ائتلاف المصارف والناتو والسعودية و«إسرائيل» يصنع «الربيع الفرنسي» بـ«ماكرون» سلمان يحصل على مقايضة مع واشنطن بإزاحة بن نايف مقابل وقف حرب اليمن

كتب المحرر السياسي

بدا أنّ كلّ شيء قد تمّ إعداده بعناية كي لا تسقط الثمرة الفرنسية الناضجة في حضن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكي لا ينفرط عقد الناتو من درّة تاجه فرنسا، وكي لا يتشظى الاتحاد الأوروبي لأنّ خروج فرنسا يعني توقف القلب وليس فقدان طرف جغرافي كحال بريطانيا، ولأنّ تغيير موقع فرنسا وتحالفاتها في الشرق الأوسط خارج الثلاثي السعودي «الإسرائيلي» التركي، وتنظيفها من امتدادات هذا الثلاثي المتمثل بمشايخ الوهابية وجمعيات الإخوان المسلمين التي أعلن فرنسوا فيون عزمه على بدء مهامه الرئاسية بها في حال فوزه، وكذلك فعلت مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان ومرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلنشون، الذين لا يجمعهم في البرامج الداخلية الفرنسية شيء، لكنّهم يجمعون حسب نتائج الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية أكثر من 60 من الناخبين، الذي سيفتّتهم وقوف مارين لوبان بوجه امانويل ماكرون في الدورة الرئاسية الثانية.

فوز ماكرون ومارين لوبان يعني عملياً فوز ماكرون في الدورة الثانية، بينما فوز فيون أو ميلنشون بوجه ماكرون كان يعني خسارة ماكرون، ومَن هو ماكرون وبأيّ سحر تمكّن من تأسيس حزب خلال سنة والتحوّل إلى مرشح يكتسح الانتخابات، وهو الآتي من العتمة بلا مقدّمات وبلا تاريخ، سوى عمله لمؤسسة روتشيلد المالية وتعيينه موظفاً في الرئاسة الفرنسية في عهد الرئيس فرنسوا هولاند قبل ترقيته لرتبة وزير اقتصاد كتمهيد لترشيحه للرئاسة.

كلّ ما في سيرة ماكرون ألغاز ومفاجآت، كتخلّي الرئيس الفرنسي عن مرشح حزبه لتبني ترشيح الموظف المدافع عن المصارف والمتباهي بالتحدّث بالإنكليزية بطلاقة امانويل ماكرون المتمسك بالناتو وبالعداء لروسيا، وبالعلاقة المتينة مع السعودية و»إسرائيل». كلها عناوين لا تجلب الشعبية لمرشح رئاسي، بقدر ما وفرت الفرص حملة الملفات القضائية ضدّ المرشح المخضرم فيون، وحملة استطلاعات الرأي التي سوّقته وقالت عبر حملات إعلامية مكثفة للوسائل العملاقة في أوروبا والعالم، التي تدير معظمها «إسرائيل» وتموّلها السعودية، إنّ أفضل الفرص لهزيمة لوبان هو عدم توزيع أصوات اليسار والوسط بالتصويت لمرشحين لا أمل لهم بمنافستها كفيون وميلنشون، بينما جاء الفارق فعلياً بين كلّ من ميلنشون وفيون 2 فقط، لو نالها أحدهما لدق باب الأليزية وتهاوت معه ممالك الناتو والأحلام السعودية و»الإسرائيلية» والتركية، وأولاً وأخيراً الحسابات السياسية الأميركية والحسابات المالية والاقتصادية الألمانية.

ألغاز ماكرون لا يشبهها إلا انتصار ثورات «الربيع العربي»، وحياد الجيوش فيها، وسرعة استجابة الحكام لمطالب المتظاهرين، وبعض مناصريه لم ينتبهوا أنهم يضعون يدهم على الحقيقة عندما قالوا إنه نقل الربيع العربي إلى فرنسا، فالجيل المعولم الذي يتحدث الإنكليزية ويستمع لموسيقى الروك سئم من الخطاب الفرنسي القومي ولاقاهم ماكرون بخطاب أعلن فيه حرب الوطنية المعولمة بوجه القومية.

بالتوازي مع خوض معركة فرنسا والفوز بها، بتعاون سياسي استخباري أميركي مع المال السعودي بدأت تتوضح معالم صفقة سعودية أميركية أخرى رافقت زيارة وزير الدفاع الأميركي إلى الرياض، بعدما ظهرت للعلن التشكيلات والقرارات التي اتخذها الملك سلمان بن عبد العزيز، وأظهرت إمساكه بسفارة الرياض في واشنطن، ومجلس لإدارة الأمن يُقصي ولي العهد محمد بن نايف ويهمّش دوره بربط الأمن بديوان الملك، مع تغييرات عسكرية وتعيينات وعودة مكافآت الأمراء وعطاءات كبار الموظفين وتعويضات مضاعفة لجنود وضباط الجيش السعودي في اليمن وعلى الحدود، كرشوات تمرير قرارين كبيرين يبدوان متقابلين في الصفقة الأميركية السعودية، إقصاء محمد بن نايف مقابل وقف حرب اليمن بتسوية تنضجها واشنطن عبر مجلس الأمن، فيما بدا كتمهيد لتولي ولي ولي العهد العرش بتنازل مبكر من والده الذي ربط به مستقبل العلاقة بالرئيس الأميركي وعيّن له أخاً شقيقاً سفيراً هناك.

لبنانياً رغم العدّ التنازلي لمهلة الشهر بين جلستي مجلس النواب المؤجلة والمقبلة للتمديد لولايته، لا يبدو أنّ ثمة نتاجاً جدياً على طريق ولادة قانون جديد، فيما تتساقط المشاريع الجديدة، فمجرد إعلان رئيس المجلس النيابي نيته التقدّم بمشروع وفقاً للنسبية الشاملة ضمن ست دوائر، تسارعت عجلة النشاط لدى كتلتي الحزب التقدمي الاشتراكي، التي عرضت مشروعها المختلط، والمستقبل التي وعدت بمشروع يُعلَن قريباً.

الملف الأمني اللبناني يبدو متسارعاً مع تطوّرات الميدان السوري، حيث تتساقط مواقع جبهة النصرة وداعش أمام الجيش السوري وحلفائه في ريفي حماة وإدلب، وتبدو معركة القلمون قريبة جداً ما يستعدّ الجيش اللبناني لملاقاته باستعدادات لحسم موازٍ والحؤول دون نزوح المسلحين نحو الأراضي اللبنانية، بانتظار قرار سياسي كبير يمنح الجيش الغطاء اللازم للتنسيق مع الجيش السوري بمستوى أعلى من مجرد تبادل المعلومات.

عملية استباقية للجيش تمهّد لقرار أكبر

في الوقت الذي تخوض القوى السياسية معركة مشاريع قوانين الانتخاب وسباق مع المهلة الدستورية التي تنتهي بـ 15 الشهر المقبل موعد الجلسة النيابية التي حدّدها الرئيس نبيه بري للتمديد للمجلس الحالي، كان الجيش اللبناني ينفّذ عملية نوعية استباقية في عرسال، تمهّد لقرار أكبر اتخذ على مستوى قيادة الجيش، بحسب ما علمت «البناء» بالحسم على الجبهة العرسالية وتطهير الجرود من المسلحين، وقد نفذت مجموعة من الضباط الميدانيين في الجيش منذ أيام جولة استطلاعية في منطقة عرسال وجرودها لدراسة الخريطة الميدانية للمنطقة ووضع خطة لعملية عسكرية للإطباق على مسلحي داعش بالتنسيق مع الجيش السوري. وقد أنهت الخطة بانتظار القرار بالتنفيذ لإنهاء البؤرة الأمنية الوحيدة على الأراضي اللبنانية، وقد تكون الساعة الصفر هي تحرّك قوات الجيش السوري باتجاه تنظيف الأراضي السورية في منطقة القلمون المحاذية للحدود اللبنانية، وقالت مصادر عرسالية لـ«لبناء» إن «مدينة عرسال باتت بيئة حاضنة للجيش والقوى الأمنية اللبنانية بعد أن تبين أنها المتضررة الأولى من الوجود الداعشي في جرودها ومخيماتها وقدمت في الآونة الأخيرة شتى أنواع التعاون والمساعدة للجيش ساهمت في نجاح عمليات الجيش الأخيرة في المنطقة من دون وقوع إصابات في صفوفه». وأسفرت عملية السبت الماضي في منطقة وادي الحصن، بحسب بيان قيادة الجيش عن مقتل ما يُسمّى الأمير الشرعي لداعش السوري علاء الحلبي الملقب بـ «المليص»، وهو من بلدة قارة السورية، وأحد الإرهابيين الذين أفتوا بإعدام العسكريين اللبنانيين، كما أمر بذبح الرقيب في المعلومات في عرسال خالد زهرمان، بحسب معلومات «البناء»، فضلاً عن توقيف العديد من المطلوبين الإرهابيين من بينهم سوريون احمد ميمان، مجد السحلي، فوزي السحلي وعبد الله حسيان . وإذ ستفرض التطورات الميدانية الأخيرة في سورية نفسها على الواقع العسكري في جبهة عرسال لا سيما بعد إنهاء الوجود المسلح في منطقتي الزبداني ومضايا، تشير مصادر عسكرية مطلعة لـ«البناء» أن «داعش بات محاصراً في منطقة بين لبنان وسورية والساعة قد دنت لاستكمال الجيش السوري تقدّمه باتجاه ما تبقى من تواجد لداعش على أراضيه، لأن ذلك بات ضرورياً لأسباب عدة أهمها، القرار الدولي لمكافحة داعش في العراق وسورية وثانياً إنهاء وظيفة داعش في تلك المنطقة التي تمثلت بإمداد المسلحين في القلمون وضواحي دمشق بالسلاح والمقاتلين والعتاد، وثالثاً دنو معركة الجنوب المحاذية للحدود العراقية الأردنية والممتدة من درعا الى القنيطرة والسويداء ولا يمكن فتحها قبل تأمين ظهر القوات السورية من ناحية القلمون، لذلك أنهى الجيش السوري معركة الزبداني ومضايا بتسوية بعد حصار طويل أدى الى انسحاب المسلحين وأكملها الجيش اللبناني بعملية عرسال الدقيقة والتي نفذتها قوات خاصة اعتقلت من خلالها عشرة من مقاتلي التنظيم لهم دور كبير في العمل الأمني في الداخل». وتعتبر المصادر أن «المسلحين في جرود عرسال محصّنين وسيتدفّق المزيد منهم من سورية مع فتح الجيش السوري معركة القلمون وبالتالي المعركة لن تكون سهلة في ظلّ تضاريس المنطقة الوعرة والصعبة، لكن التنسيق بين الجيش اللبناني وحزب الله في الجانب الغربي مع الجيش السوري الممسك بزمام الميدان في الجانب الشرقي، يسمح بحسم المعركة بفترة قصيرة لا سيما أن عملية الجيش أمس الأول قصمت ظهر التنظيم وقضت على الرؤوس الأساسية فيه». لكن هل ستمنح الحكومة اللبنانية هذه المرّة الغطاء السياسي للجيش لحسم الأمر؟ وهل تتنصّل من المسؤولية كما فعلت حكومتا الرئيسين نجيب ميقاتي وتمام سلام في ظل خطاب القَسَم والبيان الوزاري للحكومة الحالية اللذين ينصان بشكل واضح على مواجهة الإرهاب استباقياً وردعياً؟ وهل يستطيع تيار المستقبل وضع حاجز طائفي بوجه تقدّم الجيش مع وجود رئيسه سعد الحريري في رئاسة الحكومة؟ وكانت وحدة من الجيش اللبناني وقوة من المخابرات دهمت منزل الإرهابي المدعو وائل ديب الفليطي في وادي الحصن واعتقلته مع شقيقه حسين والمطلوب أمين محمد حميد والمعتقلون مطلوبون للدولة لقيامهم بأعمال تهريب أسلحة ودعم للجماعات الإرهابية. وأكد مصدر رفيع لـ«البناء» أن «الفليطي أصيب ولم يُقتل، وهو في قبضة الجيش اللبناني وهو يشكل كنزاً من المعلومات». وكان قائد الجيش العماد جوزف عون نوّه بـ«العملية النوعية»، معتبراً أنها «تثبت مرّة أخرى، أنّ لا ملاذ آمناً للإرهابيين في أيّ منطقة لبنانية، وأن عيون الجيش قادرة على رصد أيّ وجود أو نشاط إرهابي والتصدّي له بصورة فورية». وأكد خلال تفقّده ثكنة فوج المغاوير في روميه، أنّ الوضع الأمني في البلاد تحت السيطرة الكاملة للجيش، وأنّ أي إخلالٍ بمسيرة الأمن والاستقرار سيواجه بقوّة وحزم.

سقوط المشاريع في الوقت الضائع

وفي حين تسقط مشاريع القوانين الواحد تلو الآخر وتولد مشاريع أخرى في الوقت الضائع، كان آخرها مشروع قدّمه الحزب التقدمي الاشتراكي أمس الأول، من المتوقع أن يكشف الرئيس بري عن مشروعه الجديد يعتمد النسبية الكاملة وفق ست دوائر، على أن تنكبّ الأطراف منذ اليوم على دراسة الصيغة الجنبلاطية الجديدة والتي من المرجّح أن تلاقي مصير صيغة رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل التأهيلية التي يُصرّ «التيار» على إبقائها على قيد الحياة، وبالتالي إما الاتفاق على النسبية الكاملة مع تعديل في الدوائر وإما العودة الى انتخابات على أساس قانون الستين، كما ألمح البطريرك مار بشارة بطرس الراعي أمس، حيث قال إنه «ليس عيباً الإقرار بالفشل إذا لم يتمّ التوصّل لقانون جديد للانتخابات والذهاب الى انتخابات وفق القانون الساري مع ما يلزم من تمديد تقني للمجلس النيابي الحالي».

وأعلن النائب غازي العريضي في مؤتمر صحافي عن الصيغة الاشتراكية الذي أوضح أنها عبارة عن صيغة قانون مختلط على أساس أكثري لـ 26 دائرة و64 مقعداً وأساس نسبي لـ 11 دائرة و64 مقعداً. وفي زحمة المشاريع الانتخاببة، صرّح عضو كتلة المستقبل المقرّب من الرئيس الحريري عقاب صقر بأن «الحريري سيعلن قبل 15 أيار عن مشروع قانون انتخابي سيشكّل مخرجاً للازمة». وعلمت «البناء» أن «مروحة من اللقاءات والاتصالات تجري بعيداً عن الأضواء تشمل الأطراف كافة لمحاولة إيجاد مخرج مشترك قبل استنفاد المهل.

ورأت مصادر نيابية في كلام الراعي إخراجاً مناسباً للمسيحيين الذين رفعوا سقف المواجهة قبل الجلسة الماضية بوجه التمديد للمجلس، موضحة لـ«البناء» أن «جميع الصيغ حتى الآن لا تؤمن المصلحة الوطنية بل مصالح من طرحها، وبالتالي الأمل بإنتاج قانون جديد يتضاءل إلا في حال موافقة الجميع على النسبية الكاملة. وهناك نقاش يدور الآن بين المستقبل وحزب الله على تصغير الدوائر بدلاً من دائرة واحدة ليصبح مقبولاً لدى التيار الوطني الحر والنائب وليد جنبلاط». ورجّحت المصادر أن يجري الاتفاق على الخطوط العريضة للقانون ويُصار الى توافق الجميع على التمديد التقني للمجلس حتى تشرين المقبل لتحويل هذه الخطوط المكتوبة الى مواد قانونية تطبيقية وإجراء الانتخابات في تشرين على قانون جديد. وإذا لم يحصل اتفاق، فإما خيار التمديد لسنة واحدة وإما تمديد لثلاثة أشهر تليه انتخابات على الستين بعد توقيع رئيس الجمهورية مرسوم دعوة الهيئات الناخبة».

وفي ما وصف عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق، عدم إقرار قانون جديد قبل نهاية المهل القانونية بـ»الكارثة»، أكد «أن حزب الله قدّم تنازلات من أجل فتح باب التوافق على قانون جديد للانتخابات، وهو ليس طرفاً في التعقيدات والتجاذبات الدائرة حول هذا القانون، وإنما المتضرّرون من تصحيح التمثيل الانتخابي هم العقدة، وهم الذين يُخفون ما يُضمرون، ولا يزالون يمارسون المراوغة والمناورات السياسية». واعتبر خلال احتفال تأبيني، «أن الذين لم يتّخذوا قراراً مسؤولاً ووطنياً بتقديم تنازلات لأجل إنقاذ البلد، إنما يرتكبون خطيئة وطنية بحق وطننا لبنان».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى