واشنطن تطلب العودة للتفاهم في سورية وموسكو تشترط شراكة الجيش السوري لا تعديلات على قانون الانتخاب… ولقاء بعبدا قوة دفع للاقتصاد والأمن حتى الربيع

كتب المحرّر السياسي

لا يستطيع الأميركيون القول إنهم عندما أصدروا الأوامر بتصدي طائراتهم لطائرة سورية في سماء الرقة وإسقاطها، كانوا يعالجون شأناً ميدانياً إجرائياً وفقاً لقواعد الاشتباك المعتمَدة، فهم لم يبلغوا موسكو بالذي جرى قبل حدوثه ولا بعده، ولم يبلغوا الدولة السورية عبر موسكو الحاجة لوضع ضوابط غير مباشرة لمنع التصادم، لذلك لا يمكن الإنكار أن الرسالة سياسية بامتياز عنوانها دمشق وطهران وموسكو معاً، ومضمونها أن الحرب على داعش مسؤولية أميركية حصرية شمال شرق سورية في المنطقة الواقعة بين الحدود السورية التركية ومجرى نهر الفرات. وكل دخول إلى هذه المنطقة براً أو جواً سيعامل كهدف عدو، وكان طبيعياً أن واشنطن تنتظر ردود الأفعال، وتريد اختبار قواعد اشتباك جديدة هذا عنوانها، بعدما رأت الحرب على داعش تفلت من سيطرتها.

جاء الجواب الإيراني بالصواريخ العابرة إلى دير الزور، وجاء الجواب بالإعلان الروسي عن وقف العمل بتفاهم منع التصادم الجوي ومعاملة كل هدف جويّ في مناطق عملياتها كعدو، تلقت واشنطن الأجوبة، وهي لم تكتمل بعد. فبيان جديد لحلفاء دمشق قيد الإعداد وفيه تعهّد بردّ قاسٍ لكل استهداف مماثل، فاستبقت الأمور واشنطن لتأمين التراجع الهادئ بالطلب من موسكو العودة للتفاهم، والتركيز في الإعلام الأميركي على إيران كمصدر للخطر في المنطقة تمهيداً لنهاية داعش كمبرر للبقاء الأميركي في المنطقة عسكرياً، بجعل الخطر الإيراني المبرّر البديل، وهو الهدف الذي رافق قمم الرئيس الأميركي في الرياض، لكن الرسائل الإيرانية تقول إن هذا الهدف لا يستقيم مع بقاء الأميركيين في سورية والعراق بعد نهاية الحرب على داعش، وأن واشنطن فقدت السيطرة لتمديد أمد هذه الحرب والاختباء وراءها. والصواريخ الإيرانية تقول إن طهران مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى في خوض التحدي، فقرار إطلاق الصواريخ الباليستية لا يمكن اتخاذه بدون توقيع القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو الإمام السيد علي الخامنئي. وهذا ما يعلمه الأميركيون والسعوديون و»الإسرائيليون»، الذين تلقوا الرسالة بالتساوي في منسوب القلق، وهو ما أرادهم الإيرانيون أن يعلموه وأن يقرأوه جيداً.

موسكو بتعليق التفاهم مع واشنطن واعتبار طائراتها أهدافاً للصواريخ الروسية، رفعت التحدي إلى أعلى الدرجات، وأجبرت القيادة الأميركية على المطالبة بالعودة للتفاهم، لكن موسكو تعتبر أن ما جرى سواء توقع الأميركيون ذلك أم لم يتوقعوه، قد فرض شراكة الجيش السوري في تفاهم منع التصادم الجوي، وإذا رغب الأميركيون بمنع إشكالات بريّة مشابهة، أو بتنسيق النيران في مناطق قتال مشتركة لم يعُد بيد أميركا التحكم بها وحدها، فالتعاون والتنسيق لن يكون من دون الجيش السوري.

دور سورية وحلفائها في الحرب على داعش صار أكبر من دور الأميركيين وحلفائهم، وكلّما دنت ساعة المواجهة في دير الزور بعد نهاية داعش في الرقة سيكبر دور الجيش السوري وحلفائه أكثر، وعلى واشنطن تقبّل هذه الحقيقة المرّة وتجرّع هذه الكأس غير المتوقعة بالجلوس إلى طاولة واحدة يديرها ضابط روسي ويقابل الضباط الأميركيون عليها ضباط سوريون.

لبنانياً، جزمت مصادر نيابية رفيعة المستوى لـ«البناء» بأن لا إعادة نقاش في بنود قانون الانتخابات النيابية وأنه باقٍ كما أقرّ وأن التنقيح اللغوي بتصحيح بعض الأخطاء التقنية أمور روتينية تتمّ في القوانين الهامة والمفصلية وذات النصوص المتشعبة كلها، فكيف إذا كان القانون المعني قد أنجز في ساعات نهاية المهل الدستورية، وهو يعتمد نصوصاً قانونية جديدة وآليات لم يتمّ شرحها وتفصيلها كما يجب في بعض النصوص، لكن هذا لا يعني بأي شكل فتح الباب لمناقشة جديدة حول القانون.

لذلك تتجه الأنظار إلى قصر بعبدا والدعوة التي وجهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لقادة الأحزاب المشاركة في الحكومة يوم بعد غد الخميس والذي سيتناول، كما قالت مصادر معنية باللقاء، عنوانين: الأول سياسي والثاني دستوري في الشق الدستوري سيدعو رئيس الجمهورية لرسم خريطة طريق وتلقي المقترحات حول تطبيق اتفاق الطائف من دون الخوض المبكر في التفاصيل والتوافق مسبقاً على اعتبار هذه المهمة منوطة بالمجلس النيابي الجديد المنتخب، وهي مهمته الرئيسية. أما في السياسة فعدا عن الفائدة المرجوة ببعض المصافحات وتطبيع العلاقات وتخطّي تشنجات مرحلتي الانتخابات الرئاسية ووضع قانون الانتخابات، يتطلّع رئيس الجمهورية لإرساء مناخ من الهدوء في الفترة الفاصلة عن الانتخابات، يتيح حتى الربيع قطافاً اقتصادياً وأمنياً يريح البلاد، سواء بالتعاون المرتقب بين المجلس النيابي والحكومة في إقرار الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب، أو في السير بالمشاريع التنموية، أو في تفعيل عمل الحكومة، وتعزيز الأجهزة الأمنية والعسكرية منحها التغطية السياسية اللازمة، خصوصاً لحسم الوضع في شرق لبنان مع جبهة النصرة وداعش سواء عبر الحلول التفاوضية أو العمل العسكري، وفتح الباب لمبادرات لا يجوز أن تتأخر لحل قضية النازحين السوريين.

عقد جديد للمجلس النيابي

بعد إعلان بعبدا عن عقد اجتماع لرؤساء الأحزاب السياسية الخميس المقبل للانطلاق بورشة سياسية ودستورية واقتصادية واجتماعية تطال مجمل الملفات والقضايا العالقة من المراحل السابقة، وقّع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس، مرسوم عقد استثنائي جديد للمجلس النيابي حمل الرقم 904 يبدأ بـ21 حزيران 2017 حتى 16 تشرين الأول 2017.

وحددت المادة الثانية من المرسوم، كما أعلنت دوائر القصر الجمهوري، برنامج أعمال العقد الاستثنائي بالآتي: مشاريع الموازنات العامة وموازناتها الملحقة المحالة الى مجلس النواب، مشاريع القوانين المحالة الى مجلس النواب والتي ستحال إليه، سائر مشاريع القوانين والاقتراحات والنصوص التي يقرّر مكتب المجلس طرحها على المجلس.

وكان رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وقع على المرسوم وأحاله إلى رئيس الجمهورية للتوقيع عليه.

اجتماع بعبدا

وفي غضون ذلك، تجمع بعبدا الخميس المقبل رؤساء الأحزاب السياسية المتمثلة في الحكومة للاتفاق على خريطة طريق لمعالجة الملفات العالقة من المرحلة السابقة وتفعيل عمل المؤسسات لمواكبة عمل مجلسَيْ النواب والوزراء.

وأثارت مبادرة الرئيس عون في اتّجاه رؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة استياءً لدى قوى المعارضة، كحزب «الكتائب» وبعض المستقلّين، لأن الدولة، على حدّ تعبيرهم لا تقوم إلا بجناحي الموالاة التي تحكم والمعارضة التي تراقب عملها، وأن «بيّ الكل» لا يمكن أن يستثني أحداً من اولاده.

غير أن مصادر بعبدا أوضحت لـ«البناء» أن «الدعوات حصرت برؤساء الأحزاب الموجودة والتي تتمثل في مجلس الوزراء وليس برؤساء الكتل للحفاظ على النقاش الهادئ والمنتج والعملي، ولا يتسع الأمر للسجالات والاتهامات»، وأشارت الى أن «دعوة رئيس الجمهورية ليست طاولة حوار ولا لقاء تشاورياً بل اجتماع للتداول بأولوية المرحلة المقبلة بعد إقرار قانون انتخاب جديد والاتفاق على بدء مسار جديد في مقاربة القضايا المصيرية والملفات الأساسية المطروحة على بساط البحث ووضع خريطة طريق لها تمهيداً لإيجاد الحلول، لا سيما استكمال تطبيق اتفاق الطائف مثل إلغاء الطائفية السياسية وإنشاء نظام المجلسين واللامركزية الإدارية وغيرها من الاصلاحات السياسية والدستورية».

ولفتت الى أن «هذا الاجتماع ليس بديلاً عن مجلسَيْ النواب والوزراء ولا يأخذ من صلاحية أي مؤسسة دستورية، بل يضع تصوراً وإطاراً وطنياً للأزمات والملفات الخلافية وتأمين التوافق السياسي حولها لمعالجتها».

وتوقعت المصادر أن يتسم الاجتماع بالإيجابية، مشيرة الى أنه «لم يحدد بعد ما إذا كان سيقتصر الأمر على اجتماع واحد فقط، بل الأمر مرتبط بمدى التوصل الى اتفاق وإذا لم ينته النقاش في الملفات المطروحة ستتم الدعوة الى لقاءات أخرى».

ولفتت مصادر سياسية لـ«البناء» إلى أن «الاتفاق على قانون انتخاب فتح الباب واسعاً أمام التوافق على أمور أخرى»، مؤكدة أن «العهد الجديد انطلق باندفاعة واضحة والخطوات التي يقوم بها الرئيس عون جاءت نتيجة توافق بين الرؤساء الثلاثة على إنهاء الملفات المجمّدة وإنجاز الملفات الجديدة المطروحة لخدمة مسيرة النهوض بالبلاد على المستويات كافة، إذ إن رئيس البلاد لن ينتظر حتى الانتخابات النيابية وتشكيل مجلس نيابي جديد وحكومة جديدة ليبدأ بالعمل بل سيستغلّ سنوات عهده بالتغيير ومعالجة الأزمات».

وأوضحت المصادر أن «لقاء بعبدا سيشكل مظلة سياسية لمجلس الوزراء للإسراع في بت الملفات كالنفط والكهرباء والمياه والنفايات والإنترنت والموازنة العامة وسلسلة الرتب والرواتب»، لكن المصادر استبعدت «طرح تطبيق اتفاق الطائف الآن ووضعه قيد التنفيذ بل سيُطرح كعنوان عام وليس كتطبيق عملي، إذ إن الظروف غير ناضجة بعد لفتح هذا الملف من جهة، ومن جهة ثانية هناك أولويات اقتصادية اجتماعية تتعلّق بمصالح المواطنين والدولة»، واعتبرت أن «المكان الأنسب لهذه القضايا الوطنية والمصيرية هو المجلس النيابي الجديد أو طاولة حوار جامعة».

وأكدت أوساط تيار «المردة» لـ«البناء» مشاركة رئيس «التيار» النائب سليمان فرنجية الذي تلقّى دعوة رسمية بعد القطيعة الناتجة عن الانتخابات الرئاسية، وهو التزم بموقفه من أنه لن يزور بعبدا من دون دعوة رسمية»، ولفتت إلى أن «فرنجية معروف بحكمته ووعيه وإدراكه للمصلحة الوطنية ولا مانع من عقد لقاء «غسيل قلوب» مع رئيس الجمهورية لكسر الجليد»، ولفتت الى أن «فرنجية سيطرح موقفه من الملفات المطروحة من الانتخابات النيابية الى القضايا الوطنية والأمنية والسياسية وكل ما يتعلق بمستقبل لبنان في ظل مجريات أحداث المنطقة».

وأضافت المصادر: «لا مانع من السلام والكلام مع رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، رغم الخلاف السياسي واحتفاظ كل طرف بمواقفه ورأيه السياسي»، ولفتت الى أن جهات عدة تعمل على خط المصالحة على خط بعبدا بنشعي، لكن الجهد الأكبر بذلته بكركي والبطريرك الماروني الذي قرّب وجهات النظر بين الطرفين تمهيداً لإنهاء المرحلة الماضية.

وفي موازاة ذلك، يعقد مجلس الوزراء الأربعاء المقبل جلسة في قصر بعبدا برئاسة الرئيس عون وعلى جدول أعمالها 67 بنداً.

وأكد الرئيس عون، أمام زوار بعبدا أن «اللقاء الذي دعا اليه رؤساء الاحزاب المشاركة في الحكومة، يوم الخميس المقبل في قصر بعبدا، هدفه البحث في عدد من المواضيع التي تهم اللبنانيين، لا سيما منها المشاريع الاقتصادية والإنمائية التي لم تنفذ بعد، وذلك لدرسها وبرمجة تنفيذها، إضافة الى التداول في مشاريع واقتراحات القوانين التي تعود بالنفع العام على اللبنانيين والاقتصاد الوطني».

واعتبر عون، أن «القانون الجديد للانتخابات، سوف يقلّص الفروق بين الطوائف ويحقق عدالة التمثيل ويحدث تغييراً في النظام الانتخابي المعمول به منذ 91 عاماً، أي النظام الأكثري، ويبدل في المفهوم السياسي الوراثي ويجعل من لبنان دولة ديموقراطية متقدمة، علماً أن ذلك لن يحصل منذ المرة الأولى بل على مراحل عدة».

إطلاق ماكينة «التيار»

على صعيد آخر، بدأت القوى السياسية بإعداد العدّة للانتخابات النيابية وإطلاق ماكيناتها الانتخابية، وأكّد الوزير باسيل خلال إطلاق ماكينة «التيار الوطني الحرّ» على أهمية «تعزيز القانون الانتخابي بمزيد من الضوابط في المستقبل منها عتبة التمثيل او التأهيل»، مشيراً إلى أن هناك مطالب أخرى. وأشار إلى أنّ «الموقف المشترك للتيار مع القوات اللبنانية ساهم كثيراً في تبديد الصعوبات التي اعترضت قانون الانتخاب الذي لم يكن ممكناً لولا موقف رئيس الجمهورية». ولفت باسيل إلى أنّ «الفضل في قانون الانتخاب هو لحليفنا الدائم حزب الله وللرئيس الحريري الذي رفض التمديد». وأشار الى أن «المعركة مستمرة للوصول إلى 64 نائباً مسيحياً».

وقال باسيل: «جاهزون للانتخابات النيابية والمعركة الانتخابية المقبلة عنوانها أننا نريد الكهرباء وغيرنا لا يريدها». وحذّر باسيل من أن «أي تلاعب في موضوع البطاقة الممغنطة سيؤدي الى سحب موافقتنا على موضوع التمديد التقني».

وقالت مصادر تيار «المردة» لـ«البناء» إن «التحالفات لم تتبلور بعد، لكن بالتأكيد المردة سيخوض معارك في كل الدوائر في البترون والكورة وبشري والضنية وعكار وزغرتا، إما عبر مرشحين للمردة أو بدعم أشخاص، لكن لن نتحالف مع أحزاب من خارج خطنا السياسي وقناعاتنا الوطنية، رغم كسر الاصطفافات التقليدية بين 8 و14 آذار».

وعن احتمال حدوث متغيرات سياسية وانتخابية تؤدي الى تقارب بين تياري المردة والوطني الحر تنسحب الى تحالف انتخابي، أجابت المصادر: «كل شيء ممكن في السياسة والانتخابات».

أمنياً، عقد قائد الجيش العماد جوزاف عون في مكتبه في اليرزة، اجتماعاً مع قادة الأجهزة الأمنية، ضمَّ كلاً من مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، العميد رياض طه ممثلاً مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، مدير المخابرات العميد الركن أنطوان منصور ومستشار فخامة رئيس الجمهورية للشؤون الأمنية والعسكرية، وقد تمّ خلال الاجتماع بحث الأوضاع الأمنية في البلاد، وسبل تعزيز إجراءات التعاون والتنسيق بين الجميع في ضوء التطورات الراهنة، خصوصاً في مجال ملاحقة الشبكات والخلايا الإرهابية، ومكافحة الجرائم المنظمة والفردية على أنواعها، بالإضافة إلى اتخاذ التدابير الأمنية المناسبة للحفاظ على أمن المواطنين وسلامتهم خلال فترة عيد الفطر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى