حتى اللحظة، فمسألة تكرار الاستقالات قد ترد في أي لحظة نظراً لما يتعرّض له افرادها من معارضي الداخل غير الراضين على فوز ترامب بالرئاسة، مع الأخذ بعين الاعتبار مشاكل أساسية ستعيق عمل «العهد» الذي لا يجد منبراً إعلامياً يشكل قاعدة ارتكاز لدعمه حتى الساعة وآخر الاشتباكات مع الإعلام مقاطعته لعشاء كبريات المؤسسات الإعلامية في البيت الأبيض وتبعته تظاهرة لدعم صحيفة «نيويورك تايمز» الديمقراطية التوجه وغيرها مثل «لوس انجلوس تايمز»، وشبكة «CNN» الإخبارية، فما كان من التظاهرة إلا تذكير إدارة ترامب بأول تعديل للدستور الأميركي حول حرية الصحافة.

مسألة حرية الإعلام كمسلمة كبرى والتقارب من روسيا بديهيّات قادرة على قلب الشارع الأميركي وأخذ الولايات المتحدة نحو المجهول. وهي ذرائع قادرة أن تكبر ككرة الثلج اذا ما لم يتدارك ترامب مسألة مفاتيح الحكم وتثبيته. وهنا تبدو مظاهر العجز واضحة على إدارته التي كشفت عن ذلك بعودة العلاقات الروسية الأميركية الى الغموض الشديد بعد ان كانت إدارة اوباما قد قطعت شوطاً هاماً قدمت من خلاله اتفاقاً في المسألة السورية «لم ينفّذ»، لكنه قدّم كطرح جدي، إضافة الى نجاحها بالتأسيس لاتفاق الغرب نووياً مع طهران ضمن الرعاية الروسية نفسها.

السؤال هنا يتمحور حول إمكانية أن تكون هذه الاعتراضات ضمن المؤسسة الحاكمة مؤقتة «لكبح» جماح ترامب الذي كان متوجهاً باندفاعة كبرى نحو روسيا، فتمّت «فرملتها» لما فيه من مصلحة أميركية اولاً من دون تقديم روسيا كحليف او مخلّص لأزمات المنطقة والعالم، بما فيها الارهاب، او أن المسألة حرب جدية بوجه ترامب لإفشال مهمته بوقت مبكر جداً؟

استقالة فلين كشفت هشاشة الإدارة الحالية ووضعت ترامب مجدداً أمام مأزق التبرير المستمر، إضافة للكشف عن فئة تتخوّف من الانضمام لفريقه كالذي جرى بعد رفض «روبرت هاروارد» العرض، الذي رشحه ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي مكان فلين.

بالمقابل لا تبدو وسائل الإعلام أنها ستهادن إدارة ترامب بوقت قريب، فمتابعة ذيول استقالة فلين مستمرة للتصويب على خلفيات ترامب كنشر مجريات التنصت على هاتف السفير الروسي في واشنطن «سيرغي كيسلياك»، حسب «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» والكشف أن مايكل فلين تحدث معه عن إمكانية إلغاء العقوبات الأميركية على روسيا التي فرضتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في 29 كانون الأول الماضي على خلفية تدخّل موسكو في الانتخابات الرئاسية.

ستكون على عاتق ترامب مهمة إبعاد الشبهات عن علاقة أي من عناصر فريقه «المشبوه» مع روسيا لوقت بعيد قبل العودة لإمكانية البحث عن سياق مؤاتٍ للتعاون الرسمي السياسي معها في الشرق الاوسط كأقل تقدير.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى