خالد المعالي في ديوانه الجديد يأس مطلق وأسىً مطبق!

د. محمود شريح

هو الشاعر الحائر. مسكنه المدينة، أي بيروت. لكن قصيدَه وافدٌ من الصحراء العراقية، أي السماوة، مسقطه. وبينهما اغتراب على مدى أربعة عقود. رحل عن بغداد إلى بيروت، فباريس وحطّ في كولونيا حيث أسّس «دار الجمل»، فكان صابراً في الجهد، انتقائياً في المحتوى، ثم عاد بها فأقام خيمته الفكرية بين بغداد وبيروت.

إنه خالد المعالي في ديوانه الجديد «أعيش خارج ساعتي» منشورات «دار الجمل» 2017 ، حيث تتأرجح القصيدة بين أسى ملازم وهمّ قديم. وبين هذين القطبين وتر مشدود من صبوة دائمة وحنين ملازم. نغمة الديوان المتكرّرة هي الذكرى، ما يحوّل قصيدته أحياناً إلى مرثاة:

تكدّرت حياتُه حقاً، مشواره ضاع

وليله الطويل انتهى

أضحى عاجزاً يسير

إلى الذكريات بعكّاز، عسى

صورةُ الوهم، تأتي إليه طائعة

وبمحاذاة نغمة الذكريات، هناك محنة الانتظار في عالم خرّب، حيث يسير الشاعر يلفهّ الظلام فيما يشدّه اليأس بحبل وراءه. لكن تلك الذكريات هوت فكأنها قصور رمال. والأسوأ حين يتحوّل اليأس إلى ظلّ يقيه من الذكرى، فيتعثر ليله ويمضى غريباً يرفع الراية المنكّسة.

يأس مطلق وأسى مطبق يحوّمان في فضاء قصيدة المعالي، فها هو يعود القهقرى من أجل نخلة، وكلب ينبح، ووشلة ماء في نهر وزهور ربيع، كان يسعد نفسه بها، فإذا هي كلّها وهم زائل، وعليه:

كان البكاء سبيلاً

لم أعد أجد ليلاً لأغمض

العينين، شاكياً، الذكرى

لم تَعُدْ

أُبعِد الأحلام وأمضي!

يدرك المعالي تماماً أن العودة انتهى أمرها، فالليل حلّ والنجم انطفأ، وها هي أحلامه تتكسّر، فلم يعد يبين في المرآة وجهه.

تتحوّل حياته إلى أرض خراب، فيضيع بين التلال ويطارد ظلّه، فالنهر جفّ، وما بين يديه تبعثر، فنُفي حيّ من اليأس.

ديوان المعالي الجديد «أعيش خارج ساعتي»، كتاب تيه وسفر ضياع في مدينة خربة لا معزيّ لها. وها هو المعالي فيها وقد سقط من نعيم الذكرى وفردوس الحنين، يتحسّر على أمس رغد، فيما أدركه مطاردوه بين المضايق ووسط الشدائد، فجاءت قصيدته مرثاة لزمن هوى في ساحة المنفى.

كاتب وباحث

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى