التحرير الثاني… هزيمة وسقوط أسطورة داعش المزيّفة

حسن حردان

يمكن تلخيص المشهد الميداني، السوري اللبناني العراقي، بالسقوط المدوّي للأسطورة المزيّفة لتنظيم داعش الإرهابي، الذي صوّر بأنه قوة اسطورية لا تُقهر وقادرة على فرض سيطرتها أينما تشاء، بعد أن سيطرت على مساحات شاسعة من الأراضي العراقية والسورية، وأنّ الجيشين العراقي والسوري والمقاومة لا يستطيعون مجابهة هذا التنظيم ومضاهاته في ميدان القتال، فهو يملك مقاتلين أقوياء لا يمكن قهرهم.

هذه الأسطورة المزيّفة جرى تعزيزها عبر بث الخوف والرعب والهلع في أوساط الرأي العام من خلال توزيع داعش صور ومشاهد إعدام الجنود العراقيين والسوريين والمصريين والطيار الأردني، وكذلك ذبح المواطنين الذين يرفضون تأييد داعش وفكره التكفيري، بطريقة مرعبة هدفت الى بث الهلع في صفوف الجيوش العربية والمقاومين ومحاولة إضعاف عزيمتهم على القتال والنيل من معنوياتهم ليسهل على داعش تدميرهم خدمة للعدو الصهيوني ومشروع إعادة تعويم الهيمنة الأميركية على المنطقة والعالم بواسطة الإرهاب الداعشي والقاعدي ذي الصناعة الأميركية، باعتراف القادة والمسؤولين الأميركيين أنفسهم، من هيلاري كلينتون إلى دونالد ترامب وغيرهما من المسؤولين والنواب وضباط الاستخبارات والكتّاب، الذين أقرّوا بذلك في لحظة تخلّ، أو صراع داخلي وتنافس انتخابي، بعد الفشل والإخفاق الأميركي في سورية والعراق، وظهور مؤشرات هزيمة قوى الإرهاب وتهاوي مخططات الدول الاستعمارية الغربية والرجعية التي تقف وراء هذه القوى الإرهابية، إعداداً وتجهيزاً، تدريباً، وتسليحاً، وتمويلاً وتسهيلا.

انهيار أسطورة داعش المزيفة وسقوطها ظهرت بوضوح في معارك الجرود اللبنانية السورية عبر استسلام قيادات وعناصر هذا التنظيم في آخر قلاعهم في أعالي الجرود، ورضوخهم لكامل شروط المقاومة التي أعلن عنها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله قبل أيام، وتتجسّد في الكشف عن مصير العسكريين اللبنانيين المختطفين، والإفراج عن أسرى ضباط وجنود سوريين ومقاومين وجثث شهداء، مقابل ترحيل مَن يريد من عناصر داعش إلى دير الزور، وتسوية أوضاع مَن يريد منهم مع الدولة الوطنية السورية.

كما ظهر سقوط أسطورة داعش في الانهيار السريع لمواقعه في تلعفر والبادية السورية في مؤشر واضح على اقتراب ودنوّ هزيمته التامة والنهائية في كلّ من سورية والعراق، بعد هزيمته الكاملة في السلسلة الشرقية كاملة على طول الحدود السورية اللبنانية.

غير أنّ هذا الانهيار لتنظيم داعش وسقوط أسطورته المزيفة وهزيمته في شهر آب من عام 2017 تذكّرنا بسقوط وتحطيم أسطورة جيش الاحتلال الصهيوني الإرهابي في 14 آب من عام 2006 ونجاح المقاومة بتحقيق النصر التاريخي والاستراتيجي على العدو الصهيوني.

لكن هذا السقوط لأسطورة داعش المزيّفة ما كان ممكناً لولا العوامل التالية:

العامل الأول: إرادة القتال والتصميم من قبل رجال الجيش السوري والمقاومين البواسل والجيش العراقي والحشد الشعبي والجيش اللبناني، على مواجهة الحرب الإرهابية وإسقاط أهدافها. فإرادة القتال هذه، والتصميم على إلحاق الهزيمة بقوى الإرهاب التكفيري على اختلاف مسمّياتها، كانا العامل الأساسي في تحطيم أسطورة الإرهاب الداعشي والقاعدي، وكشف زيف أسطورته.

العامل الثاني: خسارة داعش كلّ عناصر الدعم الخارجي التي كانت تشكل أساس قدرته وتقدّمه، وتؤمّن له استمرار رفد قوته بالدعم العسكري من السلاح والرجال، وكذلك الدعم المالي عبر تجارة النفط. فاليوم بات داعش محاصراً في مناطق تواجده كلّها في سورية والعراق والجرود اللبنانية، فيما الدول التي كانت تدعمه تخلت عنه، أو توقفت عن مواصلة دعمه بعد ظهور مؤشرات انهياره وهزيمته، وقرّرت هذه الدول أن تظهر بمظهر مَن يشارك في تحقيق النصر على داعش.

العامل الثالث: انهيار معنويات عناصر داعش الذين أصبحوا يعانون من اليأس والإحباط نتيجة انهيار دولتهم التي أعلنها أبو بكر البغدادي، وبالتالي فقدان أيّ أمل بالحفاظ على ما تبقى من مناطق سيطرة لهم في سورية والعراق، وقرب انتهاء هذه السيطرة، وسيادة مناخ بأنّ هزيمتهم أصبحت محسومة ومسألة وقت ليس إلاّ.

العامل الرابع: تضعضع وتصدّع تماسك تنظيم داعش واهتزاز اقتناع عناصره بمواصلة القتال حتى الموت وعدم الاستسلام في المعركة، على غرار ما فعلوا في مدينة الموصل، حيث فجّروا أنفسهم ولم يستسلموا. وهذا التصدّع في بنية داعش والاهتزاز في اقتناع عناصره جاءا نتيجة رؤية بعض قيادات داعش يهربون إلى خارج سورية والعراق بمساعدة أميركية، الأمر الذي أثر على استعداد عناصر داعش بالاستمرار في القتال حتى النهاية في الجرود اللبنانية، وانهيارهم السريع في تلعفر. ولهذا وجدنا أنه لأول مرة يستسلم المئات من داعش للمقاومة، ويدخل ما تبقى منهم في الجرود في عملية تفاوض على الاستسلام والرضوخ لشروط المقاومة مقابل النجاة بأنفسهم.

إنّه التحرير الثاني الذي يحققه لبنان، بدحر الإرهابيين التكفيريين عن السلسلة الشرقية كاملة من الحدود اللبنانية السورية، بعد التحرير الأول في 25 أيار من عام 2000، بإجبار جيش الاحتلال الصهيوني على الانسحاب مدحوراً ذليلاً عن معظم المناطق التي كان يحتلها من الجنوب والبقاع الغربي. والاحتفال بهذا النصر والتحرير الجديد، الذي سيعلن رسمياً عنه لحظة رحيل آخر إرهابي عن الجرود. حصل بفضل المعادلة الماسية الرباعية المكوّنة من الجيشين اللبناني والسوري والمقاومة والشعب الواحد في الدولتين. فتحوّلت المعادلة الثلاثية، جيش وشعب ومقاومة، المنتصرة على العدو الصهيوني عام 2000، إلى المعادلة الرباعية المنتصرة على الإرهاب التكفيري. وإزالة تهديده وخطره عن لبنان…

وبانتظار إنهاء وإزالة تهديده وخطره عن سورية بتحرير ما تبقّى من مناطق من سيطرة الإرهابيين. يتأكد بذلك أنّ هذه المعادلة الرباعية هي الضمانة لحماية أمن سورية ولبنان واستقرارهما، وإحباط مخطط الفتنة والقطيعة بين الدولتين، وردع العدوانية والأطماع الصهيونية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى