«لهب وغضب» ترامب يتهاوى أمام التحدّي النووي لـ «كيم جونغ أون»

حافظت «الأزمة الكورية» على دور الصدارة في اهتمامات الساسة الأميركيين، بعد انقضاء عطلتهم الصيفية، وتباينت المواقف لما ينبغي فعله وعاد خطاب التهديد إلى الواجهة والتلويح بأنّ الحرب بالوسائل النووية ليست مستبعدة. مواقف حلفاء واشنطن من الأوروبيّين والآسيويّين أيضاً الرافضة بشدة لحرب لا تبقي ولا تذر حملت البيت الأبيض على تعديل لهجة الخطاب بإبقاء الخيار العسكري قائماً لكنه «ليس الخيار الأول».

سيستعرض قسم التحليل مواقف أبرز القادة الأميركيين، سياسيين وعسكريين، على السواء، وتناول حزمة الخيارات المطروحة لقطبي الأزمة، والإضاءة على موقف الصين بشكل أساسي الذي له مكانة محورية في حسابات واشنطن، وإنْ مكرهة.

كوريا الشمالية

اعتبرت مؤسسة هاريتاج تجربة التفجير النووي لكوريا الشمالية بواسطة قنبلة هيدروجينية بأنها ردّ على «تهديد الرئيس ترامب بإحراقها باللهب والغضب.. بلغت طاقته عشرة أضعاف تجاربها الخمسة السابقة نحو مائة كيلو طن». وأوضحت انه التفجير «النووي الأول في عهد الرئيس ترامب ويترقب العالم كيف سيردّ عليه».

حذر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركيين من التسليم بالسردية النمطية بازدراء البرنامج النووي الكوري واعتبار التفجير الأخير بمثابة «سلوك انتحاري » إذ انّ التفجير الجديد «يزعزع الاستقرار في الإقليم.. يشكل تهديداً للولايات المتحدة مما قد يجرّها لشنّ غارات وقائية». وناشد الأخصائيين النظر بمنظار مختلف لمسلك كوريا الشمالية لا سيما أنّ «جوانب أساسية تتعلق بالتوازن العسكري تشمل كوريا الجنوبية واليابان والصين، بصورة أكبر بكثير مما يتعلق بالولايات المتحدة». وحذر من نشوب حرب «تقليدية شاملة ضدّ كوريا الشمالية.. لما سينجم عنها من تدمير هائل لأراضي كوريا الجنوبية وما ستخلفه من ضحايا هائلة من المدنيين».

شكل التفجير النووي الكوري فرصة لمؤسسة هاريتاج لإعادة النظر برفع الحظر عن التسليح النووي لليابان، لا سيما أنّ الرئيس الكوري الشمالي أثبت قدرته على «تحدّي أسس ومبرّرات الموقف الأميركي في شرقي آسيا.. وكشفه عن انقسام عميق في الفكر الأميركي، وتعريته للخيارات القاسية التي قد تضطر واشنطن تطبيقها». ومضى بالقول انّ التجارب النووية المتتالية «تدفع اليابان لإنتاج سلاح نووي خاص بها.. يعززه اعتقاد الخبراء انّ الأمر سيستغرق بضعة أشهر فقط لعبور اليابان من مرحلة اتخاذ القرار لإنجاز السلاح». وأضاف انه في ظلّ هذا المناخ المتردّي «من المرجح ان تسعى كوريا الجنوبية وتايوان الاقتداء باليابان».

أعرب صندوق مارشال الألماني عن شكوكه في أخذ رئيس كوريا الشمالية «خطاب الرئيس الأميركي بإحالة بلاده الى كتلة من اللهب وسط غضب» أميركي على محمل الجدّ، بل ما آل إليه التهديد هو «ترويع الأوروبيين.. وشكل إقلاعاً عن المقولة المتبعة باعتماد توازن بين خطابي الإدانة والتسويف»، في ما يخصّ كوريا الشمالية، الذي عبّر عنه وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر في مقال نشره في يومية «وول ستريت جورنال»، وأوضح أنّ الأزمة بالنسبة للأوروبيين فهي تجري في بلاد نائية، بيد أنّ التحوّلات المتسارعة فرضت على القارة الأوروبية التعامل معها لما تنذر به من «مخاطر تصعيد عسكري.. وتصرف أميركي لا يمكنها التنبّؤ به راهناً». وشدّد على ضرورة تخطي الأوروبيين الحساسيات الآتية من الشط المقابل للمحيط الأطلسي «وتعزيز سبل التعاون» مع أميركا «بغية دعم جهود لحلّ سلمي للأزمة الكورية».

سورية

جدّد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية لفت الأنظار الى مآساة المهجرين السوريين في أماكن إقامتهم المكتظة في تركيا، والتي تشكل «جزءاً من الصورة الأشمل» بتسليطه الضوء على «النجاح الذي حققه بعضهم على الصعيد التجاري كدليل على استفادة تركيا من تداعيات الأزمة». وأوضح انّ «بضعة آلاف من المصالح التجارية المملوكة لسوريين ضخت مئات ملايين الدولارات في الاقتصاد التركي وإيجاد فرص عمل إضافية».

كوريا الشمالية تمضي بثبات للاحتفال بمناسبة حلول الذكرى التاسعة والستين 69 لإنشاء «جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية» ونجاح تجربتها النووية السادسة، غير عابئة بأجواء القلق والترقب في واشنطن وتنفيذ تهديدات الرئيس الأميركي، بأنها ستواجه «لهباً وغضباً»، واكبتها «تسريبات» لوزارة الدفاع عن عزمها تسديد ضربة إستباقية ضدّ المنشآت النووية والصاروخية وإقرارها أيضاً بأنها دأبت منذ زمن إجراء تدريبات عسكرية تحاكي فرضية شنّ عدوان على كوريا الشمالية، شملت استخدام السلاح النووي.

التخمينات الأميركية الراهنة تفيد بأنّ «بيونغ يانغ» في صدد إجراء تجربة جديدة بصواريخ باليستية «كما هي العادة»، لا سيما بعد تعهّد مسؤوليها بإرسال «صناديق هدايا للإمبرياليين الأميركيين». في المقابل، سدنة القرار السياسي الأميركي ماضون لوضع اللمسات الأخيرة على اعتماد «حزمة من العقوبات الديبلوماسية والعسكرية» تمّ إعدادها في غضون أيام معدودة تتضمّن «شنّ هجمات إلكترونية ضدّ المنشآت الكورية وتصعيد جهود المراقبة والعمليات الإستخباراتية». حسبما أفاد مسؤول رفيع في البيت الأبيض.

التصنيف والردّ

بخلاف التوقعات والتحليلات العسكرية، أحجمت واشنطن عن إعلان تقييمها للتجربة الكورية عما إذا كانت لقنبلة هيدروجينية ذات مرحلتين من الانفجار، كما يعتقد، وهي أشدّ فتكاً ودماراً من السلاح النووي التقليدي، أم لنمط تفجير أقلّ وطأة، وما يستدعيه ذلك من ردّ انتقامي واكتفت بالإشارة أنّ المعطيات المتوفرة تدلّ على حدوث «تجربة نووية متطوّرة.. إنشطار معزز للذرة». بل سمحت البنتاغون لوكالة «اسوشييتدبرس» الأميركية للأنباء، 7 أيلول، القول بأنّ «الولايات المتحدة لا تجادل كوريا الشمالية في زعمها بإجرائها تجربة على قنبلة هيدروجينية».

الحليف الياباني الوفي للولايات المتحدة أيضاً أطلق تصريحاً متزامناً مشابهاً جاء على لسان وزير الدفاع ايتسونوري اونوديرا بقوله «لا نستطيع استبعاد فرضية أنّ التجربة كانت لقنبلة هيدروجينية» مطمئناً مواطنيه بالتزامات بلاده المنضوية «تحت المظلة النووية الأميركية».

«الإنشطار المعزز» في التقنية النووية يستخدم نظائر الهيدروجين المخصب، تريتيوم ودوتيريوم، في عملية التفاعل الإنشطاري لتتحد مع ذرات الهيليوم وإطلاق النيوترونات التي تعزز عملية التفاعل في المرحلة الأولى، ينتج عنها طاقة نشطة من الانشطار. الخيار الآخر، كما يقول علماء الذرة، هو اعتماد كوريا الشمالية النموذج الروسي الماثل في طبقات مركبة متبادلة من مواد انشطارية مادة الكعكة الصفراء وأخرى انصهارية للحصول على طاقة نشطة.

ناتج الطاقة في المرحلة الأخيرة مكوّن من نبض كهرومغناطيسي «عالي المردود»، يطلق أشعة غاما في الغلاف الجوي، باستطاعته تحييد وتعطيل شبكات توليد الطاقة الكهربائية والاجهزة الالكترونية، بل إلحاق الضرر بالاسلاك الناقلة للطاقة الكهربائية.

أما الخطط والإعدادات العسكرية الأميركية فهي ماضية على قدم وساق «منذ عدة سنوات.. جرى فيها اختبار الفرضيات المعدة لظروف مختلفة وصقل الخطط الحربية»، على ضوء الدروس المستفادة، وفق تصريح أحد كبار العسكريين في مقرّ إقامته بكوريا الجنوبية لأسبوعية «فورين بوليسي»، 7 أيلول الحالي. مضيفا أنّ الآلة العسكرية الأميركية الهائلة كفيلة بشلّ حركة قوات الخصم، بيد أنّ أحد مباعث القلق الأميركي هو «شبكات الأنفاق الكورية التي تتفوّق كثيراً عما شهدناه في أفغانستان أو فييتنام».

المسألة المحورية في الأزمة المتبلورة الراهنة تستدعي المقاربة الهادئة والتحلي بالدقة لسبر أغوار مطبخ القرار السياسي الأميركي، وفصل «الحنطة عن الزوان». الإدارة الراهنة، أسوة بمن سبقها، تتميّز بأغلبية من الصقور والداعين للحرب في مطبخ القرار، يقابلها عدد محدود يتضاءل مع مرور الزمن متوخياً اعتماد السبل الديبلوماسية. أما الغلبة لأيّ من الفريقين فتميل إلى ترجيح منطق الصقور، وليس بالضرورة المضيّ بتنفيذ تهديداته على الفور، استناداً الى معايير واعتبارات حساسة تؤثر مباشرة على الاستراتيجية الكونية الأميركية، من أبرز عناوينها عملاقي الصين وروسيا وفي حديقتهما الخلفية.

ضربة استباقية وليس وقائية

فرضية الصقور ومواليهم على امتداد المؤسسة الأميركية تخاطب الهاجس الأمني للعامة، والذي أضحى أشدّ تأييداً لسياساتها دون مساءلة منذ إطلاقها «الحرب العالمية على الإرهاب». أقطاب المؤسسة البارزين لا يتوانون عن التحريض وعدم المراهنة على «الفرضية السائدة بأنّ كوريا الشمالية لا تستطيع تهديد الاراضي الأميركية، اذ أنّ التسليم بذلك سيكون خطأً استراتيجياً ذو أبعاد تاريخية».

يفضل المسؤولون الأميركيون «إطلاق التصريحات دون الكشف عن هويتهم»، سواء في المؤسسات الاستخباراتية أو العسكرية. البعض منهم أوضح لشبكة «أن بي سي» للتلفزة، 8 أيلول الحالي، أنّ «استخدام الولايات المتحدة أسلحتها النووية ضدّ كوريا الشمالية احتمال وارد لكنه بعيد.. لا سيما أنه لا يحظى بتأييد محلي أو لدى الحلفاء الدوليين». أما إن طرأ أيّ تغيير «دراماتيكي» او القيام بخطوات استفزازية نحو كوريا الشمالية، فسيحضر ذلك الخيار بقوة تشفي غليل المؤسسة الإستخباراتية والأمنية.

نائب مدير وكالة الإستخبارات المركزية السابق، مايكل موريل، لم يخفِ نواياه بشنّ عدوان عسكري في المدى القريب. واوضح في مقال نشرته يومية «واشنطن بوست»، 6 أيلول الحالي، مجاهراً بمخالفته «الرأي السائد»، بأنّ بيونغ يانغ ليس باستطاعتها استهداف الأراضي الأميركية. وأكد على يقينه بأنّ «كوريا الشمالية قد تمتلك القدرة التقنية في الوقت الراهن لإجراء تجربة على هجوم نووي ناجح ضدّ الولايات المتحدة.. أما مجرد كوريا الشمالية لم تثبت حتى الآن مدى قدرتها لا يعني أنها تفتقدها». ومضى بتأكيده استناداً إلى المعلومات الاستخباراتية المحظورة أنّ كوريا الشمالية «أثبتت في تجربتيها الأخيرتين على صواريخها العابرة للقارات بأنّ مداها يصل الى مدينة شيكاغو».

المدير السابق لجهاز الإستخبارات الوطني، جيمس كلابر، يشاطر موريل في «يقينه» حول قدرة بيونغ يانغ الوصول للأراضي الأميركية وفق رواية الأخير.

أما ما يبغي موريل وأقرانه الوصول إليه فهو إرساء مبرّرات واقعية لدى الشعب الأميركي والتمهيد لتقبّله شنّ «حرب عسكرية إستباقية» ضدّ كوريا الشمالية «دون المخاطرة بقيام بيونغ يانغ تسديد غارة نووية»، جازماً أنه «بالإمكان تنفيذ هذا المخطط دون تعريض الولايات المتحدة للخطر».

مراهنة واشنطن

تصعيد الأزمة مع كوريا الشمالية، منذ بدء ولاية الرئيس ترامب، وفّر مناخاً مناسباً لواشنطن لتخطي تحفظات حلفائها في سيؤول وطوكيو بنشر بطاريات صواريخ اعتراضية من طراز ثاد التي تعارضها بشدة كلّ من بكين وموسكو. ونجحت في استدراج كوريا الجنوبية بموافقتها على نشر «أربعة منصات إطلاق إضافية» لصواريخ ثاد ، ليصبح عددها الإجمالي ستة منصات داخل الخدمة.

واقع الحال أنّ تلك النظم من البطاريات المضادة للصواريخ «لا يمكن الإعتماد عليها»، وفق تقييم خبراء المؤسسة العسكرية الأميركية عينها. وتتمثل الخشية من ميل أعضاء الكونغرس بمجلسيه للموافقة على صرف ميزانيات إضافية للتزوّد بالسلاح المضادّ للصواريخ.

الموازنة السنوية لشؤون الدفاع لعام 2018 تتضمّن بنداً ينصّ على تخصيص موارد مالية تكفي لشراء «28 بطارية» ثاد لنشرها في أراضي ولاية ألاسكا، إضافة لحث الكونغرس للبنتاغون الإعداد لشراء 100 بطارية أخرى لنشرها في مناطق متعددة من الولايات المتحدة.

الكلفة الإجمالية، مرة أخرى، للبطاريات المنتشرة في أراضي ولايتي ألاسكا وكاليفورنيا تجاوزت 40 مليار دولار، وعددها 36 منصة، وفق بيانات وزارة الدفاع.

باستطاعتنا القول، إستناداً إلى المعطيات العسكرية في وزارة الدفاع الأميركية، إنّ الترسانتة الأميركية لا يتوفر لديها سلاح فعال لاعتراض الصواريخ بنسبة نجاح عالية ولا تملك إلا استمرار المراهنة على نشر بطاريات ومنصات إطلاق باهظة الكلفة وذات مردود ضئيل، في أفضل الأحوال.

يشار في هذا الصدد إلى إصرار إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن إعتماد نظم ثاد قبل التيقن ميدانياً من فعاليته المطلوبة إذ بلغت نسبة الفشل 50 في سلسلة تجارب «خضعت لتصاميم واختبارات مضمونة النتائج».

دوائر صنع القرار تدرك مثالب ومواطن الضعف في تركيبة نظم السلاح، خاصة أنّ شهادة هيئة التجارب الصاروخية التابعة للبنتاغون أوضحت في تقييمها عام 2016 أنّ ذلك «البرنامج ينطوي على قدرات محدودة للدفاع عن الأراضي الأميركية » فضلاً عن التقارير العملياتية المحايدة التي وصفت منصات ثاد بأنّ أداءها «غير كافٍ للبرهنة على قدرة عملياتية مفيدة للدفاع».

خيارات الطرفين

إذا نحّينا جانباً دور الصين وروسيا في التأثير على مسار الأزمة النهائي، يتبيّن كم هي محدودة الخيارات المتاحة للطرفين، ومقلقة لأبعد الحدود على الصعيد الكوني برمته.

في ما يخصّ كوريا الشمالية، من منظار أميركي صرف، باستطاعتها شنّ حرب تطال التواجد الأميركي براً وبحراً بالقرب من أراضي شبه الجزيرة الكورية، ودخول أراضي خصمها الجنوبي عبر «سلسلة متقنة من الأنفاق السرية» وإلحاق أضرار كبيرة في البنى الإقتصادية والعمرانية يعززها سلاح مدفعيتها «المدمّر». إضافة لسلاحها النووي فإنّ القلق الأميركي له ما يبرّره وفق تقديراته لقدرات كوريا الشمالية التي «استثمرت في أسلحة بيولوجية وكيميائية وإلكترونية منذ انتهاء الحرب الكورية»، مطلع خمسينيات القرن الماضي.

التقارير الأميركية الرسمية تفيد بأنّ لدى بيونغ يانغ مخزون من الأسلحة الكيميائية يتراوح حجمه من 2,500 الى 5,000 طن يتضمّن غاز الأعصاب سارين و VX ومادة الجمرة الخبيثة أنثراكس .

أما الخيارات الأميركية، فترسانتها العسكرية متضخمة بأحدث ما تنتجها الصناعات العسكرية المختلفة: براً وجواً وبحراً وإلكترونياً، فضلاً عن الترسانة النووية والقنابل الخارقة للتحصينات. تجدر الإشارة إلى أنّ كراس «خطة الحرب» الأميركية سالف الذكر تفادى النظر باستخدام السلاح النووي من الجانب الأميركي، دون استبعاده.

سلاح بحريتها في المنطقة يضمّ «ما بين 70 الى 80 سفن مدمّرة وطوافات وغواصات تتبع الأسطول السابع». بيد انّ القطع البحرية المختلفة تعاني من إعياء طواقمها وتراجع أدائها كما أوضح تقرير صدر حديثاً عن هيئة محايدة، مكتب المحاسبة الحكومي، حزيران 2017، جاء فيه انّ «8 من مجمل 11 مدمّرة وفرقاطة مرابطة في مياه اليابان انتهت مدة صلاحيتها العملياتية للتنقل والملاحة البحرية، والقيام بمهام حرب جوية وفي أعماق البحار».

أميركا قد تلجأ لإستفزاز كوريا الشمالية، كما يُتداول في واشنطن، بغية إيجاد المبرّر لاستخدام سلاحها النووي على نطاق محدود، في ساحة مليئة بالأسلحة النووية، مدركة أنّ قواتها العسكرية في كوريا الجنوبية ستكون ضحية سريعة للحرب «في يومها الأول»، واستغلال ذلك ذريعة لإطالة أمد الحرب التدميرية بحجة الثأر لضحاياها.

الولايات المتحدة لا تخفي قلقها من الموقف الصيني «الغامض». الصين أرسلت إشارة عابرة لطمأنة واشنطن في صحيفة «غلوبال تايمز»، المقرّبة من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، بأنها «لن تهبّ لنجدة كوريا الشمالية إنْ كانت هي البادئة في إطلاق صواريخ باليستية تهدّد الولايات المتحدة». واشنطن اعتبرت ذلك مؤشراً على تفضيل بكين للمسار الديبلوماسي لتفادي أهوال حرب نووية.

خيارات واشنطن «العملية» تتمحور حول الحلول الديبلوماسية، وفق ما يتسرّب عن المقرّبين من الرئيس ترامب، مدللين على ذلك بنقطة التحوّل في خطابه أثناء استقباله لضيفه أمير الكويت الزائر بالقول إنّ الخيار العسكري ليس الخيار الأول بالنسبة له «لا أفضل السير باتجاه السبل العسكرية».

الخيار الدائم الحضور في جعبة واشنطن هو المقاطعة وإنزال العقوبات الاقتصادية، الذي لم يؤتِ أكله أمام كوريا الشمالية، باعتراف السياسيين الأميركيين أنفسهم. اللافت في التوجهات «الديبلوماسية» الأخيرة ما صدر عن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس قائلاً: «لا تخلو جعبتنا من الحلول الديبلوماسية مطلقاً». التصريح له دلالاته البعيدة لا سيما أنّ المصدر هو أحد أضلع مثلث عسكري يتحكم بالقرار السياسي.

السياسة الأميركية المعلنة، منذ ثلاثة عقود، تدعو في مناسبات متباعدة لإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية. في المقابل يطالب بعض الساسة والعسكريين إرسال معدات «نووية تكتيكية» لكوريا الجنوبية رغم تناقض ذلك مع تعهّدات واشنطن المعلنة.

كما باستطاعة واشنطن تسخير هيئة الأمم المتحدة لخدمة مخططاتها في الحالة الكورية، واستصدار قرار أممي يتيح تفتيش السفن التجارية المتجة والمغادرة من موانئ كوريا الشمالية إضافة لما يجري تداوله من اتخاذ إجراءات مماثلة ضدّ المصارف الصينية التي تتعامل مع كوريا الشمالية «وما ينطوي عليها من مخاطر ديبلوماسية» مع بيجنغ.

نشرة دورية تصدر عن وحدة «رصد النخب الفكرية» في مركز الدراسات الأميركية والعربية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى