ماكرون وترامب: مستقبل الرئاسة السورية ليس بنداً من بنود الحلّ السياسي

كتب المحرّر السياسي

فيما يواصل وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مساعيه لتسويق مشروع الرقابة المالية الأميركية على الوادئع والحسابات المصرفية والمصارف في دول الخليج كإطار لتسوية النزاع بين قطر والدول المقاطعة لها، وعلى رأسها السعودية، تقصّدت الخارجية الأميركية تعميم معلومات عن تقدّم نحو التسوية رغم إصرار السعودية والإمارات على التصريحات التي تؤكد أنّ الأزمة عميقة والتسوية مستبعدة، بينما كانت الناطقة بلسان الخارجية الأميركية تعقد مؤتمراً صحافياً تعلن فيه أنّ التسوية ستبدأ بجلوس أطراف النزاع على مائدة تفاوض. وكان هذا موضع اعتراض دائم من السعودية والإمارات، تحت شعار أعلنه وزير خارجيتها عادل الجبير، ما طلبنا وشروطنا ليست للتفاوض.

منطق التسويات للأزمات يبدو هو السائد منذ قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب التي سبقتها تحضيرات مزدوجة لثلاثة أسابيع، مسار التفاوض حول وقف النار في جنوب سورية لحساسيته الإقليمية خصوصاً بالنسبة لـ«إسرائيل»، ومسار المباحثات حول القضايا الثنائية بين وفدَيْ خبراء ومستشارين روس وأميركيين.

التسارع في الإشارات نحو التسويات عبّرت عنه تصريحات المبعوث الأممي إلى سورية من جنيف وهو يدير الحوار بين وفدَيْ الحكومة والمعارضة، ليشير للمرة الأولى للتقدّم باتجاه قرب تشكيل وفد موحد للمعارضة من جهة، وتقدّم المضمون السياسي لطروحات المعارضة نحو ملاقاة طروحات الحكومة السورية، مشيراً إلى مناخ جديد بعد قمة هامبورغ وإلى فرص لتوسيع وقف النار وتطوير مساري أستانة وجنيف وتلاقيهما.

التعبير الأقوى عن مسارات التسويات، جاء على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مؤتمر صحافي مشترك، يتخذ خلاله الكلام معاني أقوى من كلام ماكرون المنفصل قبل ثلاثة أسابيع عن تعديل وجهة نظر فرنسا تجاه ما يجري في سورية وتمهيده للتعاون مع روسيا لمبادرة تتخلّى فيها فرنسا عن الموقف من الرئاسة السورية كشرط للحلّ السايسي، وعن رفض المخاطرة بالفوضى في ظلّ غياب أيّ بديل يضمن تحقيق الشرعية غير الرئيس بشار الأسد. فهذه المرة وبحضور الرئيس ترامب تحدّث ماكرون عن مساعٍ أميركية فرنسية وبالتعاون مع روسيا لمبادرة سياسية متكاملة لوقف الحرب بين الحكومة والمعارضة، وحصر الحرب بالإرهاب بقوة ودفع جديدين، وصولاً لحلّ سياسي يجمع الحكومة والمعارضة وعلى قاعدة أنّ الرئاسة السورية ليست من مفردات هذا الحلّ السياسي.

الكلام الفرنسي الأميركي وتلاقيه مع الأرضية التي ثبتت عليها روسيا لمقاربة الأزمة في سورية، يعني أنّ طريق الحلّ السياسي يقترب أكثر، وأنّ الحسم العسكري الذي يخوض الجيش السوري وحلفاؤه غماره في اتجاهات الجغرافيا السورية كلها ويحقق خلاله الإنجازات هو طليعة الحرب التي تحدّث عنها ماكرون.

لبنان في مناخ التجاذب السياسي حول مصير قضية النازخين وتفاقم تأثيراتها وتداعياتها، يعيش أجواء الحسم العسكري في جرود عرسال بالتنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري والمقاومة، وهذه الأجواء تركت آثارها مع الحديث عن فرصة أخيرة وقليل من الوقت كما ورد في خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فتحدثت المعلومات عن انشقاقات ومفاوضات متفرّقة تخوضها مجموعات عدة لا تريد خوض المواجهة وتبحث عن مخرج، بينما الاستعدادات للمعركة على قدم وساق، والطيران السوري يواصل شنّ غاراته على مواقع قيادة داعش والنصرة في جرود القلمون.

مَنْ يؤخّر الحسم في الجرود؟

وفق المعلومات الآتية من الجرود العرسالية، فإن القرار بالحسم العسكري قد اتُخذ والتنفيذ بات قاب قوسين أو أدنى، غير أن مصادر مطلعة على الوضع الميداني، أكدت لـ«البناء»، أن «ما أخّر انطلاق العملية العسكرية في اللحظات الأخيرة هو التحوّل في موقف المجموعات المسلحة التي انقسمت بين خيارَيْ التفاوض أو المواجهة، ففي حين تنحاز «جبهة النصرة»، إلى «القبول بعملية التفاوض وتجنيبها معركة خاسرة»، تتعرّض الجبهة لضغوط من تنظيم «داعش» الذي يريد القتال»، معتبرة «أن قبول النصرة بورقة التفاوض ما هي الا تعرٍّ وكشف ما تبقى لوجودهم».

وفيما حَمّلت «الجبهة» «التنظيم» الذي ينتشر في الجرود، مسؤولية إفشال الصفقة التي يضغط باتجاهها «حزب الله»، بهدف إفراغ المنطقة الحدودية من المدنيين، جاءت عملية «إعادة جزء من العائلات النازحة إلى بلداتها السورية» لتعبّر عن مدى جدية سلوك عملية التفاوض منحى من التسوية المجتزأة»، وهو ما «أخّر العملية العسكرية الحاسمة للجرود وتجنيب المدنيين ويلات الإرهابيين الرافضين لعملية التفاوض من جزء من النصرة وما تبقى من داعش».

وأشارت مصادر لبنانية مطلعة لـ«البناء» الى «أن عملية التفاوض يقودها مسؤول لبناني رسمي وسيط بين الرئاستين الأولى والثالثة وهو مَن أدار عملية التفاوض الأخيرة بإيفاد أحد الشخصيات النافذة والمؤثرة على المسلحين في عرسال وخاصة النصرة، متوسطاً لعودة النازحين وتجنيبهم ثمناً لم يرتكبوه».

ولفتت المعلومات لـ«البناء»، «أن «النازحين السوريين ينتظرون الدفعة الثانية، والتي ستكون مقدمة لإفراغ منطقة عرسال من النازحين السوريين والعودة إلى ديارهم بتنسيق مع الجانب الرسمي السوري».

وعاد ملف العسكريين المخطوفين الى الواجهة، حيث دعا أهالي العسكريين في بيان إلى تحرك تصعيدي ليوجّهوا الصرخة الى المعنيين بحياة العسكريين التسعة المحتجزين.

خطة العهد للنهوض الاقتصادي

في موازاة الهاجس الأمني الذي يتهدّد الوطن من الحدود، يبرز الخطر الاقتصادي في ظل تردي الوضع الذي يحذّر منه الخبراء مع انخفاض مؤشر سوليدير أمس، إلى 7 في المئة وتراجع نسبة النمو الاقتصادي والأزمات المعيشية وتأخّر إنجاز الموازنة وتعاظم عبء النازحين السوريين، وكما أولى رئيس الجمهورية الجانب الأمني أهمية خاصة بإطلاق يد الجيش اللبناني في توجيه الضربات الاستباقية للإرهابيين والدفاع عن الحدود، يولي الجانب الاقتصادي أولوية أيضاً، حيث ينصرف لإطلاق الخطط للنهوض الاقتصادي وسط تصميم وإصرار على تحقيق إنجازات على المستوى الاقتصادي وإنقاذ البلد من الانهيار المحتم في ما لو استمر الوضع على حاله، وذلك عبر طلب مساعدة البنك الدولي لإنشاء مشاريع استثمارية متعددة.

وقال خبراء اقتصاديون لـ«البناء» «إن لبنان يعاني من وضع اقتصادي متدهور ويحتاج الى مساعدة الجهات الدولية وتمويل مالي من خلال قروض بفوائد ميسرة لا تتعدّى الـ 2 في المئة، ولآجال طويلة الأمد مخصصة لمشاريع البنية التحتية التي تحتاج الى تطوير، في قطاع الكهرباء والسدود المائية والصرف الصحي والاتصالات في ظل وجود هذا العدد الكبير من النازحين ما أدّى الى تردي وترهل البنية التحتية، فضلاً عن حاجة لبنان الى مساعدة البنك الدولي أيضاً على صعيد مكافحة الفقر لا سيما في المناطق المكتظة بالنازحين في عكار وطرابلس والبقاع، حيث يتواجد 64 في المئة من النازحين في هذه المناطق التي وصلت نسبة الفقر فيها الى 55 في المئة».

وعن انعكاس زيادة الاستدانة من الخارج على ارتفاع الدين العام في لبنان، تحدث الخبراء عن نوعين من القروض والهبات، «استثمارية للإنتاج لا تؤدي الى زيادة نسبة الدين العام الذي يُقاس نسبة الى حجم الاقتصاد والانتاجية، واستهلاكية تزيد الدين العام، أما المشكلة في الهبات والقروض هو البطء في تنفيذ المشاريع والهدر».

ويتحدث الخبراء أيضاً عن «قروض بقيمة مليار دولار مقدمة من البنك الدولي للبنان، لكنها لم تقبل حتى الآن بسبب رفض قوى سياسية عدة تريد تمويل المشاريع من خزينة الدولة لوجود رقابة من البنك الدولي على كيفية ومدة تنفيذ المشاريع في حين تريد هذه القوى حرية التصرف في التلزيمات والصفقات».

وأعلن الرئيس ميشال عون «أن لبنان في صدد إطلاق خطة اقتصادية شاملة تتضمن رؤية مستقبلية للواقع الاقتصادي في البلاد لتعزيز قطاعات الإنتاج ووضع حد للاقتصاد الريعي»، معتبراً خلال استقباله المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في البنك الدولي ساروج كومار جها أن «الدعم الذي يقدّمه البنك الدولي للبنان دليل ثقة بالإجراءات التي تقوم بها الدولة اللبنانية في إطار عملية النهوض التي بدأت قبل تسعة أشهر».

بدوره أكد كومار جها للرئيس عون «التزام البنك الدولي الاستمرار في مساعدة لبنان، لا سيما بعد عودة الحياة إلى المؤسسات الدستورية إثر انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة وتعزيز الاستقرار والأمن في البلاد»، معلناً «أن البنك الدولي راغب في تعزيز الشراكة الجيدة مع لبنان وأنه خصّص محفظة مالية للمساعدة وفق الأولويات التي يحددها رئيس الجمهورية والحكومة اللبنانية».

وطالب وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بمجلس اقتصادي وزاري دائم «لا يحلّ محل الحكومة لكنه يناقش المشاريع»، مؤكداً أن «لا خوف لدينا لأنّ القدرات الوطنية كبيرة وفي استطاعتنا النهوض بالاقتصاد».

وخلال رعايته إطلاق اللجنة الاقتصادية في «التيار الوطني الحر» الورقة الاقتصادية ومؤتمر الطاقة الوطنية اللبنانية، قال باسيل: «اقتصاد الإنتاج وليس اقتصاد الريع، وهذا عنوان أساسي لرؤيتنا الاقتصادية، نحن نقدّم طرحاً متلازماً وواقعياً يجمع بين تحقيق النمو الاقتصادي والدفع بعجلة الاقتصاد ويكون مردود النمو لمصلحة الجميع، للبيئة، للإنسان، ويربط النمو الاقتصادي بالتنمية الاقتصادية. وهما عنصران متكاملان يقومان على أمر أساسي نعتبره ركيزة المجتمع اللبناني والاقتصادي ألا وهو الطبقة الوسطى ضمن شبكة أمان اجتماعي تعزّز هذا النمو وتخلق فرص عمل وتشجّع الاقتصاد الحر والمنافسة».

ولفت وزير الاقتصاد رائد خوري إلى أنّ الورقة «هي خطة تهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. هي خطة عمل تشبه توجهات الكثير من اللبنانيين». ودعا إلى «تعزيز نقاط الالتقاء والاتفاق بين بعضنا، ولتكن خطة التيار نقطة انطلاق لخطة اقتصادية وطنية شاملة تتناول مختلف القطاعات الاقتصادية الإنتاجية وتحدّد هوية لبنان الاقتصادية، خطة على المدى القصير، المتوسط والطويل».

..وجلسات تشريعية

وعلى الضفة التشريعية، دعا رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى عقد جلسة تشريعية عامة لدرس وإقرار المشاريع واقتراحات القوانين المدرجة على جدول الأعمال، وذلك يومي 18 و19 تموز الحالي نهاراً ومساء.

وأقرّت لجنة المال والموازنة في اجتماعها أمس موازنة وزارة الطاقة وعلّقت البند المتعلّق بمساهمة الوزارة بمركز الطاقة المتجدّدة وقيمته 6 مليارات، طالبة التفاصيل المتعلقة بعمله.

ولفت رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان الى أن «اللجنة ستستمع بشكل منفصل الى مؤسسة كهرباء لبنان في ضوء عجز المؤسسة وتكاليفه على عاتق الدولة والبالغ بحسب أرقام الموازنة 2100 مليار».

كما تعقد اللجنة الاثنين المقبل اجتماعاً مع وزير الطاقة ولجنة فرعية تمثل الكتل كلها، يخصص لدرس توزيع عادل لمشاريع الصرف الصحي والمياه في كل المناطق اللبنانية.

هل تُعلّق المادة 87؟

ورجحت مصادر اللجنة أن تقر الموازنة في نهاية المطاف، إذ إن جميع القوى السياسية يدرك أخطار استمرار الإنفاق من دون موازنة، حيث جمّدت منذ العام 2012، وأوضحت لـ«البناء» أن «اللجنة تستكمل دراسة موازنة باقي الوزارات وبنودها الأخرى وتأخذ بعين الاعتبار أموراً عدة، العجز في الموازنة وحجم الدين العام الذي ارتفع من 50 مليار دولار عام 2010 الى 80 مليار دولار عام 2017، فضلاً عن تأمين التمويل لسلسلة الرتب والرواتب». وأوضحت المصادر النيابية أن «مسألة قطع الحساب تحتاج الى مناقشة دستورية قانونية مالية. ولم يتخذ القرار بعد وهناك خيارات عدة».

بينما قال خبراء اقتصاديون إن «لا سبب لعرقلة إقرار الموازنة التي تتضمن النفقات والإيرادات، لكن المشكلة الوحيدة التي تواجه إقرارها هي قطع الحساب، والحل برأي الخبراء هو توجّه المجلس النيابي الى تعليق العمل بالمادة 87 من الدستور التي تتحدّث عن عدم نشر مشروع موازنة العام الحالي من دون أن يرفق بمشروع قطع حساب العام السابق»، وأشاروا الى أن «الحل بتعليق العمل في هذه المادة لفترة زمنية معينة من دون إسقاط حق الرقابة من ديوان المحاسبة على الحسابات المالية لعام 2015 حتى 2017».

السلسلة تواجه التحديات

على صعيد سلسلة الرتب والرواتب، أوضح الخبراء أنها تواجه تحديات عدة، أولها ارتفاع كلفتها في ظل المطالب والاعتراضات على المبلغ الحالي لا سيما من المتقاعدين العسكريين، وأيضاً لجهة الموارد الضريبية، حيث تعترض الهيئات الاقتصادية على أنواع عدة من الضرائب لا سيما الضريبة على القيمة المضافة وعلى المصارف والعقارات، لكنهم اوضحوا أن الحل بالموارد الانتقائية اي الضرائب التي لا تضر في الاقتصاد ولا بالمواطن، كالضريبة على المصارف والأملاك البحرية ورسوم على التبغ والتنباك والمشروبات الروحية». ولفتوا الى أن «السلسلة ستقر في نهاية المطاف، لأن مصلحة القوى السياسة في إقرارها لأسباب سياسية انتخابية قبيل الانتخابات النيابية العام المقبل».

ولفتت مصادر اللجنة لـ«البناء» إلى أن «السلسلة ستشمل المتقاعدين العسكريين الذين يعتبرون فئة اجتماعية كغيرهم من الفئات، ويجب أن نحقق المساواة بينها»، وأوضحت أن «قوى عدة تعترض على بعض البنود في السلسلة»، ورجّحت المصادر أن تطلب الحكومة سحب مشروع السلسلة من المجلس النيابي لإعادة النظر فيه وتصويب بعض الخلل وإعادته الى المجلس النيابي».

ولفت النائب كنعان الى أننا «مقبلون على اسبوع حاسم وهناك جدّية ونية وإرادة بإنجاز السلسلة والموازنة. وهذه الإرادة موجودة لدينا وقد لمستها اليوم لدى دولة الرئيس نبيه بري».

وخلال لقائه الرئيس بري أضاف كنعان: «اتفقت مع رئيس البري على أنه في ما يخص الحسابات المالية أي قطع الحساب أن هذا الامر يعود للحكومة وكما تعلمون فإن إعداد الحسابات هي من مسؤولية وزارة المال والحكومة التي تحيلها الى المجلس النيابي».

«الفرعية» على «الستين»…

في غضون ذلك، أكد وزير الداخلية نهاد المشنوق بعد زيارة لرئيس الجمهورية أن «الانتخابات الفرعية ستُجرى وفق قانون الستين وفي الدوائر عينها التي أجريت على أساسها الانتخابات السابقة، ويبقى أن يأتوا إلى مجلس الوزراء بالاعتمادات المطلوبة». وأكد في مجال آخر أنّ الإجراءات التي اتخذت سياسيًّا وأمنيًّا، خفّضت نسبة إطلاق النار بنسبة 63 في المئة، مشيراً إلى انّ الحملة الإعلامية والسياسية التي رافقتها وقوى الأمن لعبتا دوراً أساسيًّا في هذا المجال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى