ماذا تريد أميركا من تدخلها في سورية المساعدة في محاربة الإرهاب أم التمهيد لإرهاب جديد؟

اياد موصللي

قال الرئيس بشار الأسد إنّ الدول التي تتدخل في سورية بحجة محاربة الإرهاب دون موافقة الحكومة السورية يعتبر عملها انتهاكاً للسيادة ومخالفة للقانون الدولي…

فمن استشارت أميركا؟ وممّن استأذنت؟ ومن أعطى الموافقة لجيشها حتى يرسل قوات عسكرية تابعة له الى المناطق الشمالية في سورية بحجة محاربة داعش والإرهاب الذي تقوده.. وهذه المناطق هي تحت سيطرة السوريين جيشاً وشعباً.. أما الهدف المعلن فهو التوجه من الحسكة إلى الرقة لمحاربة داعش..

ومن يعرف جغرافية المنطقة يكتشف انّ وراء الأكمة ما وراءها، فما بين الحسكة والرقة صحراء واسعة وكثبان رمال ومدينة دير الزور وريفها.. فماذا تريد أميركا ولمَ هذا الحماس والاهتمام.. وهل بخمسماية جندي نجتاز هذه المسافات حيث لا قواعد ولا مراكز دعم ومساندة، فلماذا يجري كلّ هذا؟ ولمَ هذا الاهتمام الأميركي؟

الأمر مكشوف والمؤامرة مفضوحة أميركا لا تريد رأس داعش.. وهي تتدخل بعد مرور أكثر من ستة أعوام على المؤامرة التي صنعتها تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد والربيع العربي.. لم تتدخل ضدّ الإرهاب إلا عندما بدأ الإرهاب يلفظ أنفاسه وظهرت سيطرة الدولة بقواها العسكرية والشعبية. تحمّست أميركا وأعلنت مشاركتها في محاربة الإرهاب!!

هذه المناطق التي اختارتها أميركا لتدخلها وتمركز قواتها فيها هي المناطق التي يسكن فيها نسبة كبيرة من الأكراد وإليهم تنتمي قوات سورية الديمقراطية المسيطرة على المنطقة والتي تفوّقت على داعش.. كما انّ هناك وجوداً عشائرياً عربياً واسعاً وكبيراً. فهنالك عشائر الجبور والشعلان والعكيدات والرولَة وعنزة… وهذه العشائر تتواصل وعشائر دير الزور والرقة.. وبينها صلات وقرابة. كما يتواجد في الجزيرة الكثير من الآشوريين والكلدان.. والأرمن والشيشان..

الأكراد في منطقة الجزيرة السورية هم أيضاً قبائل وعشائر وعائلات سورية متجذرة… كما فيها مجموعات كردية نازحة من تركيا… ديار بكر وماردين وغيرها من المناطق التي استولت عليها تركيا واضطهدت سكانها من الأكراد الذين هربوا الى سورية ووجدوا فيها ذراعين مفتوحتين فأقاموا واستقرّوا. في الجزيرة عائلات بارزة كحاجو آغا والباشا ونظام الدين… والكثير من هذه العائلات تسلّمت مراكز هامة في الدولة والجيش. ظهرت بين بعض المجموعات الكردية نزعات انفصالية ونزعات قومية هدفها تجميع الأكراد في وحدات وتنظيمات سياسية وعسكرية لمحاربة تركيا واستعادة البلاد التي طردوا منها.. التنظيمات العسكرية ووجود «قوات سورية الديمقراطية» التي تعمل عسكرياً برزت عندما ظهر الإرهاب في سورية وعبر حدود تركيا ودور تركيا في دعمه وتسليحه مما جعل الأكراد يستشعرون خطراً من هذه الجماعات ككلّ السوريين فانتظموا في مجموعات مسلحة وحاربوا داعش والإرهاب ولم يجد السوريون ما يقلقهم من هذا العمل وامتدّ نشاطهم الى جميع المناطق التي يسكن فيها أكراد في محافظة الرقة حلب إدلب وحاربوا داعش وانتصروا عليها ولم تجد الحكومة السورية في موقفهم هذا خروجاً على الانتماء بل حماية للوطن ودعماً لسلطاته.. أما الدعوات إلى الفيدرالية والكيان الكردي فليس هو بالضرورة رأي وإيمان جميع الأكراد، خطر داعش يشملهم جميعاً، أما الانفصال عن الوطن وإقامة كيان عرقي فيه فهذا مناقض كلياً لتاريخ الأكراد وإيمانهم..

النزول الأميركي في هذه المنطقة وبهذا الوقت بالذات بعد زوال سيطرة داعش وبدء انكفائه خاصة في العراق حيث تتجاور البلدات والحدود وحيث باتت المجموعات الإرهابية محاصرة من الجيش السوري والعشائر السورية والقوى المساندة والأكراد.. حماس أميركا ورغبتها المشاركة في تحرير الرقة هو الأمر المريب الغريب.. فعسكرياً السيطرة قائمة وتامة وتقدم القوات المتواجدة ضدّ الإرهاب تامّ ومطمئن..

أميركا.. ترسل قوات إلى المناطق التي تسيطر فيها «قوات سورية الديمقراطية» الكردية.. ولم ترسل قواتها الى حيث تتواجد تركيا وقوات درع الفرات التي أوجدتها ولم تستأذن الحكومة السورية وتأخذ موافقتها والتنسيق معها.. أمور تستدعي الاستغراب.. وتكشف الغاية والأبعاد..

أميركا تريد ان تكون متواجدة في المنطقة بعد القضاء على داعش وان تدعم بوجودها الفكر الانفصالي لدى فريق من الأكراد وتمنحهم بوجودها قوة من حيث الدعم العسكري وتمدّهم بالسلاح بحيث تنشأ أزمة جديدة في سورية.. فأية تحركات انفصالية في المنطقة ستجابه من الشعب والسلطة.. لا سيما أنّ المناطق التي يسكنها الذين ينادون بالانفصال والفدرالية هي مزيج متداخل شعبياً وسيتمّ تصادم وتسيل دماء وتحدث حرب معقدة انْ لجهة تدخل تركيا عبر حدودها حيث يقترب منها الأكراد وسترفض العشائر العربية هذه التحركات والحركات وكذلك ستفعل معظم الشرائح الشعبية والآشوريون والأرمن حتى الاكراد السوريين..

الموقف الأميركي لمجابهة الإرهاب كلمة حق يُراد منها الباطل..

منذ البداية كانت المؤامرة التي خططت لها «إسرائيل» بالتعاون مع تركيا والسعودية هي تحقيق التجزئة والتقسيم العرقي والطائفي في سورية.

الغريب في كلّ هذا الذي جرى انّ هذه الدول وهؤلاء المتآمرون لم يدرسوا الشعب في سورية ولا تاريخه ولا مواقفه.. التي رفضت في المراحل كلّ محاولات التجزئة والتقسيم العرقي او الطائفي وأثبت السوريون وحدتهم وانّ في الوحدة القومية تضمحلّ العصبيات المتنافرة وتنشأ الوحدة القومية الصحيحة تتكفل بإنهاض الأمة.

لقد شاهد السوريون في تاريخهم كله الكثير من الفتوحات ولكن الأجيال الجديدة آمنت وعملت على إنهاء الفتوحات ووضعت لها حداً..

أميركا بوجودها هذا وتدخلها تريد تحقيق ما فشلت «إسرائيل» وحلفائها بتحقيقه نتيجة وقفة العز التي وقفتها الحكومة السورية والشعب السوري بكامل قواه.. وتغذي حركات العناصر الكردية المنادية بالفدرالية والانفصال.. وهذا أمر يرفضه الشعب بكلّ مكوّناته والسلطة والوضع الإقليمي مما يؤدّي إلى اضطرابات داخلية تعيق الهدوء وانصراف الدولة لإزالة آثار العدوان الإرهابي وما خلفه من تدمير للبنى التحتية والفوقية وآثاره السلبية كلها..

أميركا تريد وتشجع على إقامة كيان كردي تؤدّي المطالبة به والعمل له إلى صدامات وقتال داخلي يفتت وحدة الدولة والشعب وهي بدعة لم يألفها السوريون..

عندما أنشأت فرنسا بعد مؤامرة سايكس بيكو أربع حكومات طائفية في سورية وقسّمت البلاد الى دولتين سنيتين ودولة علوية ودولة درزية هبّ السوريون بوقفة وطنية واحدة ورفضوا هذا المشروع وأجهضوه.. ولن يسمحوا أبداً لأحد بتغيير تاريخهم والمسّ بوحدتهم.

عندما تستوعب الأرض كلّ من عليها ولا ترفض او تميّز بين هؤلاء الذين عاشوا عليها واندمجوا فيها تتكوّن لدينا جماعة من الناس لها خبرة تاريخية مشتركة ورغبة في العيش معاً يجمعها ولاء للدولة القومية، قوميتهم هم، أبناء الوطن والأرض التي يكنّون لها المحبة ويشعرون نحوها باعتزاز الانتماء، يشتركون معاً بالثقافة والترابط الاجتماعي الواحد بمؤسساته الاقتصادية والاجتماعية المشتركة وفي العمل والاندفاع والحماس من أجل سلامة هذه الجماعة ومجدها. انّ خصوصية مجموعة ما من أبناء هذه الأمة لا تعني انعزاليتها وتقوقعها داخل شرنقة عنصرية خاصة داخل كيان الأمة، فإذا كانت العروبة مارس القوميون طقوسها في فترة ما على أساس انها نعرة دموية سلالية ولدت دولة ذات تنظيم عنصري وتضمّ هذه الدولة العنصر النقي الصافي وترفض كلّ ما عداه من العناصر التي عاشت على هذه الأرض التي جاءتها كما سبق وأشرنا بالحرب او الهجرة واندمجت فيها فعندئذ تكون العروبة قد حكمت على نفسها بألا تتوحد وألا تنشأ فيها روابط الحياة الاجتماعية بقدر ما تستيقظ فيها الدعوات والاعتقادات السياسية الممزقة لوحدتها الموقظة للعصبيات المتنافرة كما في أكثر من موقع ومكان.

انّ إيمان كلّ من على هذه الأرض بأنّ القومية هي «ثقة القوم بأنفسهم واعتماد الأمة على نفسها»، وإيمانهم بوحدة مصيرهم هو وحده الكفيل بالقضاء على عوامل الفرقة والتشرذم ويرسخ إيماننا بأنّ كلّ ما فينا من أمتنا ولها حتى الدماء التي تجري في عروقنا متى طلبتها وجدتها.

انّ ظهور العصبيات بين بعض الأكراد مناف تماماً لتاريخهم الوطني والقومي العريق ولا يمكن له ان يكون وليد عوامل محلية بحت. فالاختلافات التي تنشأ في المجتمع الواحد والجماعة الواحدة لا تترك ذيولاً انتقامية عصبية لذلك، ما نراه أمراً غريباً لم نعهده في تاريخ العلاقة بين أبناء الأمة الواحدة هذه الأمة التي يشكل الأكراد في هذا المجتمع الكبير جزءاً أساسياً منها تعطينا صورة واضحة عن المكانة التي احتلها الأكراد في هذا الوطن وكيف ساهموا في صنع تاريخه المجيد، فهم في صلب تكوين هذه الأمة. أمة أبت أن يكون قبر التاريخ مكاناً لها في الحياة….

انّ الأكراد بفعل انتمائهم القومي شخصية فاعلة في مجتمعها ومصدر غنى وقوة واعتزاز، وكما أغنى صلاح الدين الأيوبي تاريخنا بمواقف العز تنتظر ان يغني أكراد اليوم التاريخ كما بالأمس واليوم وغداً.

انّ الممارسات الخاطئة لا يمكن ان تبني وطناً ولا مجتمعاً قوياً متماسكاً. اننا نربأ بالأكراد ان يكونوا «جوكر» الأحداث التي تباغت أمتنا بين الحين والحين فيتحرك بعضهم كلما رأى الأجنبي انّ له مصلحة في استخدام الورقة الكردية فيكثر من الحديث عن حقوق الإنسان وحرية تقرير المصير والفدرالية الكردية، الأمر الذي انْ صحّ ان تُطالَب به تركيا أو إيران فلا يصحّ اطلاقاً تعميمه على أكراد سورية والعراق.

فحقوق الإنسان إذا طالب بها كردي سوري فهو نفس ما يطالب به السوري واللبناني والعراقي عموماً، وهو مطلب وطني.

ولا نريد تدخلاً أجنبياً يعيد اليوم تاريخ الأمس، ولا نزال نذكر معاهدة «سيفر» عام 1920 يوم وعد الحلفاء الأكراد بوطن في كردستان العليا عندما كانت مصلحة الحلفاء في الحرب ضدّ العثمانيين تستدعي اجتذاب الأكراد لمحاربتها.

وعندما قضت مصلحة الانكليز باستمالة مصطفى كمال «اتاتورك» واسترضائه ألغت معاهدة «لوزان» 1923 ذلك الوعد ولم تشترط تلك المعاهدة ايّ معاملة مميّزة للأكراد بل تحدثت عن احترام الحريات لكلّ الأقليات….

واذا كانت معاهدة لوزان قد اعتبرت الأكراد من الأقليات فنحن والأكراد لا نعتبرهم ولا يعتبرون أنفسهم كذلك. فهم أكثرية انْ لم يكن عدداً فنوعية سياسية، ثقافية اجتماعية يملكون في أمتهم إرثاً حضارياً لأكثر الحضارات إشعاعاً للإنسانية كلها.

ولا نريد ان يحدث اليوم ما حدث بالأمس ويتصرف بعض المنحرفين تصرفاً يضرّ بهذه الأمة إرضاء لأجنبي على حساب وحدة الأرض والشعب.

الدعم الأميركي لمحاربة الإرهاب في سورية كلمة حق أُريدَ منها باطل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى