الأسد: هزيمة المشروع الغربي لا فرص للتقسيم بوصلتنا فلسطين ومحاربة الإرهاب

كتب المحرّر السياسيّ

خلال ثلاثة أيام أُعلنت ثلاث عمليات نوعية بوجه تنظيم داعش، في القلمون الغربي عملية «إنْ عُدتُم عُدنا» بالتعاون بين الجيش السوري والمقاومة بدأت غروب الجمعة، وفجر السبت بدأت عملية «فجر الجرود» للجيش اللبناني لتحرير جرود القاع ورأس بعلبك، وفجر الأحد أعلنت عملية تحرير تلعفر في العراق في حديث متلفز لرئيس الحكومة حيدر العبادي، بالتعاون بين القوات المسلحة العراقية ومن ضمنها الحشد الشعبي، وخلال ثلاثة أيام بدا أنّ التنظيم الذي شغل العالم بقدراته القتالية وحروبه المتنقلة، قد فَقَد قدرته على القتال، فتهاوت مواقعه في الجبهات دفعة واحدة، وتمكّنت الوحدات المهاجمة من تحقيق إنجازات قياسية بحساب القدرة البشرية والآلية على ملء الفراغ الذي خلفه فرار عناصر التنظيم في مساحات شاسعة.

ضربتان على الرأس تصيبان بالعمى، كما يُقال، فكيف بثلاث؟

تحوّل داعش إلى كيس ملاكمة في هذه الحرب، رغم الأذى الذي تكبّدته القوات المهاجمة بسبب الألغام والمفخّخات،

والانتحاريين، فخسر الجيش اللبناني ثلاثة شهداء وسقط عدد من الجرحى بين المهاجمين في القلمون من الجيش السوري والمقاومة، ومثلهم الجيش العراقي والحشد الشعبي، لكن مصادر عسكرية متابعة لسير المعارك الثلاث قالت لـ«البناء» إنّ الذي يجري يعني أنّ التنظيم من الزاوية العسكرية ينهار، خصوصاً أنه بعد هذه المعارك الثلاث، التي يتوقع أن تنتهي خلال أيام قليلة سيكون مع قدر مواجهة مصيره المحتوم في آخر معقلين، في الرقة ودير الزور، حيث لا مفرّ ولا ملاذ يفاوض عليه للانسحاب، ومعارك اليوم تمهيد لتلك المعارك التي سيتفرّغ له فيها الجيش السوري والمقاومة والحشد الشعبي والجيش العراقي، خصوصاً بعد التواصل الذي سيوفّره الوضع الحدودي بين سورية والعراق بعد معارك تلعفر، وقدرة الجيش السوري والمقاومة على حشد قواهما نحو الشرق بعد تحرير ما تبقى من القلمون، حيث الفرصة المتاحة لداعش الآن للتفاوض على الانسحاب هي آخر فرص الانسحاب من مواقع في الحرب، بعدما قالت المصادر نفسها، إنّ اتصالات بدأت من جانب التنظيم تتحدّث عن طلب لوقف النار واستعداد للانسحاب من القلمون والجرود، ومعهما وجود داعش في ريف دمشق في كلّ من الحجر الأسود ومخيم اليرموك.

الحرب المستمرّة على الإرهاب، كانت العنوان للخطاب الذي ألقاه الرئيس السوري بشار الأسد في وزارة الخارجية بمناسبة انعقاد مؤتمر للدبلوماسيين والإداريين العاملين في الوزارة لرسم التوجّهات ووضع خطط العمل، حيث رفع الرئيس الأسد الحرب على الإرهاب إلى مستوى البوصلة كعامل مقرّر لمناطق التهدئة والحوار السياسي والتسويات المقترحة، وللعلاقات الدولية وفتح السفارات في دمشق والتعاون الأمني مع الحكومات، والمدخل الأساس لرسم مستقبل سورية، حيث وحدتها مقدّسة ولا فرص للتقسيم ولا لقوات احتلال، وتبقى فلسطين البوصلة الأصلية ومعها تحرير الجولان وهوية سورية العربية وتمسكها بخيار المقاومة. وفي السياسة الخارجية رسم الرئيس الأسد معادلتي نفاق الغرب وغطرسته مقابل تواضع الشرق وأخلاقيته، داعياً الدبلوماسية السورية لترجمة التوجّه شرقاً، ولدى الشرق ما نحتاجه اقتصادياً وعلمياً، متوقفاً أمام تعامل كلّ من الغرب والشرق مع سورية كدولة مستقلة، منوّهاً بالحلفاء في روسيا وإيران والصين وحزب الله.

معادلات كرّسها الميدان

خطفت العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش اللبناني في جرود القاع ورأس بعلبك والجيش السوري والمقاومة في القلمون الغربي ضد تنظيم «داعش»، الأضواء الإعلامية واهتمام الوسطين السياسي والشعبي، لما تحمله من أبعادٍ سياسية واستراتيجية وطنية وإقليمية، في ظل الإنجازات الميدانية السريعة التي سجلت في الجبهتين، لا سيما استعادة أكثر من نصف المساحة الذي يسيطر عليها «التنظيم» في الجرود من ضمنها تلال حاكمة ومواقع حاسمة كمعبر الزمراني وتكبيده خسائر فادحة وسط انهيارات في صفوف عناصره وقيادييه الذي سلّم أحدهم نفسه الى المقاومة والجيش السوري ويُدعى «أبو البراء».

وفي المرحلة الثانية من تحرير الجرود على جانبي الحدود من الإرهاب، كرّس الميدان معادلات اعتبرها البعض مجرد نظريات من نسج الخيال ولا وجود لها على أرض الواقع، فثبت قتال الجيش اللبناني والمقاومة المعادلة الذهبية الجيش والشعب والمقاومة وتكاملهما في أرض المعركة. فكما حمى الجيش ظهر المقاومة في معركة جرود عرسال مع «جبهة النصرة»، ها هي المقاومة تحمي ظهر الجيش في معركته مع «داعش» وتخوض غمارها من الجانب السوري وتضع إرهابيي «داعش» بين «فكّي كماشة» ما يساهم في تسريع انتصار الجيش والحدّ من خسائره البشرية.

بينما أكد الميدان أيضاً على وحدة المسار والمصير والدم بين الجيشين اللبناني والسوري وبينهما المقاومة في قتالهم عدواً مشتركاً وعلى أرض متصلة وتوقيت واحد، حيث يجري تنسيق الضرورة بين القوى الثلاث رغم أنف الأميركيين وبعض القوى السياسية في الداخل وإن لم يخرج هذا التنسيق إلى العلن لاعتبارات سياسية.

وللمرة الأولى، تمكّنت المؤسسة العسكرية من استدراج القرار السياسي لى الميدان في معركتها الوطنية، بعد أن استدرجها بعض السياسيين الى الوحول الطائفية والمذهبية وعطّلوا قراراتها أكثر من مرة عدّة وقيّدوا دورها في حماية الحدود، الأمر الذي أبقى المبادرة بيد الإرهاب ومنحه المزيد من الوقت والغطاء للتوسّع وارتكاب الأعمال الإرهابية.

وفي البعد الإقليمي للمعركة، انضم الجيش اللبناني الى الجيشين السوري والعراقي في عملية مكافحة الإرهاب في وقتٍ يحقق الجيش السوري انتصارات هامة وحاسمة في مختلف الجبهات ويستعد الجيش العراقي لتحرير منطقة تلعفر الحدودية بين سورية وتركيا والعراق.

«فجر الجرود» في يومها الثاني

ولليوم الثاني على التوالي من المعركة، تمكّن الجيش اللبناني في وقتٍ قياسي فاق المتوقع من السيطرة على المزيد من التلال الحاكمة ومواقع ومراكز «داعش» وتحرير 80 كلم مربع من الجرود المحتلة، موقعاً 15 قتيلاً من «داعش» وتسليم آخرين أنفسهم لوحدات الجيش بعدما أصابهم الانهيار، بينما سقط ثلاثة شهداء للجيش وجرح آخر بانفجار لغم أرضي بآلية كانت تقلّهم في جرود عرسال.

واستعادت وحدات الجيش مرتفعات ضليل أم الجماعة شمال شرق مرتفعات ضهور الخنزير وعملت على عزل مجموعات داعش في وادي مرطيبا، كما سيطرت على خربة داوود وخربة التينة في جرود رأس بعلبك، وجبل الخشن، في ما عملت وحدات الهندسة على تفكيك الألغام التي تركها التنظيم بعد اندحاره. كما فجّر الجيش سيارتين مفخختين في الجرود قبيل مهاجمتهما موقعاً عسكرياً.

وأعلن الجيش في مؤتمر صحافي في وزارة الدفاع عقده العقيد فادي أبو عيد تحرير 80 كيلومتراً مربعاً من أصل 120». كما أعلن انه تم اليوم تدمير 12 مركزاً للإرهابيين، تحتوي على مغاور وأنفاق، كما تم ضبط أسلحة وذخائر وتفجير سيارة ودراجة نارية مفخختين كانتا تقلّان انتحاريين. وكشف عن استقدام تعزيزات إضافية لحسم المعركة بأسرع وقت ممكن، وأوضح أن المساحة المتبقية من سيطرة داعش تبلغ 40 كيلومتراً مربعاً.

وقال خبراء عسكريون لـ «البناء» إن ما حققه الجيش من الجهة اللبنانية والجيش السوري والمقاومة من الجهة السورية في أقل من 36 ساعة، تقدم هام واستراتيجي وقرّب حسم المعركة لصالح القوى الثلاث التي ربّما تكون خلال أيام. وأشاروا الى أنه «للمرة الأولى ينهار مسلحون داعشيون ويسلمون أنفسهم بهذه الطريقة، ما يعطي أهمية بالغة لعملية التطويق الدائري التي نفّذتها القوى المهاجمة مجتمعة خلال الاسبوعين الماضيين، حيث أطبق الجيش اللبناني السيطرة على المناطق التي حررها حزب الله من النصرة من جرود عرسال الى جرود الفاكهة ومنع داعش من تنفيذ أي اختراق باتجاه عرسال أو مخيمات النازحين في الجرود، بينما قصف الطيران الحربي السوري ومدافع المقاومة مواقع التنظيم من الجانب السوري».

ولفت الخبراء الى أهمية تزامن المعركة بين القوى المهاجمة من الجبهات كافة في ظل عدو مشترك وأرض متصلة ومتداخلة، ما يحتّم هذا التنسيق الميداني الذي لا يستطيع منع حصوله أي اعتبار سياسي، وبالتالي فتح المعركة من القلمون ضيّق الخيارات أمام التنظيم ووفّر على الجيش اللبناني الوقت والكلفة البشرية.

وتفقد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الجرحى العسكريين الذين أصيبوا في العملية، وأعرب عن تمنياته للجرحى بالشفاء العاجل، محيياً تضحياتهم ومقدراً استشهاد رفاق لهم في سبيل تحرير الأراضي اللبنانية الحدودية من الإرهابيين.

قائد الجيش في الميدان

وكان قائد الجيش العماد جوزيف عون أشرف على المعارك ميدانياً، حيث تفقد الوحدات العسكرية المنتشرة في رأس بعلبك وجال على المراكز التي استعادها الجيش من «داعش»، وقام بجولة على المتطوّعات في «المطبخ العسكري».

وكانت العملية العسكرية قد انطلقت فجر السبت الماضي من وزارة الدفاع، بمواكبة رئيس الجمهورية الذي اطّلع بالصورة المباشرة والنقل الحي، على مراحل التقدم. وأجرى اتصالاً مباشراً بقائد القوى العسكرية لعملية «فجر الجرود» قائلاً: «أنا معكم، أتابعكم من غرفة العمليات، عقلنا وقلبنا معكم. أحييكم ولبنان بأسره يتطلع إليكم، وينتظر منكم تحقيق الانتصار».

ولاحقاً شرح مدير التوجيه في الجيش العميد علي قانصوه في مؤتمر صحافي تطورات العملية في يومها الأول، وأكد أن «موضوع العسكريين المخطوفين هو الأولوية قبل أي مفاوضات وسننتصر مهما كلف الأمر، وبدون معرفة تفاصيل عن مصيرهم لا مفاوضات».

«وإن عُدْتُم عُدنا»

وبموازاة ذلك، أحرز الجيش السوري والمقاومة تقدّماً كبيراً في محاور جرود القلمون الغربي بعد معارك مع «داعش» حيث سيطروا على قرنة شعبة القاضي، وقرنة مد محبس، وقرنة تم الزمراني، وواطيات الزمراني، وخربة قر علي، في المحور الجنوبي كما سيطروا على دوّار الشقيع، وسن ميري الجنوبي، وجبل سن فيخا، ومرتفع حرف الموصل، ومعبر فيخا، في المحور الشرقي ما منح القوات الإشراف الناري الكامل على معبر ميرا.

كما استعادوا كلاً من شعبة بيت سليم، وشعبة الزويتينة الغربية في المحور الشمالي. وتمكنوا من تحرير مواقع في قرنة شعبة الشنشار وشعبة الصهريج وحرف الجفر شمالي القلمون الغربي، متقدمين باتجاه مرتفع قرنة الزويتينة على الحدود اللبنانية السورية.

وكان الجيش السوري والمقاومة تمكنوا مع انتهاء اليوم الأول من تحرير 87 كيلومتراً مربعاً من إجمالي المساحة التي يسيطر عليها «داعش» والتي كانت تقدر بأكثر من 155 كيلومتراً مربعاً.

وأفاد قيادي ميداني في المقاومة أن المرحلة الثانية من عمليات تحرير القلمون الغربي ستشهد انهيارات لـ «داعش» في شعبة عجلون، موضحاً أن من شأن السيطرة على معبر الزمراني أن يقطع الإمدادات عن «داعش»، فيما تمّ قطع كل المعابر باستثناء مرطبية.

وقالت مصادر عسكرية مطلعة لـ «البناء»، «إن قوات المقاومة تعمل على تثبيت مواقعها في النقاط التي حررتها من تنظيم داعش»، وتؤكد أن المرحلة الثانية «ستشهد انهياراً كاملاً لداعش في شعبة عجلون، كما أشارت إلى أن تحرير جرود عرسال كان الأساس لمعركة تحرير القلمون». ولفتت إلى أن مسلحي داعش «لديهم إمكانيات وذخائر»، ولفتت إلى «أن حجم القوة المهاجمة أدى إلى انهيار هذه الإمكانيات»، مؤكدة «أن داعش في حالة انهيار كامل».

خيوط تفاوضية و «مهمّة مقدسة»

على صعيد المفاوضات مع «داعش»، تحدثت المعلومات عن خيوط تفاوضية يعمل عليها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، لم تتضح معالمها بعد في ظل احتدام المعركة وإصرار قيادة الجيش على رفض وقف القتال قبل معرفة مصير العسكريين المخطوفين، وكشف مصدر أمني أن «داعش طلب وقف إطلاق النار، لكن الجيش رفض قبل الكشف عن مصير العسكريين المخطوفين»، وأشارت مصادر «البناء» الى أن «هدف العملية العسكرية هو تحرير الجرود من الإرهاب واستعادة العسكريين المخطوفين، وبالتالي الجيش لن يوقف المعركة ولن يدخل بأي تفاوض إلا في خدمة تحقيق هذين الهدفين، ما يعني أن المعركة مستمرة». ورأت المصادر صعوبة في نجاح المفاوضات مع داعش الذي لن ينسحب إلى سورية ويقع في الفخ السوري، إلا في حال دخول الجانب السوري في المفاوضات وتأمين طريق آمن لانسحاب المسلحين مقابل تسليم العسكريين المخطوفين».

وعن رضوخ «داعش» للتفاوض، أوضحت المصادر أن «داعش سيفتح قناة التفاوض عندما تنحصر قيادته الأساسية في بقعة جغرافية ضيّقة ويقتنع بأن لا جدوى من القتال وأنه على حافة الهزيمة، كما حصل مع متزعّم النصرة أبي مالك التلي».

وكشفت مصادر مطلعة لـ «البناء»، أنّ وفد الأمن العام بقيادة اللواء إبراهيم الذي توجه أمس السبت الى الجرود، كان في مهمة «روتينية»، لتضيف، أن الحديث عن وجود جثامين، لم تكن «للعسكريين المخطوفين، إنما مجهولة الهوية وقد تكون لدواعش أو النصرة جرت تصفيتهم»، بعد أن كانت تردّدت معلومات عن وجود جثث ربما تعود الى العسكريّين المخطوفين لدى تنظيم «داعش». وكان اللواء إبراهيم أكد أنّ الأمن العام يقوم مع الجيش بمهمّة مقدّسة، من دون أن يكشف عن تفاصيل إضافيّة.

وقالت مصادر أهالي العسكريين لـ «البناء» إن «المعلومات التي أفاد بها المدعو أبو البراء، غير صحيحة، وليست المرة الأولى التي يُدلي بهذه المعلومات، فقد سبق وتواصلنا معه شخصياً منذ عامين وقال لنا الكلام نفسه، لكنه لم يأت بدليل ملموس».

وفي سياق ذلك، اعتقلت القوى الأمنية اللبنانية في رأس بعلبك منذ أيام قليلة شقيقة «أمير» قاطع الزمراني، أثناء قيامها بالتقاط صور لمواقع القوى الأمنية اللبنانية، وعثر في هاتفها النقال مجموعة كبيرة من الصور لمواقع ودوريات عسكرية وأمنية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى