نهاية النصرة، بداية لأمرٍ آخر

روزانا رمّال

ربما يكون الخبر الأهم بالنسبة للأجهزة اللبنانية الأمنية والمواطنين اللبنانيين على حد سواء الذين عانوا سنوات طويلة من إرهاب الحروب المتعددة والمتنقلة في بلادهم، هو أن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أعلن انتهاء وجود جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في لبنان. وهذا أكثر ما يعنيهم من دون التوقف كثيراً عند المواقف السياسية التي لا تعني كثيراً، بالنسبة للتوازنات الحالية.

لكن ربّما أيضاً لا يعرف اللبنانيون أو لا يتذكّرون أن جبهة النصرة هي الجهة التي نفّذت أولى عملياتها في لبنان في 14 شباط عام 2005، باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، بالأخذ بعين الاعتبار بإعلانها الذي أرسلته إلى قناة الجزيرة في ذلك النهار المشؤوم الذي قلب الموازين اللبنانية رأساً على عقب، وأعلن بداية مرحلة جديدة في لبنان كانت مقدّمة لتنفيذ المشروع الأميركي الذي استكمل اجتياح العراق واستطاع إخراج الجيش السوري من لبنان أواخر نيسان 2005.

كانت جبهة النصرة حينها قد أعلنت عن مسؤوليتها عن تنفيذ العملية تحت اسم جماعة «النصرة والجهاد» – بلاد الشام والشريط لا يزال موجوداً على الشبكة العنكبوتية لمن نسي او تناسى ذلك محلياً.

هي النصرة ذاتها التي لم تصدّق جهات محلية أنها هي المسؤولة عن اغتيال الحريري حينها نفسها التي يدركون أنها فصيل خطير جداً وفصيل إرهابي تابع لتنظيم القاعدة بعد الأزمة السورية وما حلّ بالمنطقة. المهم سياسياً أنه بعد الإعلان عن تنفيذ عملية اغتيل فيها الرئيس الحريري تبدّل المشهد اللبناني وخرجت سورية من لبنان، وكانت النصرة حينها هي مفصل لعنونة المرحلة الجديدة وعناوينها. وحينها بدأ النفوذ السوري في لبنان يتراجع ويتصاعد بمقابله حضور الأميركيين وحلفائهم وبات سفراء الولايات المتحدة، بالتوالي هم الشخصيات التي حكمت المشهد لسنوات مضت عرف منهم السفير جيفري فيلتمان كأبرز المنسقين للمرحلة تلك.

وعليه، وعملاً بالحساب نفسه، فهذا يعني أن نهاية جبهة النصرة هذه المرة في لبنان، هو حدث موازٍ للإعلان عن دخولها في 14 شباط من عام 2005 بتنفيذها العملية الكبرى، أي أن القضاء على آخر عناصر النصرة في الأيام الماضية خلال عملية جرود عرسال هو إعلان لبدء مرحلة سياسية في لبنان. وهي ربما تشبه مرحلة ما قبل العام 2005 بديهياً أو أقرب إليها. وهذا وحده مؤشر ربما على ما يتوجّب على اللاعبين السياسيين قراءته في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن هناك مَن بدأ يُقرّ بهذا المتغير الكبير.

استبق حزب الله الكشف عن هذا المتغير الكبير من خلال الحركة السياسية المريحة محلياً، واستعداده للتعاون والتقارب مع الجميع. وهو الأمر الذي بادله فيه الأفرقاء الأشد خصومة معه كتيار المستقبل، حيث بات التعاون الحكومي مقدمة لتعاونات مستقبلية أخرى بدت أوضح من اي وقت مضى مع تقدم الاتفاقات المحلية، كالاتفاق على قانون انتخاب جديد وقبله اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية. وبالأساس لم تكن عودة الرئيس سعد الحريري على رأس الحكومة اللبنانية ومن الباب العريض إلى لبنان سوى بعد أن تغيّرت كل الموازين التي كانت تعيق هذا الخيار من قبل الطرفين وبعد أن أصبح حزب الله نافذاً جدياً على الساحة المحلية.

النهاية اذاً، هي بداية بمعايير السياسة. واذا كان هذا يعني عودة نفوذ سورية عبر حزب الله هذه المرة، فإن إعلان خصومه عن إدراكهم هذا المتغير بدأ يتتابع استكمالا لمخطط الرئيس سعد الحريري المنسجم مع السعوديين بشكل كبير، فهم أدركوا أن معارضة الحريري لشراكة حزب الله في الحكومة على غرار المرحلة السابقة هي معارضة ضمنية لوجودها غير المباشر في لبنان عبر تيار المستقبل كحليف سياسي يحمل صبغتها. وبالتالي فإنه من غير المتوقع ان تتنازل السعودية عما تبقى من وجود سياسي لها في لبنان، فكان أن سهلت انتخاب عون رئيساً لتسهيل عودة الحريري رئيساً للوزراء.

الأجهزة الأمنية اللبنانية التي كانت تتعقب جبهة النصرة محلياً تدرك ان ما جرى في جرود عرسال لا يعني ان ذيول الإرهاب قد انتهت، لكنها تدرك أيضاً أن المهمة صارت أسهل بفضل العملية التي نفذها حزب الله بالجرود، والتي وصفها رئيس الحكومة سعد الحريري «بالشيء المهم». الخطر الكبير زال عن كاهل الشعب اللبناني، هكذا وصف اللواء عباس ابراهيم مدير عام الامن العام اللبناني ما جرى، وهذا إن دلّ على شيء فهو على الإجماع الاستثنائي الذي استحوذته العملية والذي سيكشف يوماً بعد الآخر عن نتائج ملموسة سياسية.

وبالعودة إلى المرجعية التي يحتار اللبنانيون الى نسبتها عند كل مرحلة تأخذهم إليها متغيرات الأحداث، فإن هذه المرة حيث القتال اللبناني بأيدي عناصر حزب الله، فإن المرجعية التي ستحيط بالمرحلة هذه المرة هي لبنانية بامتياز. وهذه بداية استثنائية لمرحلة سياسية جديدة عبر البعض عن رغبته بالتأقلم معها ضمن تغطية الشراكة الوطنية بالقول عن نجاحات الأفرقاء بقانون الانتخاب على سبيل المثال وانتخاب رئيس للجمهورية أنها بركات الجهود «اللبنانية اللبنانية».

انتهى زمن النصرة وبدأت مرحلة سياسية جديدة أعادت عقارب الساعة الى ما قبل قدومها الى لبنان، واللبيب من الإشارة يفهم ما يجب أن يفهم، لكن هذه المرة بدون الحنين إلى أي وصاية مع التقدّم نحو التأقلم الضروري مع نفوذ محلية من نوع آخر ربما تشبه اللبنانيين وسيادتهم أكثر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى