«Iron sky»… أضخم إنتاج سينمائي أسترالي ـ فنلندي مشترك

سامر منصور

ظهر إلى العلن عبر اتلاريخ الحديث، عدد من الأفلام التي تسخر من الساسة الأميركيين، ولعل أشهر هذه الأفلام، «السلاح العاري». ومن أقواها وأضخمها إنتاجاً، فيلم الخيال العلمي الكوميدي «Iron sky» من إخراج تيمو فورنسولا.

وتُعدّ أفلام الخيال العلمي الكوميدية حالات نادرة، وتبدأ قصة الفيلم في زمن مستقبليّ، حيث تهبط مركبة أميركية على سطح القمر كي تساهم في إعادة انتخاب رئيسة الولايات المتحدة الأميركية، والتي تقصّدت أن تخطو أقدام أميركية على القمر بعد 50 سنة على الزيارة الأخيرة. وتقصّدت أن تكون وفق تعبيرها «أوّل من يرسل زنجياً إلى القمر». وقد أدّى الدور الممثل كريستوفر كيربي. ولكن المفاجأة أنّ هناك حياة إنسانية في الجانب المظلم من القمر، دمّرت المركبة الأميركية وألقت القبض على رائد الفضاء «الزنجي» واشنطن . ليتبين لاحقاً أنّ سكان القمر ليسوا سوى نازيين هربوا إلى القمر منذ عقود، وأقاموا قواعد سرّية. ولكن منهجهم الأيديولوجي أبقاهم متخلّفين رغم حالة الأمن والاستقرار التي يعيشونها، ورغم توفر الموارد الطبيعية بشكل هائل لإقامة أيّ صناعة.

وفي ظل هيمنة النرجسية على العقل الجمعي لذلك المجتمع، ينوي شاب طموح يدعى «كلاوس أدلر» وقد أدّى دوره أودو كيير، أن يغزو كوكب الأرض ويكون «الرايخ» الجديد. ولا يستطيع النازيون فهم كيف قامت الولايات المتحدة بإرسال «زنجيّ» وكيف تحكمها امرأة. لكن «كلاوس» يركز على زعم «واشنطن» بأنه يعرف رئيسة الولايات المتحدة الأميركية، ويطالبه بمرافقته إلى الأرض كي يرشده إليها وييسّر له مقابلتها كي يخيرها بين القبول بالفكر النازي أو انتظار غزو وإبادة. لكن النازيين العنصريين لا يحتملون فكرة تنقّلهم مع رجل «أسود»، لذلك يحقنونه بمواد يكون من شأنها أن تجعله أبيض البشرة، فيصاب بالصدمة ويثور غضباً، ولا يستطيعون فهم سبب غضبهِ، ويمنّون عليه أن جعلوه أبيض.

ثمّ يعمل «كلاوس» على اختطاف مديرة الحملة الانتخابية لرئيسة الولايات المتحدة، وقد أدت الدور بيتا سيرجنت، وهي فتاة ثرية نزقة الطباع تمثّل الرأسمالية الأميركية. ولا تستوعب أنّ «كلاوس» نازي، لا بل تجد فيه كاريزما وتجد في الحالة الشوفينية والفكر النازي الذي تطرحه خطيبته «ريناتا» جوليا ديتزيه حول جعل الأمة، أمة عظيمة تقود العالم نحو ما هو أفضل. تجد فيه خطاباً نموذجياً وتطرحه على رئيسة الولايات المتحدة التي تتبنّاه على الفور لحملتها الانتخابية. وهكذا، يجد «كلاوس» العنصري النازي نفسه كجزء من المنظومة الرأسمالية الإعلامية الأميركية بمنتهى البساطة، ويتماهى معها ويعيش حياة البذخ والرفاهية، وينشغل عن مهمته التمهيدية للغزو النازي. ويصبح على علاقة جسدية بمديرة الحملة الانتخابية. لكن النازيين يبادرون بالغزو بأطباقهم الطائرة، وحين تشاهد رئيسة الولايات المتحدة مَشاهد الحرب والدمار في المدن الأميركية تفرح وتقول: «كل الرؤساء الذين جرت في عهدهم حروب أعيد انتخابهم».

يجتمع قادة العالم وتكشف رئيسة الولايات المتحدة عن امتلاك بلادها سفينة حربية متطوّرة، رغم أن ذلك خرق لاتفاقيات الحدّ من أسلحة الدمار الشامل وبرامج غزو الفضاء. وسرعان ما يكشف قادة العالم عن امتلاكهم أسلحة فائقة مشابهة في مشهد طريف يعرّي النفاق الدولي وانعدام الثقة بين قادة أمم الجنس البشري. وينجح العالم مجتمعاً في التصدّي لغزو النازيين وتدمير قواتهم العسكرية. لكن الماكينة الحربية للولايات المتحدة الأميركية تذهب إلى القمر رغم انتهاء الخطر وتقصف بالأسلحة النووية المجتمع النازي هناك، في إشارة إلى قصف اليابان بالقنابل الذّرية. وبعد تحقيق النصر يكتشف الحلفاء أن هناك عنصراً طبيعياً جديداً كان يستغلّه النازيون. وتعلن الولايات المتحدة أنها ستحتكر القمر، وهذا من شأنه أن يحطّم أحلام الدول الكبرى الراغبة في البقاء ضمن حيّز التنافس معها. فينقلب الحلفاء إلى أعداء، ويخوضون حرباً عالمية مدمّرة، كلٌّ ليمنع الآخر من الحصول على مصدر الطاقة الجديدة الهائل. ويتم ذلك في مشهد ختاميّ متقن وطريف يُظهر أنّ العقل الجمعي لكلّ أمة من أمم الأرض، ما زال في مرحلة الصبيانية والمراهقة.

وحتى على صعيد الشخصيات الرئيسة، لم يكن هناك بطل للفيلم، ومرّ ذلك من دون أن يلاحظه المُشاهد، وهذا يُحتسب لكاتبة السيناريو جوانا سينسالو. ولم تكن هناك بطولة موزّعة، بل جاء الفيلم حرفياً بِلا بطل ضمن المفهوم الرائج للبطل. فكل الشخصيات الرئيسة فيه كانت مُختلّة بطريقة أو بأخرى. وحتى «ريناتا» كانت ساذجة وتعاني من بَلادة في تفهّم الواقع. ويؤخذ على الفيلم أنه، رغم تكاليفه المرتفعة، جاء مفكّكاً على أكثر من صعيد. ولم يكن هناك ربط كافٍ أو انتقال انسيابيّ بين المَشاهد. وقد اعتمد مخرج الفيلم على ممثلين عادة ما يؤدّون أدواراً ثانوية. فجاء أداء معظمهم مُبتذلاً. ولم يصل الفيلم إلى التوفيق بين الدراما والكوميديا، فلا هو مُقنع على الصعيد الدرامي ولا هو مضحك. ولا يكفي ورود أفكار هامة لجعل عمل ما عملاً فنيّاً. فالفنّ هو فكرة هامة وطريقة متكاملة ومبتكرة لتقديم هذه الفكرة.

كاتب فلسطينيّ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى