نتنياهو مُحبط «شكلياً» والعمل على حفظ «ماء وجه» الرئيس الأميركي

روزانا رمّال

كل الحديث عن السياسات الأميركية في المنطقة ومبدأ انعقاد القمم وموازاتها مع مصالح أميركية وتراكمات بالمنطقة لا يعدو كونه تفصيلا أمام الحلف الأميركي «الإسرائيلي» الذي ترسم على اساسه المعادلات السياسية في الشرق الاوسط، والذي تبني واشنطن علاقاتها مع دول المنطقة انطلاقاً منه، فتبدو المملكة العربية السعودية أرضاً خصبة لخدمة تعزيز الحلف «الإسرائيلي» الأميركي بالمباشر وبغير المباشر وتشكل بنفوذها على دول الجوار تغطية لتناغم الكيان المحتل مع مجتمعات عربية ترفض وجوده من جهة، لكنها تعايشت مع مبدأ انعدام الحلول مبدئياً في التخلص من الجارة «إسرائيل». فعلى هذا الاساس بدأت حملات التطبيع تتوالى بدأت في مصر والأردن وقطر وتطورت لتبلغ الرياض بمحطات غير معلنة، لكنها لم تكن قابلة للدحض من قبل مسؤوليها الذين لم يمانعوا من اجتماعات او لقاءات في مؤتمرات دولية بوجود «الإسرائيليين»، إضافة الى ارتياح لمسألة الانسجام في مسألة اعلان العدو المشترك ايران وحزب الله، وما في هذا من «مطاطية» وحرية حركة تسمح بتوقع مختلف انواع المواقف ودرجات حدودها. فـ»إسرائيل» كذلك السعودية تجدان في سحق حزب الله وعزل إيران أمراً ضرورياً، وهو ما يعني استفادة «إسرائيل» من قطع أذرع المقاومة في لبنان وفلسطين معاً.

الخيار «الإسرائيلي» العربي المشترك في عزل إيران والحركات المقاتلة في فلسطين ولبنان ليس وليد اللحظة، إنما هو نتاج سنوات من الحسابات التي أخذت تل أبيب نحو مواجهات عديدة مع هذه القوى من دون أن تخسر يوماً الدعم العربي لعملياتها العسكرية، الأمر الذي تؤكد عليه حرب تموز في لبنان 2006.

الدعم نفسه مستقى من الإدارة الأميركية التي تعرف المصالح «الإسرائيلية» عن ظهر قلب، لكنها تستغل النزاع «الإسرائيلي» الفلسطيني بدورها لتجييره بالداخل الأميركي. وهو الأمر الذي ينسحب على مرشحي الرئاسة وآخرهم دونالد ترامب الذي وعد بنقل السفارة الأميركية الى القدس، والذي كان يُفترض أن يفي بهذا الوعد لدى زيارته «إسرائيل» الأسبوع الماضي، وإذ بهذا الإعلان يتحوّل سراباً بعدما وقَع الرئيس الاميركي دونالد ترامب أمس قراراً ينصّ على «تمديد بقاء السفارة الأميركية في تل أبيب لستة أشهر». وهو الأمر الذي يجد فيه الأميركيون، فيما لو تمّ ضرباً لمساعي ترامب للسلام بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» لكشف رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو عن إحساسه بخيبة الأمل من قرار الرئيس الأميركي تأجيل نقل السفارة الأميركية إلى القدس.

خيبة الامل نفسها انسحبت على مبدأ زيارة ترامب للسعودية، ومسألة تقوية الحلف المناهض لإيران فبرزت أولى نتائج الزيارة خلافاً خطيراً بين المملكة السعودية وإمارة قطر وهواجس الوحدة الخليجية بدأت تلوح بالأفق لتستكمل خيبة أمل «الإسرائيليين» في تنفيذ الوعد الأميركي لتصبح علامات الاستفهام أكبر أمام نجاح زيارة ترامب للشرق الأوسط في خدمة حلفائها من عدمها وبتدقيق محسوم يتبين أن ترامب هو الرابح الوحيد من زيارته الاقتصادية المالية حصراً التي انعدمت فيها النتائج السياسية المشتركة.

بالعودة لقرار نقل السفارة السؤال الأساسي هو هل كانت «إسرائيل» مستعدة فعلاً لمثل هذه الخطوة؟

شكوك الجبهة الداخلية تتواصل منذ ليلة «أمس»، وقد شكل إعلان ترامب مفاجأة لكل الذين راهنوا على شجاعة غير مسبوقة يتمتّع بها ترامب تجاه «الإسرائيليين»، معتبرين أن الفرصة قد حانت لدعم المشروع الصيهوني المتطرّف بوجود دعم عربي او تجاهل ملحوظ بينما القيادتان السياسية والعسكرية تدركان مخاطر هذا الأمر القادر على إشعال الأراضي المحتلة وتسعير النيران وإعلان انتفاضة فلسطينية ثالثة بأقل تقدير.

عجز «إسرائيلي» ملموس يمنع أن تتم الخطوة وهي إحدى اكبر حماقات «إسرائيل» والولايات المتحدة معاً في ما لو تمّت ليوضع قرار ترامب هذا في خانة «العقلانية» أو على الأقل تكشف عن خلفية أميركية قادرة على اتخاذ قرارات عاقلة تلغي قرارات ترامب غير المسؤولة منعت ارتكاب هذه «الحماقة» في ظل تصاعد قوة إيران وحلفائها وإمكانية أن تُستغل هذه الحادثة لتقوية الحركات الفلسطينية المقاتلة فتكون ذريعة الثورة الكبرى في فلسطين.

وإذا كان للعجز «الإسرائيلي» دلائل كثيرة، فإن آخرها نزول السلطات «الإسرائيلية» عند مطالب الاسرى الذين اضربوا عن الطعام وحركوا الشارع الفلسطيني الذي كان قاب قوسين من التحضير لهبّة في الشارع بحال موت احد الاسرى من الجوع، وإذا كانت مفاوضة الاسرى دليل خضوع وقلق، فإن مسألة نقل السفارة بالنسبة لصقور «إسرائيل» العارفين بمحاذيرها هي «مقتل» الكيان العبري.

بعض الساسة «الإسرائيليين» يعرفون عجز قيادتهم من تحمل هذا، خصوصاً المتشددين ومن بين تعليقات امس الاولية موقف لعضو الكنيست «الإسرائيلي» السابق موشيه فيغلين يتهم فيه رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو بالوقوف وراء الضغط لعدم نقل السفارة الاميركية الى القدس المحتلة ويقول فيغلين. إن نتنياهو «أحبط بيديه نقل السفارة الاميركية الى القدس. وهو السبب في عدم وفاء ترامب بالتزامه بنقل السفارة كاشفاً أن معلوماته هي من خلال تواصله مع مسؤولين مباشرين في واشنطن، معتبراً أن نتيجة ذلك ستكون زيادة الضغط الأميركي لتقسيم القدس.

«إسرائيل» الهشة غير قادرة على تحمل تبعات قرار ظاهره مصلحي وباطنه كارثي، لكن الأهم هو انكشاف ان ادارة كل ما يتعلق بمصير «إسرائيل» من داخل البيت الأبيض لا يخضع لمزاجية او قرارت الرئيس الاعتباطية ومسألة التأجيل ليست إلا حفظاً لماء وجه الرئيس تمهيداً للإلغاء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى