تسوية أيلول المقبل بين إعلان موسكو ونتائج قمة هامبورغ

سومر صالح

تأسيساً على سلسلةٍ من الانتكاسات في التفاهمات الروسية الأميركية بدءاً من التفاهم المشترك على وقف الأعمال القتالية في 22/2/2016 وصدور القرار 2268 عن مجلس الأمن وصولاً إلى تراجع واشنطن عن تفاهمات 15/7/2016 وفشلها في مبادرة لوزان 15/10/2016 ، كان القرار الروسيّ في إيجاد مساراتٍ أخرى بديلة عن التفاهم مع واشنطن حول التسوية في سورية، وعلى هذا الأساس جاء الاجتماع الثلاثي في موسكو 20/12/2016 ليؤسّس لاحقاً لما عُرف بسياق أستانة للحلّ في سورية ضمن رؤية روسية عبّر عنها إعلان موسكو باعتباره الإطار الثلاثي لروسيا وتركيا وإيران الأكثر فاعلية بشأن سورية ، ورغم ثغرات هذا السياق وفقدانه قدرة الضبط الكليّ لفواعل الأزمة ومصادر تأزيمها إلّا أنّه نجح في فرض رؤية موسكو للحلّ في سورية، ولكنّ النتيجة الأهمّ الذي حققها هذا السياق هو جرّ واشنطن مجدّداً إلى دائرة التفاهم مع روسيا وإلّا فبحساب التسويات النهائية فإنّ حصة واشنطن أضحت من نصيب تركيا من التسويات، أمرٌ عجّل في إعادة بناء عجلات التفاهم الأميركيّ الروسيّ في ظلّ براغماتية أميركية في التعاطي مع الأزمة السورية آثرت ضمان النتائج على حسابات صورة أميركا الجديدة في العالم دون تعميم هذا النموذج أميركياً على باقي الملفات المشتركة مع روسيا تأزيماً، ضمن رؤية أميركية جديدها الدخول المباشر على خط الأزمة السورية وتحجيم دور أدواتها الذي أضرّ بمصالح واشنطن عموماً جراء التضارب بين مصالح أدواتها وخير مثال على ذلك تفاهمات روسيا وتركيا في أحد جوانبها، ورغبة قطر في تعميق علاقتها بطهران كنموذجٍ آخر، وضمن ذات الرؤية تدرك واشنطن أنّ موسكو لن تدخل في حرب استنزاف طويلة الأمد في سورية حتى لو اضطرت إلى زيادة فاعليتها الميدانية، وهو ما يعني بالناتج الإجمالي أنّ الأزمة انحسرت وأنّ واشنطن خاسرةٌ ببقائها قوة دافعة ومحركة لأدواتها فقط لا فاعلة في تحريك مجريات الأزمة، من هنا ارتكزت الرؤية الأميركية «الترامبية» في التعاطي مع الملف السوريّ على قاعدتين: القاعدة الأولى التدحرج المحسوب شكلاً ومضموناً بعيداً عن مواجهة واسعة في سورية، والقاعدة الثانية تكريس نتائج هذا التدحرج في تفاهماتٍ مباشرة مع روسيا في سورية، وهو ما بدا جليّاً في تفاهمات دائرة التنف ولاحقاً اتفاق جنوب غرب سورية 7/7/2017 ، وهو ما يعني أنّ إدارة الرئيس ترامب أصبحت فاعلاً مباشراً في مجريات الحدث السوري، واستناداً إلى ذات القاعدة التي أسّست عليها روسيا سياق أستانة، أيّ الأطر الأكثر فاعليةً في الأزمة وبالتالي الأصلح للحلّ، أصبح سياق أستانة بحاجةٍ ماسة لاستمراره إلى تشميل الولايات المتحدة ضمن إطاره الثلاثي ليغدو رباعياً وهو أمر مستحيل الحدوث نظراً لاستحالة الجمع بين طهران وواشنطن بذات الصفة في الأزمة السورية… ضمن حسابات أكثر تعقيداً إذا وسعنا دائرتها الإقليمية، ورغبة واشنطن في نزع صفة «ضامن» عن الدور الإيرانيّ وتحويله إلى عقبةٍ في طريق «السلام» في سورية، لذلك انقسم سياق أستانة إلى إطارين، الإطار الأول هو ترويكا إعلان موسكو أيّ روسيا تركيا وإيران، والإطار الثاني هو ثنائية هامبورغ الروسية الأميركية فيما سمح للأردن بهامش مناورة في الإطارين، وبالتالي تمّت تجزئة مجال العمل الجغرافي لتفاهمات كلّ من السياقين بعد أن كان مقرّراً أن يكون سياق أستانة شاملاً لكلّ الجغرافية السورية – استثناء مناطق عمل ميليشيات قوات سورية الديموقراطية-، أما الآن ومع إطار عمل هامبورغ/ عمان أضحى سياق أستانة بإطار الترويكا محصوراً بمناطق الشمال والوسط ومحيط العاصمة، وسياق هامبورغ/ عمان معنيّ بالمنطقة الجنوبية، ولكنّ الأمر لم يقتصر على هذا الحدّ، فمحاولات واشنطن توسيع نطاق عمل تفاهماتها مع روسيا لتشمل وسط سورية وريف العاصمة مطلع أيلول المقبل وما يسبقه من احتمالٍ لوقف إطلاق النار منتصف آب المقبل في تلك المناطق يعني أنّ سياق أستانة للحلّ العسكري قد تقلّص إلى حدود الجبهة الشمالية غرب الفرات وهذا بحدّ ذاته نسفٌ لأسس إعلان موسكو، وبالتالي جولة أستانة السادسة نهاية آب قد تشهد انحساراً في الزخم وصوغاً جديداً لإعلان موسكو، بشرط نجاح التفاهم الأميركي الروسي الجديد في التوسع لتشمل نطاق تفاهماته الغوطة الشرقية وأرياف حمص الشمالية والشمالية الشرقية، نجاحٌ إذا لم يراع المصالح الإقليمية المتضاربة من شأنه خلق قوى تنافر قد تعيق سياق جينيف للحلّ السياسيّ في سورية، لأنّ نجاح التسويات الأميركية الروسية سيزيد مخاوف أطراف متحاربة في سورية كتركيا وإيران وقطر، التي تبدو علاقتهما جيدة حالياً بتأثير المواجهة مع ذات المحور الخليجي المصري الذي يحاول الهيمنة على إقليم الشرق الأوسط، لذلك ستغدو مهمة التوفيق بين المصالح الإقليمية والدولية على كاهل روسيا أمراً معقداً وصعباً وشاقاً ويجعل من تسوية شاملة أمراً ليس بقريب، مع احتدام الاستقطاب الأميركي الإيراني، الذي سيشعله محاولات واشنطن استغلال اتفاق جنوب غرب سورية لنقل فصائل «ميليشيات» عسكرية إلى منطقة شمال دير الزور استعداداً لفتح معركة الشدادي والبوكمال الأمر الذي يجعل التواصل البري بين طهران دمشق بيروت في مرمى النار الأميركي سواء في دير الزور أو التنف، وهو أمرٌ يرفضه المحور برمّته… وبدوره تغيير منظومة وقواعد السياق العسكري للحلّ سيتبعه حكماً تغيير في القوى الدافعة لمنظومة الحلّ السياسي في جنيف، فلم يعد جنيف ميدانياً للصرف السياسي لتفاهمات أستانة، بقدر ما أصبح ميداناً للصرف السياسي للتفاهم الأميركي الروسي، وهو ما بدأ يتبلور بصيغٍ جديدةٍ كإعادة تفعيل عمل مجموعة الدعم حول سورية SSIG والتي من الممكن أن تحلّ مكانها مبادرة الرئيس الفرنسي ماكرون لمجموعة الاتصال حول الوضع في سورية ما بعد الصراع، وبالتالي «جنيف 8» قد يحمل روحاً جديدة إذا أحسن دي ميستورا ضبط عقارب ساعاته جيداً واختار لحظاتٍ سياسيةٍ مناسبةٍ ودولية إيجابية، وإذا ثبتنا فرضية الصرف السياسيّ للتفاهم الأميركيّ الروسيّ على حساب سياق أستانة بإطار الترويكا فمن المحتمل خلق قوى تنافر قد تعرقل سياق الحلّ السياسيّ تتجسّد في الأطماع التركية، التي قد تتعمّد خلق محور داخل الإقليم لعرقلة تفاهمات روسيا والولايات المتحدة لأنها ستفضي إلى جعل إيران والسعودية قطبا الرحى في السياسة الإقليمية… وهو ما يرفضه نظام أردوغان الباحث عن إمبراطوريته الخاصة منافساً محمد بن سلمان على إمبراطوريته التي يسعى لتشكيلها.

ختاماً، تجزئة الحلّ ضمن مساراتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ منفصلة ومجزأة، على أكثر من حيّزٍ جغرافيّ سلاحٌ ذو حدّين، فقد يكون إيجابياً لأنّه يراعي المصالح المتضاربة وهو شرطٌ لا بدّ منه لإيقاف صبّ الوقود على النار كشرطٍ لإنجاح المسار السياسي وفق رؤية القرار 2254، ولكن الحدّ الثاني قد يحمل في طياته إطالة وقد يكون تكريس أمد الوجود الأجنبيّ الغير شرعيّ على الأرض السورية بذرائع تلك الاتفاقات، وهو أمرٌ ملحّ طرحه على طاولة التفاوض الإقليمي والدولي وهو برسم الضامن الروسي الذي بدأ بسياق أستانة والآن بدأ بشق مسار جديد مع الولايات المتحدة… دون أن ننسى أنّ أمد التفاهمات الروسية مع الولايات المتحدة في سورية قصيرٌ بفعل السياسات الأميركية وتجربة اتفاق 15/7/2016 ما تزال في الأذهان، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات والهواجس حال تكرّر سيناريو ذاك الاتفاق في التسويات الراهنة، لتبقى الأعين شاخصةً إلى أيلول المقبل وما يحمله على صعيد التسويات في السياقين العسكري والسياسي، فثلاث جولات من المفاوضات قادمة أستانة 6، وجنيف 8، وجولة ثانية من تفاهمات هامبورغ/ عمان ، فهل يكون أيلول أبيض على السوريين؟ هذا ما نتمناه، أم أنّ تاريخ العرب مع أيلول سيبقى أسود سياسياً نظراً للمآسي التي مرّت على العرب في هذا الشهر تاريخياً؟ وخصوصاً أنّ المشهد العراقي في أيلول المقبل قادمٌ على احتمال إجراء استفتاء لانفصال كردستان العراق 25/9/2017 ، أمرٌ إنْ حدث سيعقد المشهد كثيراً في سورية لأنّ ردّة الفعل التركية قد تكون غير منضبطة كأن تشنّ عدواناً برياً على سورية في عفرين أو تل رفعت تحت ذريعة مواجهة «المشروع الكردي»، الأمر الذي قد يجهض نهائياً سياق أستانة بإطاره الثلاثي…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى