لغو بيان قمة الميت.. تطبيق النقيض

معن حمية

الذين تولّوا صياغة البيان الختامي لقمة البحر الميت «العربية»، حرصوا أن يكون للمسألة الفلسطينية الحيّز الأكبر من المساحة قياساً على الفقرات الأخرى، لكن ما هو لافت أنّ المساحة الفلسطينية في البيان، جاءت لتكرّس مساحة فلسطين فقط على أقلّ من حدود 1967، وهذا الموقف لا يتعارض إطلاقاً مع السياسات الأميركية ـ الغربية، التي ترى أنّ الاعتراف بوجود «إسرائيل» ولو على جزء من أرض فلسطين، يُعتبر تسليماً بإعطاء كلّ فلسطين الى اليهود!

القمة العربية في بيانها الختامي تقول إنها مع فلسطين والقدس، لكنها تتجاهل عن سبق إصرار وتصميم تقرير لجنة غرب آسيا في الأمم المتحدة الاسكوا الذي لم يمرّ عليه الزمن بعد، وهو تقرير يقدّم أدلة وحقائق حول أنّ «إسرائيل» تمارس التمييز والفصل العنصري، بما يُعيد التذكير بالقرار الأممي 3379 الذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية.

لذا، فإنّ كلّ المساحة الفلسطينية في بيان القمة، هي فقط لترسيخ «ثوابت» عربية حاسمة وقاطعة تؤدّي في نهاية المطاف إلى دور ما في تصفية المسألة الفلسطينية، باسم السلام والمبادرات والتطبيع وصكوك الإذعان…

وإذا كان هذا موقف قمة البحر الميت حيال فلسطين، فماذا عن القضايا الأخرى، وإلامَ ترمي الفقرة القائلة: «العمل على إيجاد استراتيجية شاملة متعدّدة الأبعاد لمكافحة الإرهاب تتضمّن الأبعاد السياسية والاجتماعية والقانونية والثقافية والإعلامية وغيرها»؟ علماً أنّ الفقرة الآنفة الذكر جاءت ربطاً بالتأكيد على أنّ الحلول العسكرية والأمنية وحدها لا تهزم الإرهاب!

ما أراد العرب قوله في بيان قمتهم، إن لا هزيمة للإرهاب قبل «إيجاد استراتيجية شاملة»، فمتى يجد العرب هذه «الاستراتيجية»، وهل بعضهم يرغب في إيجاد استراتيجية كهذه؟

إنّ معظم الذين وفدوا إلى البحر الميت هم في مكان آخر، وعلى الضفة الأخرى، يعرفهم الناس من سياساتهم ومن وسائل إعلامهم، فهناك «قادة» عرب لا يريدون حلاً سياسياً في سورية ينطلق من إرادة السوريين أنفسهم، بل يريدون إسقاط الدولة السورية الكاملة، لإقامة دويلة ناقصة على شاكلة أنصاف الدول التي يحكمونها…

ويبقى السؤال، كيف يمكن «لقادة» عرب نافذين في جامعة الدول العربية، أن يشاركوا في البحث عن استراتيجية لمكافحة الإرهاب، وهم شركاء في تأسيس هذا الإرهاب واحتضانه ودعمه وتمويله ونشره؟

ومَنْ يصدّق بيانات هؤلا «القادة» العرب عن محاربة الإرهاب، وهم بمعظمهم مسؤولون مباشرة عن فضائيات ووسائل إعلام تدعم الإرهاب في وضح النهار وتسمّي «داعش» باسم «الدولة الإسلامية»!

ما هو مؤكّد أنّ فقرة «العمل على إيجاد استراتيجية شاملة» لهزيمة الإرهاب، هي أهمّ ما في البيان، لأنّ الذين يدعون إلى مثل هذا العمل، سيعملون عكسه تماماً، فهم سيواصلون دعم الإرهاب وتمويله، لأنّ وظيفة الإرهاب لم تنته بعد.

لن يتأخر بعض العرب في إعلان تنصّلهم من البحث عن «استراتيجية شاملة»، وسيبرّرون ذلك بعدم القدرة على الاتفاق بينهم، وهذا صحيح، لأنّ لكلّ دولة عربية ترعى الإرهاب، ارتباطاتها وأولوياتها وأسيادها!

هو تبرير أقبح من الذنوب والجرائم، تماماً كما هو تبرير بعض الرؤساء الخمسة اللبنانيين لمذكرتهم «الإجرامية».

عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى