قالت له

قالت له

قالت له كيف يلعب الزمان والمكان بمشاعرنا فإن اقتربنا كثيراً حتى التلازم في المكان والزمان، بدأت مشاكلنا وتوتراتنا وخلافاتنا تستهلك مواقيتنا وأعصابنا وتأكل مشاعر الودّ والحب التي تجمعنا، وإن ابتعدنا في الزمان أو المكان أو كليهما شعرنا بالفقد والنقص والضعف والحاجة وصار الشوق ناراً تكوي بين الضلوع فهل هذا هو الحب؟

قال لها الشوق من مكونات الحب قبل الغيرة، إذا قبلنا القول إنهما علامتان ملازمتان للحب، فواحدة منهما تقوّيه بقوتها وثانية تضعفه وتنهشه كلما قويت. فكلما زاد الشوق تجذّر الحب، وكلما قويت الغيرة تهالك وأصيبت مهابته وقدسيته واستهلكته العبارات القاسية وانتُهكت محرمات ما بين الحبيبين، والشوق والغيرة متلازمتا الحب بتوازن يشبه الحاجة لتوازن القرب والبُعد في الزمان والمكان. وهما معيار القرب والبعد، فعندما تطغى الغيرة على الشوق يكون الحب في أزمة، لكن عندما يطغى الشوق على الغيرة يكون الحب في نعمة، وغالباً ما يكون في البُعد شوق وفي القرب غيرة.

فقالت وهل وجد العشاق وصفتهم لتوازن المكان والزمان أم وجدوا وصفتهم لتوازن الغيرة والشوق، أم لا زال الناس يعيدون ما فعله أجدادهم، فيبدأون من حيث بدأوا من دون مراكمة للخبرة والمعارف لمرضى القلوب الذي يستهلك أعصابهم ويُضني أفئدتهم ويشكّل عذابهم اللذيذ الذي تشحب الدنيا من دون نوره والدفء الذي يشعّ به عليهم.

قال الفراشة تبدو أشد ذكاءً ومراكمة للخبرة الجينية عن أجدادها من البشر، فإن صوّرنا الحب كالنار والحياة كالبرد القارس، ونظرنا إلى الفراشة التي تقترب من نار الضوء يشعّ عليها حتى تصل بقعة نور وبضعة دفء فتبتعد، وكلما ابتعدت وشعرت بالعتمة والبرد تعود وتبقى هكذا في دوران متوازن حول نور الضوء وناره فلا برد ولا عتمة ولا احتراق ولا عمى بالانبهار.

قالت ووصفتك السحرية أيّها الفيلسوف في شؤون العشق والحب؟

قال لها وصفتي هي أن يعيش العشاق الحبّ بحلوه ومرّه وخيباته ورجاءاته وآلامه وآماله، فهو كل هذا الخليط العجيب الغريب الذي يفقد الجمال فيه حلاوته ما لم يتطعّم بالمرارة ويسقط طيف روعته ما لم يتغمّس بعذابات الانتظارات ومرارات الغيرة.

قالت إذن أنت ترانا في قلب الحب العظيم كما تراه؟

فقال وأرى قسوتك لحناً منفرداً على الطبول وحلاوتك عزف سيمفونية الملائكة، ولكل منهما وظيفة في موسيقانا.

فقالت أعجبني تذكيرك بقرع الطبول وأضحكني.

فقال أعجبني أنك تستشعرين إيقاع طبول الحرب فيها.

فقالت ولا أريد معك حرباً بل حباً.

فقال هاكِ الناي فاعزفيني!

إنها شفاهي تنتظر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى