ما بين موسكو وواشنطن تفاهم كبير؟

ناصر قنديل

– مَن يعرف الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال الشهور التي مضت، بين ترشيحه وحتى اليوم، يستطيع القول إن الثبات على المواقف هو سمة من سمات الخطاب الرئاسي الأميركي الجديد، لكن يمكن استخلاص عقد يصعب التهاون في العبث معها بتغيير المواقف، كحال العلاقة بروسيا، التي شكلت نقطة ضعف المهابة الرئاسية بفعل الحملات المنظمة المدعّمة بالتحقيقات التي نظّمها خصومه، ولذلك يسهل تفسير سماع ترامب يتحدّث بقسوة وسلبية عن العلاقة مع روسيا، كحملة علاقات عامة للردّ على خصومه، بينما لا يمكن النظر لكلام إيجابي يقوله بحق العلاقة والتعاون مع روسيا إلا بجدية كعلامة على تحوّل يعبر عن حدوث شيء بين موسكو واشنطن، واستعداد لتحمّل كلفة التمهيد له، مترسملاً بالذي فعله وقاله في إطار التصعيد وإثبات القدرة على الخصومة.

– مَن يعرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكيف تعامل مع التهديدات التي أطلقها خصومه بوجهه لتغيير موقفه من سورية، وكيف أدار ظهره لواشنطن وأنقرة وباريس ولندن والرياض مراراً، ولفترات طويلة ترك الوقائع فيها تتحدّث عن صلابة موقفه، وتحمّل تبعات حرب أوكرانيا وحرب أسعار النفط والغاز. وكذلك مَن رأى ردة فعل الرئيس الروسي على الضربة الأميركية وذهابه لإيقاف التعاون مع واشنطن، وإعلانه فتح المستودعات لتزويد الجيش السوري بما يلزم للتصدّي لأي عدوان مقبل مشابه، وتفاهمه مع إيران وحلفاء سورية في المقاومة على الذهاب لجولة مواجهة طويلة تفرض وقائعها في الميدان على الأميركيين قبل سواهم، يستطيع الاستنتاج باستحالة تراجع الرئيس بوتين عن رفض استقبال وزير الخارجية الأميركية، بإخراج دبلوماسي، فكيف وقد أعقب الاستقبال إعلان عن لسان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، أن التفاهم قد تمّ مع الأميركيين على عدم تكرار الضربة العسكرية لسورية، كما التفاهم على تحقيق تقوم به منظمة حظر السلاح الكيميائي يشارك فيه خبراء روس وأميركيون، في حادثة خان شيخون ويضع كل طرف ما لديه من معلومات وإثباتات بتصرّف المحققين، ثم الإعلان الروسي فالأميركي عن عودة العمل بمعاهدة السلامة الجوية في سورية بين القوات الأميركية والروسية، ثم الكلام الرئاسي الأميركي عن ثقة بأن العلاقة مع موسكو ستكون على ما يرام، وتبرؤ من الدعوات لرحيل الرئيس السوري، والقول إن واشنطن لا ترى رحيله شرطاً للحل والسلام في سورية.

– ثمة شيء ما كبير قد حدث بين موسكو وواشنطن، تحكمه معادلتان، الأولى اليقين الأميركي بمحدودية فعل الضربة وعجز نظرية الصدم والترويع عن تغيير معادلات سورية العسكرية والشعبية والسياسية، والثانية القلق الأميركي من التورط بتصعيد تنتهجه روسيا ويفرض سياقاً يصعب التراجع عنه، سواء بنوعية السلاح الذي سيصل لسورية أو بنوعية العمل الميداني المدعوم روسياً، والتعطيل الذي سيصيب الحرب على داعش التي تحتاجها أميركا قريباً وسريعاً بغياب التنسيق الجوي مع روسيا، لكن هذا الشيء الكبير توضحه تصريحات أميركية وصينية عن كوريا الشمالية، بدلاً من التصريحات الأميركية والروسية عن سورية، فالرئيس الأميركي يرغب بشدة أن يضع في سجله النجاح بنزع السلاح النووي لكوريا الشمالية، ويعلم باستحالة ذلك عسكرياً، ويعلم أن الطريق لذلك هو حصول كوريا الشمالية على الأمن والنمو، وبضمان حليفيها الروسي والصيني، وما يستدعيه من إطار دولي شبيه بإطار الخمسة زائداً واحداً الذي أنتج التفاهم على الملف النووي الإيراني، بصيغة ثلاثة زائداً واحداً تضم أميركا وروسيا والصين ومعهم اليابان للتفاوض مع كوريا الشمالية.

– نظام عالمي جديد في طريق التشكل بثلاثي صيني روسي أميركي لا مكان فيه لبريطانيا وفرنسا، وشريك إقليمي قويّ هو إيران على حساب الثلاثي التركي السعودي «الإسرائيلي»، وضمناً تفاهم على مستقبل السلاح الكيميائي والنووي «الإسرائيليين» ضمن تحريك لمشروع التسوية على مسارات التفاوض. ويبدو التفاهم على سورية بدفتر شروط روسيا، كما تقول تصريحات ترامب من جهة وسرعة فكفكة الحظر الروسي على واشنطن من جهة أخرى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى