مسرح العرائس… انطلاقة جديدة على مسرح القبّاني

لورا محمود

الدمية بمعناها المعرفي، أداة قادرة على تطوير أحاسيس ومشاعر خفيّة لدى الطفل، لا سيما عند الفتيات الصغار اللاتي يعتبرنها صديقتهم الأولى، وهي الملجأ الأول للبوح لها والتكلّم معها. فالطفل يتعلّق بدميته التي تشبهه بملامحها من دون أن يدرك ذلك. عالم الدمى هو من أغنى عوالم الطفل لما لهذه الدمى من قدرة على إثارة خياله. ولأنّ الطفل اليوم يحتاج إلى عناية أكبر وفهم أعمق لنفسيته، كان لا بدّ من اختيار الوسيلة الأقرب والأحبّ إليه وهي الدمية.

وسورية لديها تاريخ عريق لمسرح كان يقدّم أهم العروض في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. وكان مسرح الدمى أو مسرح العرائس، من أهمّ المسارح التي تحاكي الطفل، لكن دوره في سنوات الحرب تقلّص، وتلاشى حضوره، واليوم تعمل مديرية المسارح والموسيقى وبرعاية وزارة الثقافة السورية على إعادة إنعاش هذا المسرح المهمّ، من خلال مجموعة نشاطات، لعلّ أهمّها ورشة تصنيع دمى العرائس التي ستنتهي بعرض مسرحيّ في 26 آب الحالي على مسرح القبّاني.

الصبّاغ

وللوقوف على تفاصيل العرض وورشة تصنيع الدمى، التقت «البناء» المهندسة هنادة الصباغ الحاصلة على ماجستير في تصميم الدمى من روسيا، والمسؤولة عن العرض. وحدّثتنا قائلة: نحن بدأنا الورشة في 15 تموز2017، وحدّدنا مدة الورشة خمسة عشر يوماً. والهدف من الورشة أن ننعش مسرح العرائس من جديد ونخطو خطوات متقدّمة في هذا المجال. فأدوات المسرح وتقنياته هنا في سورية ما زالت بدائية، ولم تكن هناك بعثات ترفد الشبان لتعلّم هذا الفن، ولم يُؤتَ بخبراء في هذا المجال. بينما في دول أخرى عربية وأجنبية، تقدّم جدّاً مسرح العرائس. وبسبب غيرتي على هذا مسرح، قرّرنا أن يكون هناك عمل يخصّ مسرح العرائس، وأيضاً قرّرنا أن نتدرّب على نوع دمى جديدة لم نتطرّق إليه من قبل وهو «دمى مسرح الطاولة»، وهذا عمل صعب جدّاً. فهناك ظهور للممثل على الخشبة مع الدمية، وهنا على الممثل أن يفصل حواسه وأن يكون حيادياً وشعوره وتركيزه على الدمية. فنحن نعمل على خطّين: الخط التكنيكي الخاص بالحركة، والخط الثاني هو العاطفة وإيصال الإحساس إلى المتلقّي من خلال الدمية. ولقد عملنا على نوع جديد من الدمى وهي الدمى الورقية أي من دون ملامح للدمية «عين أو أنف أو فم». وهنا يأتي دور الممثل وقدرته على إيصال الإحساس إلى المتلقّي.

وأضافت الصبّاغ: لا بطولة فردية في دمى مسرح الطاولة، بل البطولة جماعية. فالدمية يحرّكها شخصان أو ثلاثة أشخاص وهذا صعب لأنّ الشباب الموجودين لم يتدرّبوا سابقاً على هذا النوع من المسرح. إنّ الورشة تجمع بين شباب مسرح العرائس القدامى الذين لديهم خبرة في مسرح العرائس، وشباب جدد لديهم شغف لهذا العمل، ولديهم تجارب مسرحية ومنهم خرّيجو فنون جميلة وخرّيجو سينوغرافيا، وأيضا معنا الدكتور حازم حداد وهو دكتور في كلية الاعلام. وتقريباً عدد المشاركين في العمل يبلغ 18 شخصاً، وفي البداية كان مشروعنا للأطفال فقط، ولكنني رأيت أن المسرحية تحمل قيمة إنسانية كبيرة تخصّ الكبار أيضاً، فقررنا أن يكون العرض للكبار والصغار. ففي أوروبا هناك مسرح عرائس للصغار والكبار له أهميته وله روّاده، ولقد فوجئنا عندما أعلنّا عن الورشة بعدد المهتمّين والمتقدّمين إلى العمل في هذا المجال، خصوصاً في صفوف المدرّسين والمعالجين النفسيين الذين يعالجون بالدمى.

ولفتت الصبّاغ إلى أنّ مديرية المسارح والموسيقى تريد أن تكون هناك ورش دائمة في المستقبل تخصّ مسرح العرائس. وهناك رغبة لدى المديرية بأن تقدّم أمراً تربوياً من خلال مسرح العرائس الذي هو بالأساس هدفه تربوي وتعليمي. ويوجد دعم كبير من قبلها، فقد رحّبوا بمشروعنا وتبنّوه وقدّموا التسهيلات وأيضاً يدعمون خططاً في المستقبل للنهوض بمسرح العرائس، ليكون هناك مستوى أعلى سواء بالتكنيك أو بالنصوص التي تحترم عقل الطفل، وتنشر ثقافة مسرح الطفل على نطاق أكبر.

أما عن موضوع المسرحية، فقالت الصبّاغ: نحن ركّزنا على مجموعة من الحالات الإنسانية من خلال سكتشات متسلسلة. فقدّمنا حالة حبّ بين شخصين، ثمّ قدّمنا العائلة، ثمّ أطفالاً يلعبون في حارتهم، وأيضاً علاقة بين بنت وشاب يافعَين، ثمّ فكرة امتداد المدينة على الريف. وركّزنا أيضاً على موضوع الهجرة والحنين والعودة إلى الوطن، والطبيعة التي حزنت عندما تركها أولادها. كلّ هذا بنمط إنسانيّ وبطريقة مبسّطة بدمى ورقية، ومن دون كلام، إنما بإحساس الممثل الذي يحرّك الدمية، وبديكور يساعد في إيصال الفكرة، وأيضاً بموسيقى تعبيرية مرافِقة للمَشاهد وضعها الأستاذ سومر القصير.

صعب

أما الممثّلة رنا صعب التي كانت تعمل سابقاً في مسرح العرائس، فرأت أن عمل الممثّل يختلف عن لاعب الدمى. فالممثل يمتلك مجموعة أدوات من جسد وروح وحوار قادر من خلالها على إيصال الفكرة. أما لاعب الدمى فيجب أن يعطي روحاً لهذه الدمية وهذا أمر صعب.

وأضافت أن هذه التجربة مختلفة تماماً عن تجاربها السابقة. فسابقاً عملت على «دمى الجاوى» التي يحرّكها ممثل أو اثنان. أما اليوم فالتجربة مختلفة، فالدمية يحرّكها خمسة ممثلين تقريباً، ويجب أن يكون هناك عمل على عدّة اتجاهات حسّياً وبصرياً. فالعمل تجريدي صامت يعتمد على الموسيقى، والمَشاهد كلّها صامتة. حتى شكل الدمى تجريدي لا ألوان فيها، لذا من الصعب إيصال الفكرة فقط من خلال إيماء الدمية وفصل حواسها وحركاتها. لذا، هي تجربة فريدة، والأستاذة هنادة تعمل بطريقة وتكنيك مختلفين وعمل أقرب إلى العالمية.

خليلي

من ناحيته، محمد خليلي، وهو ممثل في المسرحية وحاصل على ماجستير في السينوغرافيا من جامعة الفنّ في طهران، تحدّث عن المسرحية قائلاً: اليوم نعمل على أمرٍ جديد ومختلف، وللمرّة الأولى يتم طرحه في سورية، وهو مسرح دمى الطاولة الذي يعتمد على عدّة محرّكين للدمى. فيجب أن يكون هناك تكنيك وحسّ عالٍ بين المحرّكين ليكون هناك انسجام متكامل بالشخصية التي نحرّكها، بعيداً عن التشويه. لذا، نحن مطالبون بتمارين للتركيز وزيادة التواصل بين المحرّكين، وهذا أمر متعب جدّاً، ولكن النتائج ممتازة. فكلّ منّا من خلال خبرته قدّم شيئاً لهذه المسرحية.

وتحدّث خليلي عن تجربته في إيران والقريبة إلى مسرح دمى الطاولة، ولكن الاختلاف هو بأن العرض على كامل نطاق الخشبة وبدمى أكبر وبالتكنيك نفسه تقريباً.

ورأى خليلي أنّ هذا النوع من المسرح أصعب من المسرح التقليديّ، لأنّ الشخص يجب أن يفهم آلية الحركة وأن يخلق توازناً في جسده وكيفية توزيع الثقل فيه حتى يعطي حركة واقعية للدمية، لأنّ هناك أكثر من شخص موجود معه، لذا يحتاج إلى مهارة في فهم حركة الجسم ومهارة في التركيز وبناء صلة تفاهم بين المحرّكين الآخرين حتى يكونوا شخصاً واحداً يحرّك دمية. فبهذا العرض نعمل بالحركة ونخلق بالدمية روحاً قادرة على نقل الإحساس إلى المتلقّي.

واعتبر خليلي أنه في سورية يتم التعاطي مع مسرح العرائس على أنه خاص فقط بالطفل، وأيضاً بطريقة لا تحاكي وعي الطفل، وكيف يفكر، وماذا نستطيع أن نقدّم له لينمو بطريقة سويّة. واليوم الفرصة متاحة لنقدّم مسرح العرائس بطريقة عميقة وشاملة لأنه للعائلة وللمجتمع.

أبو جيب

وبدورها، مي أبو جيب، وهي مشاركة في المسرحية وفنانة تشكيلية وترسم وتكتب للأطفال، قالت إنها أعجبت بالفكرة وأرادت المشاركة في تصنيع الدمى، ثم انتقلت أيضاً إلى تحريك الدمية. ووجدت أنّ هذا مهمّ، فلا نستطيع أن نحرّك الدمية إذا لم نصنعها بشكل جيد.

وقالت: أنا ككل الشباب العاملين في المسرحية، أريد إيصال الفكرة ببساطة وبجمالية تحاكي هذا الطفل. وأرجو أن أستطيع ذلك، خصوصاً أنّني أعمل على المعالجة من خلال الفنّ ومن خلال الدمى. فالطفل من خلال حديثه مع دميته يجعلنا قادرين على معرفة ما يجول في قلبه وعقله.

يذكر أن أوّل فرقة لمسرح العرائس في سورية أُسّست عام 1960 حين استقدمت مديرية الفنون في وزارة الثقافة ثلاثة من الخبراء اليوغسلافيين، وأجرت مسابقة لانتقاء لاعبي دمى تقدّم إليها عدد من الشباب الهواة، وتمّ اختيار الأفضل منهم لتكون النواة الأولى لمسرح عرائس دمشق في حي المهاجرين بإدارة الفنان الراحل عبد اللطيف فتحي. الأسماء التي اشتغلت في هذا النوع من المسرح كانت أسماء كبيرة بحق، ومنهم يوسف دهني و تيريز أشقر وياسين بقوش وانتصار شما وتوفيق العشا ويوسف حرب، حيث قدّم هؤلاء عدداً كبيراً من المسرحيات المبنيّة على النصوص المحلية والمقتبسة، بالاعتماد على تقنيات متنوّعة في المسرح منها عرائس القفاز والعصيّ والأقنعة والخيوط، والدمى الكبيرة، والمسرح الأسود الذي يعتمد على الأشعة فوق البنفسجية، إضافة إلى المسرح الإيمائي. لكن البداية الفعلية لمسرح العرائس كانت في نيسان من عام 1961 بمسرحيتَي «البطة ذات التاج الذهبي» تأليف كيرنتوفا و«بيت الدببة الثلاثة» تأليف فوميل رابدان وإخراج التشيكي بوجوكوكوليا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى