فضل الله لـ «البناء»: يجب الاهتمام من الآن بالسياسات العامة الوطنية النفطية حتى لا نقع في «لعنة الموارد» ونبدّد ثروتنا من دون تحقيق النتائج المرجوّة

حاورته إنعام خرّوبي

مواكبة للتطورات المتعلقة بالقطاع النفطي اللبناني، وبهدف التعمُّق في نقاش هذا الملف الحيوي، ينظم المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عند التاسعة من صباح اليوم الإثنين مؤتمراً بعنوان: «الصناعة البترولية في لبنان ـ أوراق عمل في السياسات العامة» في فندق الريفييرا ـ بيروت.

وأشار رئيس المركز الدكتور عبد الحليم فضل الله في حديث لـ«البناء» إلى «أنّ هذا المؤتمر هو محاولة لتكوين الخبرة والمعرفة وتوسيع دائرة النقاش لتشمل الجميع من السياسيين والخبراء والمعنيّين باتخاذ القرار».

ولفت إلى أنّ المؤتمر سيركز على أربع قضايا لم يتمّ التطرّق إليها أو لم يتمّ بحثها بالشكل الكافي وهي: السياسات العامة وموضوع الصندوق السيادي والشركة الوطنية والموارد البشرية وقطاع التعليم وعلاقتهما بقطاع النفط وكيفية تكييف قطاع التعليم مع احتياجات الصناعة البترولية، لافتاً إلى «أنّ المشاركين هم من مشارب واتجاهات متعدّدة بل متناقضة».

وإذ استبعد وجود ضغوط خارجية لمنع لبنان من استخراج ثروته النفطية، قال فضل الله: «لا نعفي الخارج من محاولة الهيمنة على هذه الثروة وربطها بالمنظومة العالمية المُسيطرة»، مشدّداً على «أنّ العقبة الأساسية هي سياسية داخلية».

وخلص فضل الله إلى أنّ السياسات العامة يجب أن تكون المنطلق والبداية، وقال: «نحن الآن في مرحلة تأسيس وبناء جينات هذا القطاع، وأيّ خطأ سيرتدّ سلباً علينا في المستقبل، لذلك علينا أن نفكر ملياً وأن نأخذ وقتاً كافياً للنقاش قبل اتخاذ القرارات، فتأخير اتخاذ قرار معيّن فترة زمنية معينة من أجل زيادة جودة هذا القرار وتحسين قوة هذا المرسوم وتوازنه أفضل من اتخاذه على عجل ودفع الثمن في المستقبل».

وفي ما يلي وقائع الحوار:

بداية تعريف مختصر بالمركز الاستشاري للدراسات والتوثيق؟

ـ المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق هو مركز يهتمّ، بصورة أساسية، ببحث قضايا السياسات العامة وإعداد أوراق دراسات علمية حولها الهدف منها ليس فقط تكوين معرفة أو إضافة معرفة إلى المعارف الموجودة حول القضايا المطروحة وإنما أن تكون مدخلاً لعملية تطويرية لاتخاذ القرار في لبنان. هذه المهمّة يقوم بها المركز الاستشاري منذ تأسيسه، خصوصاً أنه على صلة بالكتل السياسية في البرلمان اللبناني، وتحديداً كتلة الوفاء للمقاومة التي يزوّدها بالدراسات والأبحاث، كما أنّ المركز على صلة بالمهتمّين الآخرين باتخاذ القرار، على المستوى الداخلي الاقتصادي والاجتماعي والمالي، وأيضاً على الصعيد الإحصائي كونه يعمل في مجال الإحصاءات. وعلى صعيد القوانين، فإنّ جزءاً أساسياً من عمل المركز هو مراجعة ودراسة وإعادة دراسة القوانين لتطوير النظرة إليها وتحسينها، بالإضافة إلى القضايا الأخرى المهمّة في البلاد.

نساهم في بلورة القرار السياسي

وهل هناك تجاوب مع ما تطرحونه أو تأثير ما على صنّاع القرار؟

ـ بما أننا على صلة بقوة سياسية كبيرة ووازنة في البلد، فإنّ ذلك يفتح لنا المجال لإيصال وجهات نظرنا البحثية إلى متخذي القرار. هناك مستويان لاتخاذ القرار، مستوى موضوعي علمي ومستوى سياسي. على المستوى السياسي غالباً ما تضيع المعرفة، لكن رغم ذلك كان لنا حضور وتأثير في كثير من القضايا وساهمنا في تطوير قوانين وبرامج. على سبيل المثال، في الموضوع الضريبي كان لنا رأي ناقشناه وساهمنا بتطوير مقاربة للموضوع الضريبي وهي الانتقال من الضريبة الغير عادلة إلى الضريبة الأكثر عدالة أو الأقلّ لاعدالة. وفي ما يخصّ مؤسّسة «أليسار» فقد ساهمنا في تحويلها من شركة عقارية إلى مؤسّسة عامة وإنْ كانت لم تستمرّ، وبدورها، الشركة العقارية لم تستمرّ. أما على صعيد قانون الانتخاب فلنا مساهمة كبيرة جداً ونحن نعمل بشكل مكثّف على هذا الموضوع وساهمنا في بلورة فكرة في البلد وهي أهمية النظام النسبي الذي لم يكن مطروحاً لكننا في المركز طرحناه في أواسط التسعينات وأقنعنا به قيادة حزب الله وكتلة الوفاء للمقاومة التي نرتبط بها فتبنتاه في تلك الفترة، وقد تطورت الفكرة واليوم أصبحت هي الصحيحة وإن كنا، للأسف، لم نتوصل بعد إلى توافق وطني على اعتماد النسبية لكنها اليوم في رأس قائمة الاهتمامات ولها الأولوية على معظم الصيغ المطروحة وأصبحت معظم القوى السياسية مؤمنة بها إما جزئياً وإما بشكل كامل، مباشرة أو بصورة غير مباشرة. بالإضافة إلى ذلك، نحن ندرس أسبوعياً جدول أعمال مجلس الوزراء والقوانين الأساسية، فعلى صعيد الموازنات العامة دائماً لنا رأي يؤخذ به في كثير من الأحيان.

وإلى جانب هذا العمل الداخلي الذي له علاقة بالسياسات العامة، فإنّ مركزنا يعمل أيضاً في مجال الدراسات الاستراتيجية، ولدينا قسم ناشط في هذا المجال، حيث نتابع ونرصد أزمات المنطقة، وعلى رأسها الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، والسياسات الأميركية، وتحوُّلات النظام الدولي. كلها قضايا محلّ متابعة ومواكبة من المركز، إضافة إلى الندوات والمؤتمرات وحلقات البحث والتركيز والتفكير، كما أنّ المركز يتميّز بامتلاكه بنك معلومات هو من أهمّ بنوك المعلومات باللغة العربية في لبنان والمنطقة، ويعتمد برامج متقدّمة ومتطوّرة، وهو من بنوك المعلومات النادرة التي صمدت مع الوقت لأنّ بنوك المعلومات مكلفة ونحن نعمل في هذا الإطار منذ العام 1994 ونراكم بصورة مستمرة.

الهدف معرفي

«الصناعة البترولية في لبنان ـ أوراق عمل في السياسات العامة» هو عنوان المؤتمر المتخصِّص بموضوع النفط الذي يعقده المركز يوم الإثنين. ما هو الهدف من هذا المؤتمر؟

ـ أردنا أن يكون عنوان المؤتمر معبّراً عن الهدف الأساسي للمركز بعيداً من التضخيم والافتعال. نحن في المركز نراكم بحوثاً ودراسات منذ أربع سنوات، أيّ عندما طرح موضوع البترول على طاولة البحث في لبنان. منذ أن طرح مشروع قانون الأحكام البترولية وضعنا هذا الملف محلّ دراسة وبحث ولاحظنا أنّ هناك قضايا لم تُطرح على طاولة النقاش حتى الآن بالطريقة المناسبة. هناك أمور أساسية تمّت مناقشتها وأنجزت، كإقرار المرسومين الشهيرين والمرسوم المتعلق بالأحكام الضريبية على الموارد البترولية، وإنْ كانت هناك ملاحظات يمكن أخذها بعين الاعتبار، ونموذج ودفتر شروط اتفاقية الاستكشاف والإنتاج، وقانون الموارد البترولية في البحر، لكن هناك قضايا لم يتمّ وضعها موضع اهتمام مثل موضوع السياسات العامة، مع أنّ السياسات العامة يجب أن تكون المنطلق والبداية، بالإضافة إلى موضوع الصندوق السيادي الذي يتمّ تداوله ولكن حتى الآن ليست هناك مسودة، كما أنّ هناك انقساماً في البلد حول إنشاء الشركة الوطنية. وهناك أمر أساسي ومهمّ جداً لم يتمّ طرحه وهو الموارد البشرية وقطاع التعليم وعلاقتهما بقطاع النفط وكيفية تكييف قطاع التعليم مع احتياجات الصناعة البترولية.

لقد أعددنا في المركز أوراق عمل بهذه القضايا الأربع ولكي لا نفرض وجهة نظرنا ولكي نطرح هذه الأوراق لنقاش أوسع قرّرنا عقد هذا المؤتمر، حيث يتمّ تقديم كلّ ورقة عمل ضمن محور من محاور المؤتمر ويُناقِش مداخِلان ورقة العمل ويقدّمان مساهمتهما. وأودّ أن ألفت هنا إلى أنّ المداخلات ستكون لكبار الاقتصاديين والخبراء في المجال النفطي. وسيحضر الافتتاح الوزراء المعنيون بصورة مباشرة وهم: وزير الصناعة د. حسين الحاج حسن، وزير المال علي حسن خليل ووزير الطاقة سيزار أبي خليل. كما سيحضر وزراء سابقون ومعنيون بالملف، وسيترأس رئيس هيئة إدارة قطاع البترول وسام شباط إحدى جلسات المؤتمر.

الهدف من المؤتمر إذاً معرفي، ونحن نعتبر أنّ مهمة التعلُّم في قطاع النفط هي المهمّة الحاضرة الآن. الكل يجب أن يتعلّم ويتعاطى بتواضع مع هذا القطاع الجديد. ومن ناحية أخرى، هذا القطاع صعب وسيستقطب شركات قوية هي جزء من ائتلافات دولية تستثمر بمئات مليارات الدولارات ولديها قدرة على التأثير على أنظمة وحكومات قوية. لذلك يجب أن نعتمد حوكمة قوية لهذا القطاع لكي نحقق مصالح لبنان وفي الوقت نفسه نستفيد من هذه الشركات.

السياسة الوطنية يجب طرحها على طاولة النقاش، وبالنسبة إلى الصندوق السيادي سوف نقدّم مقاربة ونناقشها خلال المؤتمر، بالإضافة إلى الشركة الوطنية وأنا أميل شخصياً لأن تكون هناك شركة وطنية تبدأ من الآن مراكمة خبرات ومعلومات وتحقق حضوراً تدريجياً داخل القطاع النفطي لأنّ مرور الوقت من دون تأسيس هذه الشركة سيجعلنا غير قادرين على مواكبة التطور السريع في القطاع النفطي.

وسط الخلافات السياسية السائدة وانشغال الطبقة السياسية بقانون الانتخاب وغيره من الأمور، ما المقصود من إطلاق المؤتمر في هذا التوقيت؟

ـ مؤتمرنا يخاطب الرأي العام، وإن كنا لا نقصد من أيّ مؤتمر نعقده مخاطبة الرأي العام، بل متخذي القرار وصانعي الرأي. في هذا المجال الرأي العام لا يفيد إذا كان مع الشركة الوطنية أو ضدّها. فهذا موضوع تقني سياسوي ونحن في هذا النوع من المؤتمرات نهدف إلى تطوير مقاربتنا، ومن خلال عملنا البحثي والاستشاري في المركز نصل إلى مقاربات معينة نرى أنه يجب تطويرها وإخضاعها للنقاش.

هل أنتم متفائلون بنتائج هذا المؤتمر؟

ـ ليس بالضرورة أن يؤدّي هذا المؤتمر إلى تغيير قناعات معينة، لكن أحد أهدافنا هو أن لا تكون هناك وجهة نظر أحادية في البلد بل أن تطرح وجهات النظر كافة، وأنتم تلاحظون أنّ المشاركين هم من مشارب واتجاهات متعدّدة بل متناقضة. هدفنا أن نستمع إلى كلّ الآراء من أجل الاستفادة طالما لا يمتلك أحد رؤية قاطعة حول كلّ القضايا المرتبطة بالنفط، فلبنان يتدرَّج على طريق النفط وليس بلداً نفطياً عريقاً حتى تكون لدينا قناعات جازمة.

وما الفرق بين هيئة إدارة قطاع النفط والشركة الوطنية والصندوق السيادي؟

ـ هيئة إدارة قطاع النفط مهمّتها الإشراف على حسن سير هذا القطاع ولها رأي استشاري في الملفات الأساسية ورأي رقابي في قضايا معينة وهي تشكل بيت الخبرة الذي يتمّ من خلاله إعداد الأوراق والوثائق الخاصة بهذا القطاع. أما الصندوق السيادي فهدفه الأساسي تحييد الإيرادات النفطية عن الاستهلاك حتى لا يتحوّل الإيراد النفطي إلى التمويل الاستهلاكي العام أو الخاص، ما يؤدّي إلى عواقب اقتصادية وخيمة منها ما يسمّى بـ«المرض الهولندي». مثلاً ينبغي أن لا تذهب عائدات النفط إلى الدين العام فقط بل يذهب جزء كبير منها إلى الصندوق السيادي وبذلك يتمّ توظيف هذه الأموال لأغراض التنمية وتطوير البنى التحتية، أو تحويل إيرادات فوائد هذه الأموال إلى الصندوق أو استعمالها في الموازنة العامة. لأنّ تحويل الإيرادات إلى تمويل الاستهلاك والنفقات الحكومية والاستهلاك الخاص يؤدّي إلى أزمات اقتصادية عرفت في بعض دول العالم بـ«لعنة الموارد». يمكن أن تستخدم هذه الإيرادات في التوزيع العادل للمداخيل بين الفئات والقطاعات المختلفة وبين الأجيال ما دامت هذه الثروة نعمة إلهية يمتلكها الجميع اليوم وغداً وفي المستقبل. من جهة أخرى، يمكن استخدام موجودات الصندوق لدعم تمويل الخزينة وليس تمويلها بشكل مباشر لأنّ موجودات الصندوق تشكل ضمانة للاقتراض وتقلل من المخاطر وبالتالي نسبة الفوائد. وما يذهب من إيرادات النفط إلى إطفاء الدين العام يجب أن يتمّ الاتفاق عليه، والأولوية يجب أن لا تكون لإطفاء الدين العام بل للسيطرة على هذا الدين، لكن يمكن أن يتمّ تخصيص أجزاء محدّدة من الإيرادات لإطفاء الدين العام وليس لتمويل خدمة الدين، على أن لا يكون لهذا الأمر الأولوية، ونحن نعلم أنّ حمَلَة الدين هم بالدرجة الأولى من كبار الملاكين وكبار أصحاب المداخيل في البلد فإذا سمحنا بذهاب هذه الإيرادات إليهم، نكون بذلك قد أعدنا توزيع إيردات النفط بشكل غير عادل لصالح الفئات الأكثر غنى والأكثر قدرة والأعلى دخلاً على حساب الآخرين بينما ينبغي أن يكون التوزيع متوازناً.

أما الشركة الوطنية، فهي كما أسلفت، معنية بإدارة القطاع ومراكمة الخبرات وتأمين حضور قوي للدولة.

من بلد نفطي محتمل إلى بلد نفطي فعلي

هل يعني إقرار المراسيم وإطلاق دورات التراخيص الوصول إلى مراحل الإنتاج وما هو المدى الزمني المطلوب ليصبح لبنان بلداً نفطياً؟

ـ يعدّ لبنان دولة تقرع باب النفط عندما تتمّ عملية الاستكشاف التي تثبت وجود والنفط والغاز ويتمّ منح التراخيص للائتلافات «كونسورتيوم» التي ستعمل في التنقيب والاستخراج والإنتاج. الاستثمار في النفط هو عملية تقوم على الاحتمال، وفي لبنان المؤشرات عالية جداً وشبه مؤكّدة بوجود النفط، وقد أظهرت المسوحات أنّ الساحل الشرقي للمتوسط يحتوي كميات من النفط والغاز. عندما نستكشف ونصل إلى أول مكمن ونتأكد من وجود البترول وقياس كمياته، بهذه الحالة يتحوّل لبنان من بلد نفطي محتمل إلى بلد نفطي فعلي.

أما على صعيد التوقيت الزمني، فالأمر قد يستغرق سنوات وإذا بدأنا بإنتاج النفط بعد خمس أو ست سنوات، ففي تقديري هذا شيء إيجابي.

بين هولندا والنروج

دائماً ما تتطرقون إلى التجربتين النفطيتين في النروج وهولندا وأين هو لبنان منهما؟

ـ هناك أكثر من نموذج في العالم على الصعيد النفطي، لكنّ النموذجين النروجي والهولندي يشكلان علامة فارقة. النموذج النروجي قام على التمهُّل، ورغم أنّ مؤشرات وجود النفط ظهرت في النروج عام 1959، إلا أنّ باكورة الإنتاج النفطي كانت في العام 1969. النروجيون فكروا كثيراً وبحثوا في كيفية إدارة هذه الثروة وتكاملها مع الاقتصاد الداخلي لتدعم الصناعة المحلية، وكيف يمكن أن يكون المكوّن المحلي حاضراً بقوة بالإضافة إلى تأسيس شركة وطنية تتعلم من البداية ويكون لها حضور قوي داخل القطاع. الدولة النروجية، بمؤسّساتها المختلفة، تسيطر على عملية الإنتاج والتصدير وعلى قرار خفض أو زيادة الإنتاج، حيث لا يتمّ تصدير النفط مباشرة من البحر إلى الخارج بل يتمّ نقل النفط من البحر إلى البر ليتمّ تصديره، وبذلك تكون الدولة متحكّمة بكلّ شيء. السيطرة على قطاع النفط تحوّله إلى ثروة اقتصادية وليس مالية فقط. في النروج تمّ إنشاء الصندوق السيادي لتعقيم استهلاك الاقتصاد المحلي من عائدات النفط. بينما النموذج الهولندي لم يضبط استخدام إيرادات النفط، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار السلع خاصة تلك التي لا يمكن استيرادها أو تصديرها، مثل العقارات واليد العاملة وبعض الخدمات كالصحة والتعليم، ما جعل البلد غير قادر على المنافسة ولا على التصدير إلى الخارج وولّد أزمة كبيرة. وقد أطلق المراقبون والخبراء الاقتصاديون على ما حدث في هولندا عام 1977 بعد اكتشاف النفط اسم «المرض الهولندي». ومن هذا المنطلق يجب أن نهتمّ بالسياسات العامة الوطنية النفطية من الآن، لأنه في حال تأجيل هذا الأمر فإننا حتماً سنقع في «لعنة الموارد» وسنبدّد ثروتنا من دون أن نحقق النتيجة المرجوّة. نحن للأسف في لبنان وقعنا في «المرض الهولندي» قبل النفط، ونحن بلد مرتبط باقتصاد النفط وهناك تدفقات مالية من الخارج مرتبطة بالنفط سواء من المغتربين أو الأموال التي تودع في المصارف، وبدلاً من استعمال هذه الأموال في قطاعات إنتاجية أصبحت المصارف تستخدمها لأغراض استهلاكية مثل شراء العقارات والسيارات وتشجيع الدولة على الاقتراض والإنفاق عبر سندات الخزينة، وكلّ ذلك قلّل القدرة التنافسية للبنان.

العقبات في الداخل

نسمع ونقرأ كثيراً أنّ هناك قوى خارجية لا تريد أن يصبح لبنان من الدول النفطية فيتحرّر من تبعيته لها. فما رأيكم؟

ـ في تقديري ليست هناك ضغوط خارجية، والعقبة الأساسية هي سياسية داخلية وليست خارجية، ولكن في الوقت عينه، نحن لا نعفي الخارج من محاولة الهيمنة على هذه الثروة وربطها بالمنظومة العالمية المُسيطرة. الولايات المتحدة مثلاً تعتبر أنّ النفط هو قطاع حيوي في العالم لذلك هي حاضرة بالقرار النفطي سواء بالتسعير أو الممرّات النفطية أو الاستيراد والتصدير وتوزيع الفائض على العالم، بالإضافة إلى فرض عقوبات على الدول التي تُخالف توجّهاتها وسياساتها مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية. أميركا مستعدّة لشنّ حروب لحماية مصالحها في هذه السلعة الحيوية. لكن ليس هناك طرف دولي لديه مصلحة في عرقلة انطلاق قطاع النفط في لبنان، ما يمكن أن يحصل هو منافسة بين التكتُّلات النفطية العالمية حول من ستكون له الحصة الأكبر.

هناك نوعان من العقبات السياسية خارجية وداخلية. على الصعيد الخارجي، ليست لأيّ دولة من الدول مصلحة مباشرة في عدم إطلاق هذا القطاع. الأمر الثاني أنّ المقاومة فرضت معادلة جديدة بأنّ القرارات السيادية تتخذ في الداخل وليس في الخارج، ليس فقط في ما يتعلق بالسياسة الدفاعية بلّ في كلّ القضايا السياسية السيادية، ومهما حاولت أيّ دولة منع لبنان من اتخاذ قراره السيادي سيتخذ قراره بعد أن أصبح يمتلك ما يكفي من القوة لمنع العدو من التمادي في الاعتداء على هذه الثروة. نحن نستطيع أن نحمي ثروتنا النفطية وندافع عنها وكما خلقت المقاومة توازن الردع مع العدو سيكون هناك توازن ردع ما بين الثروة النفطية في فلسطين المحتلة وثروة لبنان. وقد تحدّث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في أكثر من مناسبة عن هذا الموضوع والأمور باتت واضحة، ولا أحد له مصلحة أو لديه الجرأة لكي يغامر.

العقبات الداخلية هي المشكلة وبمقدور اللبنانيين حلها، لكنّ الخارج مهتمّ بالقطاع النفطي في لبنان وهذا ما ظهر من دورتي التأهيل الأولى والثانية ودورة التراخيص، واللافت أنّ الولايات المتحدة الأميركية غير مهتمة.

الإجراءات الضريبية

ماذا عن الإجراءات الضريبية والتحفيزات التي يجب أن تُعتمد؟

ـ لقد تمّ اعتماد سياسة التساهل الضريبي، فهناك وجهة نظر تقول إنّ الأولوية هي حقوق الخزينة ولذلك يجب أن يتمّ فرض ضرائب عالية نسبية على أرباح الشركات، ويُحكى عن ضريبة دخل بين 25 و 30 في المئة، بينما تقول وجهة النظر الأخرى إنه يجب أن نشجع الشركات نظراً للظروف القائمة في المنطقة، لذلك وتشجيعاً للشركات ينبغي خفض معدل الضريبة. في مشروع القانون الذي تمّ تحويله إلى اللجان النيابية وسيتمّ تحويله إلى الهيئة العامة ذهبت النقاشات باتجاه العشرين في المئة. أما وجهة نظرنا البحثية فتقول إنه كان من الممكن اعتماد معدل ضريبة أعلى من ذلك وأن تعطى بدلاً من تخفيض الضريبة حوافز أخرى، قد تكون حوافز ضريبية، لكنها تشجيعية وغير دائمة، خصوصاً في المراحل الأولى للإنتاج أو قبل أن تستوفي الشركة المستثمرة جزءاً معيناً من كلفتها الاستثمارية، كما يمكن أن نشجع الشركات الوطنية عن طريق تحفيزات للشركات التي توظف لبنانيين، وضع نسبة إعفاءات معينة، أو اعتماد معدّل ضريبي تصاعدي من 20 في المئة صعوداً، ومعدّل أدنى لتشجيع الشركات الناشئة أو في مراحل الاستثمار الأولى يرتفع مع زيادة الإنتاج وترسُّخ وضع الشركة المنتجة. من وجهة نظرنا البحثية، أن لا يكون رقم الضريبة نهائياً.

بلوكات معينة

إحدى التوصيات هي إعطاء حوافز ضريبية لمن يستثمر في بلوكات على الحدود وينبغي إعطاء هذه البلوكات أولوية لأنّ ذلك يعتبر دفاعاً عن السيادة الوطنية وأيضاً لرفع القيمة التجارية للقطاع ونكون بذلك رسمنا خط حدود اقتصادي مع العدو لا يمكن تجاوزه.

مع قبرص وجهة نظرنا البحثية تقول إنّ هناك منطقة ينبغي أن يُعاد النقاش فيها في المنطقة الاقتصادية الخالصة لأنّ لبنان خسر بين 2000 و4000 كلم مربع 10 في المئة تقريباً من مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة لأنّ عملية ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة فيها خطأ هندسي فضلاً عن الإشكال الثلاثي بين لبنان وقبرص والعدو الإسرائيلي والذي خسر لبنان بموجبه على الأقلّ 850 كلم مربع وهذا أيضاً يحتاج إلى نقاش.

أملنا أن لا يذهب هذا الملف إلى سياسة الاستقطاب الفكري والسياسوي حول قضايا معينة. هناك من كان يؤيد السياسات الليبرالية وآخر مع السياسات الاجتماعية، من يؤيد توسيع نطاق حضور الدولة وآخرون مع تضييق حضور الدولة. والمؤتمر يعتمد منهجية خارج هذا الاستقطاب الفكري والسياسوي حتى تكون كلّ الأمور مفتوحة وأن نذهب في اتجاه ما هو مصلحة عامة ودائمة. نحن الآن في مرحلة تأسيس وبناء جينات هذا القطاع، وأيّ خطأ سيرتدّ سلباً علينا في المستقبل، لذلك علينا أن نفكر ونفكر ملياً وأخذ الوقت الكافي للنقاش قبل اتخاذ القرارات. لأنّ تأخير اتخاذ قرار معيّن فترة زمنية معينة من أجل زيادة جودة هذا القرار وتحسين قوة هذا المرسوم وتوازنه أفضل من اتخاذه على عجل ودفع الثمن في المستقبل.

برنامج المؤتمر

استقبال المشاركين: 9:00 9:40

كلمة افتتاحية: رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق د. عبد الحليم فضل الله 9:40 10:00

الجلسة الأولى

معالم أساسية للسياسة الوطنية لقطاع البترول

السياسة الوطنية هي من المرتكزات الأساسية لنشوء سياسة نفطيّة ناجحة، وهذا يتطلب نقاشاً جديّاً بشأن الخطة الأكثر ملاءمة للواقع اللبناني، والمعالجة الأساسيّة الأمثل لإدارة القطاع. فهل ينبغي وضع خطة متكاملة لجميع مراحل الصناعة البترولية أم يستحسن ان تكون متدرّجة متزامنة مع تقدّم مراحل هذه الصناعة؟ وما هي المعايير الجوهرية التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار في السياسة الوطنية المطلوبة؟

ـ رئيس الجلسة: وزير الصناعة د. حسين الحاج حسن 10:00- 10:10

ـ ورقة العمل: د. ناصر حطيط 10:10 10:30

ـ مداخلة رئيسيّة أولى: د. شربل نحاس 10:30- 10:50

ـ مداخلة رئيسيّة ثانية: د. نقولا سركيس 10:50 11:10

ـ نقاش مفتوح: 11:10 11:40

ـ استراحة: 11:40- 12:00

الجلسة الثانية

الصندوق السيادي ودوره في حوكمة الإدارة المالية للثروة البترولية

تطرح حوكمة الإدارة المالية للثروة البترولية في لبنان تحدّياً صعباً في بلد تتدنّى فيه المؤشرات العالمية للحوكمة، الأمر الذي يثير تساؤلات ملحّة عن سبل التطبيق الأمثل للمعايير الدولية للشفافية في عملية إدارة القطاع البترولي في لبنان، ودور الصندوق السيادي في حوكمة الإدارة، وكيف يُجنَّب لبنان التعرض للعنة الموارد؟

ـ رئيس الجلسة: النائب محمد قباني 12:00 12:10

ـ ورقة العمل: الأستاذ علي برو 12:10 12:30

ـ مداخلة رئيسيّة أولى: الأستاذ وسام الذهبي 12:30 12:50

ـ مداخلة رئيسيّة ثانية: د. غازي وزني 12:50- 1:10

ـ نقاش مفتوح: 1:10- 1:40

استراحة غداء 1:40- 2:40

الجلسة الثالثة

دور شركات البترول الوطنية في إدارة وتطوير قطاع البترول: نقاش في الشروط والمبررات

نص قانون الموارد البترولية في المياه البحرية اللبنانية على إنشاء شركة بترول وطنية عند وجود ثروة بترولية واعدة فما هي طبيعة هذه الشركة وهيكليتها التنظيمية والوقت المناسب لإنشائها؟ وما ودورها في الصناعة البترولية اللبنانية وصلاحياتها وعلاقتها بالأجهزة المعنية الأخرى؟ وما هي التداعيات الناتجة عن التأخر في إطلاقها على الصناعة النفطيّة؟

ـ رئيس الجلسة: وزير المالية د. علي حسن خليل 2:40- 2:50

ـ ورقة العمل: الأستاذ رضوان جمّول 2:50 3:10

ـ مداخلة رئيسيّة أولى: الأستاذ وليد خدوري 3:10- 3:30

ـ مداخلة رئيسيّة ثانية: د. قاسم غريب 3:30 3:50

ـ نقاش مفتوح: 3:50- 4:20

استراحة 4:20- 4:40

الجلسة الرابعة

الموارد البشرية اللازمة لتطوير الصناعة البترولية محلياً، النظام التعليمي أنموذجاً.

في غياب التخطيط الاستراتيجي لسوق العمل اللبناني، يواجه بناء الصناعة البترولية في لبنان تحدياً جدياً في تأمين الموارد البشرية اللازمة لمواكبتها بمراحلها المختلفة، فالصناعة البترولية تعتمد على التطور التكنولوجي وتحتاج الى موارد بشرية عالية التخصص. فهل يستطيع نظام التعليم في لبنان بوضعه الراهن رفد قطاع البترول بما يحتاجه من اختصاصات هندسية ومن كوادر فنية وتقنية؟ وما هي الصيغة الأمثل للتعاون في مجال التدريب بين الدولة والشركات المستثمرة؟ وما سبل تكييف قطاعي التعليم المهني والجامعي، مع الحاجات المتوقعة للقطاع، ومتطلباته المستقبليّة؟

ـ رئيس الجلسة: وزير الطاقة سيزار أبو خليل 4:40- 4:50

ـ ورقة العمل: د. حسين العزي 4:50 5:10

ـ مداخلة رئيسيّة أولى: د. كمال حمدان 5:10- 5:30

ـ مداخلة رئيسيّة ثانية: د. عصام عطالله 5:30- 5:50

ـ نقاش مفتوح: 5:50 6:20

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى