«البناء» تنشر الأدلة الكاملة على جرم الخيانة والتعامل مع العدو الصهيوني 2 والأخيرة

يوسف الصايغ

فعل الإجرام ينطبق على كل من تعامل مع العدو وحرّضه على احتلال بلده، وساعده على فوز قواته. والدستور اللبناني واضح في هذا الخصوص ومواد العقوبات تجرّم كل من يتواصل مع العدو، والنيل من هيبة الدولة ومؤسساتها وإذلال أبنائها. والقانون في هذه الحالة واضح لجهة تجريم كل من يتآمر ضد بلده وشعبه. وخير دليل على ما سبق وذكرناه، قيام عدد من المحامين بتقديم كتاب ملاحظات إلى النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي سمير حمود، تضمّن مطالبة بالدفاع عن حق المجتمع بمقاومة الاحتلال «الإسرائيلي» وحق المتضرّرين من ذلك الاحتلال بالمطالبة بحقوقهم.

واستند كتاب الملاحظات، إلى نصوص دستورية وقانونية، تشكل أسباباً موجبة ووجيهة للأخذ بها، باعتبار أن «أي حكم يصدر بإدانة الفعل الحاصل يشكّل إدانة لفعل المقاومة لصالح جرم العمالة، بما لذلك من تداعيات خطيرة تؤثر على صورة لبنان المقاوم، وعلى المقاومة التي قدّمت آلاف الشهداء لتحرير لبنان من رجس هذا الاحتلال».

وبناء عليه، فإن ما قام به الأمين حبيب الشرتوني هو فعل مقاومة، وهذا الفعل أدّى إلى إسقاط المشروع «الإسرائيلي» الذي كان مرسوماً للبنان والمنطقة، لذا، فإن العدالة هي بأن يُكرّم المقاومون وتُطلق أسماؤهم على الجادات والمؤسسات الرسمية تخليداً لبطولتهم.

إنه لمن المؤسف أننا نناقش اليوم او نسعى الى تبيان مشروعية عمل أو فعل نص القانون اللبناني على غرار مختلف القوانين في العالم، على اعتباره فعلا يحمل في طياته كل قصد شريف المادة 196 من قانون العقوبات ، خصوصاً أن ما حصل في 14 أيلول من العام 1982 كان هدفه سياسياً بامتياز المادة 193 من قانون العقوبات ، لجهة منع تحقيق مشروع خطير كان يسعى الى إلحاق لبنان بكيان العدو وجعله إحدى محمياته، وحديقة خلفية لاستكمال مخطط إسقاط المنطقة في القبضة «الإسرائيلية».

كما لا بد من الإشارة الى أن قانون العفو الصادر بتاريخ 26/08/1991 أكد في الفقرة ج من المادة رقم 2 أوضح بشكل قاطع على شمول العفو الكامل كل من ارتكب جرماً سياسياً بهدف تحقيق مصلحة عامة لا شخصية، هذا بالضبط ما ينطبق على الفعل الذي نفّذه الأمين حبيب الشرتوني الذي هدف الى وضع حد للمخطط المرسوم لتحويل لبنان الى كانتون مذهبي طائفي، مع كل ما يتطلبه ذلك من خطوات تستهدف استئصال الآخر على اساس مذهبي وطائفي، ولعل سلسلة المجازر التي ارتكبت من قبل بشير الجميل والمجموعات التابعة له، في أكثر من منطقة لبنانية من عينطورة الى الصفرا الى جانب عمليات الخطف على الهوية والتفجيرات واستهداف المدنيين، أبلغ دليل على تنفيذ المخطط المذكور بحذافيره، بما يشبه عمليات التطهير الطائفي التي تحصل في أكثر من دولة في العالم، والتي لا تختلف عن ممارسات تنظيم «داعش» الإرهابي الذي يتماهى في جرائمه ومجازره مع المجازر التي ارتكبها ويرتكبها كيان العدو في فلسطين المحتلة، وما ارتكب في جنوب لبنان من مجازر إبان الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان في العام 82 ولاحقاً من خلال مجازر صبرا وشاتيلا بمشاركة أطراف لبنانية، إلى المجازر التي ارتكبت في قانا والنبطية وحولا، الى ما هنالك من أعمال وحشية والتي تصنف في خانة جرائم الحرب، فهل من ساهم وشارك وسهّل وقوع كل هذه المجازر بريئاً؟!

إن سلسلة الارتكابات والجرائم التي قام بها بشير الجميل والتي استند فيها الى التنسيق الكامل والتعاون التام مع قوات معادية للبنان، والتي يعاقب عليها القانون اللبناني بمختلف مواده تشكل حافزاً لأي مواطن لبناني، الى القيام بما أقدم عليه حبيب الشرتوني من فعل مقاوم هدفه رد الاعتبار لوطنه ودولته القابعة تحت الاحتلال، ما جعل من مؤسساتها القضائية والأمنية معطلة. وبالتالي يصبح أي مواطن صاحب سلطة تخوّله أن يقوم بما يمليه عليه الواجب الوطني من أجل منع استمرار المؤامرة التي يتعرض لها وطنه. وهذا ما يتطابق تماماً وأحكام المادتين 274 و 275 من قانون العقوبات اللبناني، كما أن الأمثلة في هذا الإطار واضحة، فبعد انتصار الثورة الفرنسية على الاحتلال النازي تم الاقتصاص من كل العاملين مع حكومة فيشي من الذين تعاونوا مع المحتل النازي، فكانت المقاومة الفرنسية تقوم بدورها نيابة عن السلطة العامة الحكومة ، التي كانت منحلة بسبب الاحتلال وهذا ما يُسمّى بـ «ممارسة حالة الضرورة»، والتي تتطابق مع العمل الذي قام به الأمين حبيب الشرتوني في ظل تغييب مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية.

العدالة تقتضي بأن لا يصدر أي حكم بمن أنقذ لبنان من المشروع الصهيوني الذي تجسّد بالعملاء والخونة.

في هذا القسم الثاني والأخير من كتاب «للحقيقة والتاريخ» أضواء على الدوافع السياسية والوطنية وراء مقتل بشير الجميل.

الفصل الخامس: المقاومة.

في منتصف شهر أيلول من العام 1982، كان جنوب لبنان وجبَله والساحل وصولاً إلى العاصمة بيروت، تحت الاحتلال «الإسرائيلي» الذي حقّق حلمه بدخول ثاني عاصمة عربية بمساعدة ومؤازرة ومواكبة واشتراك ميليشيا القوات اللبنانية بقيادة بشير الجميّل، المباشرة والفعّالة. قام هذا الاحتلال ونتيجة اجتياحة بتحقيق إحدى غايات تعامل بشير الجميّل ومنذ سنوات، بتنصيب هذا الأخير وفي ظلّ مهزلة انتخابية كرئيس للبنان في ظلّ وجود رئيس صوري واقعي للجمهورية الياس سركيس، الذي لم تكن قد انتهت ولايته بعد، ونتج عن الاحتلال تدمير شامل لمؤسسات الدولة السياسية والعسكرية القضائية والأمنيّة والاقتصادية والاجتماعية. هذا التدمير الذي بدأته الميليشيات الحزبية ومنها ميليشيا حزب الكتائب برئاسة بشير الجميّل، منذ العام 1976، وصل إلى ذروته في العام 1982 إثر دخول جيش العدو «الإسرائيلي» إلى مباني تلك المؤسسات وصولاً إلى باحة القصر الجمهوري، وفي ظلّ القصف والخطف والتصفيات ورائحة جثث آلاف الشهداء من المدنيّين الذين سقطوا نتيجة الاجتياح.

وأمام مشهد الزغاريد والرقص والفرح بحصار ما كان يُعرَف بـ «بيروت الغربية وقتل أبنائها»، ورؤية جنود الاحتلال في شوارع البلاد.

في ظلّ كلّ ذلك، دوّى انفجار هائل في محلّة الأشرفية نجم عنه مقتل بشير الجميّل، العائد مؤخّراً من زيارة للأرض المحتلة إثر تنصيبه رئيساً للجمهورية ومقابلته قياداتها السياسية والعسكرية، مع نفر من مناصريه ومؤيّديه، تلك الزيارة التي قيل عنها الكثير الكثير منها أنّها كانت لشكر «إسرائيل» على اجتياحها واحتلالها وتنصيبها إيّاه كرئيس مؤيّد كلياً لها، محقّقة بذلك حلمه وحلمها، أو زيارة عمل لوضع برنامج للمرحلة المقبلة بنتيجة التعامل بين بشير الجميّل والعدو «الإسرائيلي».

وأيّاً كانت الأقاويل والتكهّنات وجميعها صائبة، فإنّه من الثابت أنّ هذه الزيارة التي تلت عملية التنصيب جاءت تأكيداً وإصراراً ممّن قام بها على استمرار جرمه المتمادي بخرق الدستور اللبناني ومخالفة القوانين الملزمة، ومنها قانون العقوبات، والتي تحدّد عدوّ لبنان وترتّب نتائج جرمية وعقوبات صارمة بجرائم منها الخيانة العظمى، بحق كلّ من قام بهذه الأعمال التي باشرها بسنوات عدّة قبل ذلك، وأثمرت علاقات متينة مع العدو على الصعد العسكرية، من تدريب وتسليح وتنسيق ومالية ولوجستيّة ومخابراتيّة، التي تمثّلت بالزيارات المتبادلة وفتح مراكز للمخابرات «الإسرائيلية» في بعض المناطق اللبنانية، وفتح أبواب المرافئ في مناطق سيطرة تلك الميليشيات لزيارات وفود العدو وقادته، وتُوّجت في العام 1982 باجتياح الأراضي اللبنانية وتدمير القرى والبُنى التحتيّة وقتل آلاف اللبنانيين وتشريد وخطف العديد من أبنائه وتصفيتهم، وتدمير مؤسّساته وفرض أمر واقع للاحتلال، منها تنصيب مَن قام بفعل الخيانة وخرق الدستور والقوانين، وعن وعي وإدراك وإصرار كرئيس منتخب للجمهورية، مع فتح معتقلات ومراكز تعذيب وتحقيق.

إذاً، في ظلّ كلّ ذلك والغياب المطلق لمؤسسات الدولة وتنامي حالات التعامل مع العدو والتعاون معه لتحقيق مآربه ولو على حساب الشعب والمجتمع والدولة اللبنانية، ومآرب مَن قام بها تحقيقاً لغاية شخصية وصفها القانون «بالدنيئة»، وما كان ليصل إليها لولا ذلك الاحتلال والتعاون معه، وتحت شعار كلّ «مواطن خفير» في مثل تلك الحالات، قام الأمين حبيب الشرتوني بواجبه كمواطن بحقّ رئيس منصَّب من العدو «الإسرائيلي». هذا الرئيس الذي ذهب في علاقاته مع «إسرائيل» إلى أبعد الحدود، معتمداً أساليبها من مجازر وقتل وخطف وتفجير، مؤيّداً مآربها ومقاصدها وربطها ببرنامجه السياسي وحلمه وغايته، فجاء فعل الأمين حبيب الشرتوني دفاعاً عن حق المجتمع والدولة، وفعل أوجبته ضرورة الدفاع عن المجتمع وبدافع «شريف»، كما أطلق القانون على مثل هذه الأوضاع.

أولاً: مقدّمة لا بدّ منها: 1ـ في وصف الفعل الحاصل بتاريخ 14 أيلول 1982.

الجريمة السياسية.

– على سبيل البحث القانوني وبالمطلق، وبالرغم ممّا سوف نثبته لناحية مشروعيّة الفعل الحاصل، فإنّ ما قام به الأمين حبيب الشرتوني له الصفة السياسية البحتة. ونتطرّق إلى هذا الموضوع من أجل بحث القضية من جوانبها واحتمالاتها كلّها:

– إنّ القانون اللبناني، كما معظم القوانين العالمية، بالإضافة إلى الاجتهاد، يعطي الجرائم السياسية وصفاً استثنائياً وخاصاً، مع عقوبات مختلفة عن عقوبات الجرائم العادية ومخفّفة عنها، وللمحاكمين سياسياً نظام خاص عند تنفيذ عقوبتهم، كما أنّه يحظر تسليمهم في معرض ما يعرف «بالاسترداد» Extradition إلى دولهم.

– أمّا السبب الكامن خلف هذا الواقع، فهو «الدافع الشريف» المفترض عند مرتكب الجرم السياسي وفقاً للمادة /193/ عقوبات ما لم يثبت العكس أي القاعدة هي الدافع الشريف، والاستثناء هو الدافع الدنيء وفق للمادة /196/ عقوبات.

وهكذا، اعتبر الاجتهاد اللبناني «الانتصار للقضية الفلسطينية» يشكّل دافعاً شريفاً، وبالتالي يكون فعل المدّعى عليه من الجرائم السياسية.

«جنايات جبل لبنان – قرار 254/70- العدل 1970 ص 555»

تحديد الدافع السياسي مسألة دقيقة، ويمكن تعريفه بصورة عامّة بأنّه «الحافز والباعث على تحرّك الفاعل نحو تحقيق غاية سياسية، كإزالة حاكم ظالم يسلك نهجاً سياسياً متطرّفاً بدافع إنقاذ البلد منه، أو الحؤول دون وصول شخص إلى مركز السلطة لما يتضمّنه برنامجه من خطر على الكيان السياسي للدولة. ففي هذه الحالات يكون الدافع ليس تحقيق مأرب شخصي للفاعل، بل غاية مجرّدة من المصلحة الشخصية ومرتبطة حسب رأيه بمصلحة المجتمع والوطن».

النظرية العامّة للجريمة مصطفى العوجي ص. 225 و226

وبالتالي، فإنّه من الواضح من الفعل الحاصل ومجمل التحقيقات، أنّ الأمين حبيب الشرتوني نفّذ فعله بحق بشير الجميّل نتيجة تعامل هذا الأخير مع العدو «الإسرائيلي»، والتعاون والتوأمة الاستراتيجية معه، ممّا شكّل ويشكّل خطراً على الكيان السياسي للدولة اللبنانية ومستقبلها، وعلى مكوّنات لبنان.

وكان ذلك من باب ممارسة حقّ الدفاع المشروع عن المجتمع والوطن ككلّ، فكان هذا العمل الشريف بعيداً كلّ البعد عن كلّ «أنانية» ومصلحة شخصية، وفيه الدافع السياسي المرتبط بمصلحة الوطن والمجتمع.

لذلك، فإنّ صحّ اعتبار عمل الأمين حبيب الشرتوني فعلاً معاقباً عليه، فهو فعل يخضع للأحكام التي ترعى الجرم السياسي. وهذا الجرم شمله بكلّ حال قانون العفو الصادر بتاريخ 28/3/1991، والذي ورد في المادة الثانية منه الفقرة ج.

يُعفى عفواً كاملاً عن الجرائم الآتية:

ج- الجرائم السياسية، والتي ترتدي طابعاً سياسياً عامّاً أو محلّياً، بما فيها جرائم القتل لدوافع سياسية، شرط أن لا تكون ارتُكبت لغاية أو منفعة شخصية، على أن يبتّ بالموضوع المرجع القضائي الواضع يده على الدعوى.

إنّ قانون العفو وفقاً لما ورد فيه أعلاه، فإنّه بالرغم من استثنائه من أحكامه الجرائم المُحالة على المجلس العدلي، فقد أكّد في المادة /2/ فقرة /ج/ بأنّه يتوجّب على المرجع القضائي المختص، من دون أن يستثني منه المجلس العدلي، بأن يبتّ بطبيعة الجرم، فإذا كان القتلُ لدافع سياسي، كما هو حاصل في قضية الأمين حبيب الشرتوني، فإنّه يتوجّب عليه وقف الملاحقة بحقّه عملاً بالمادة /2/ المذكورة التي تُعفي عفواً كاملاً عن الجرائم السياسية.

فيكون فعل الأمين حبيب الشرتوني المنفّذ بدافع سياسي ثابت وشريف، لا تشوبه أيّة منفعة شخصية ومشمولاً بالعفو.

وبالتالي، فإنّ الاستثناء الوارد في المادة /3/ من قانون العفو ينطبق حكماً وحتماً على مَن كان دافعه لارتكاب الجرم دافعاً شخصياً دنيئاً، ولغير غايات سياسية.

2 ـ الدافع لقيام الأمين حبيب الشرتوني بقتل بشير الجميّل.

– أكّد الأمين حبيب الشرتوني في التحقيقات معه، أنّ الدافع لعمله هو تعاون المجني عليه ومنذ سنوات مع العدو «الإسرائيلي» وأجهزته، تحقيقاً لبرنامجه المُعادي للعرب والمتضمّن تصفية الشعب الفلسطيني على أرضٍ لبنان وبأيادٍ لبنانيّة، وذلك تمنّعاً من «إسرائيل» عن تنفيذ القرارات الدوليّة بإعادة هذا الشعب إلى بلاده، وتحقيقاً لبرنامج حزبه الطائفي بإقامة دولة للمسيحيّين برئاسته. الأمر الذي سينتج عنه تدمير الدولة اللبنانية وتجزئة أراضيها، والدخول في حروب أهلية لا تنتهي، تكون نتيجتها القضاء على مكوّنات لبنان.

– إنّ سياق الأحداث، وتعامل بشير مع العدو «الإسرائيلي»، وتقديم كافّة التسهيلات له لاحتلال لبنان وتنصيبه رئيساً، يجعله هدفاً لأكثر من فريق، وقد أدلى أكثر من مسؤول في الحركة الوطنية آنذاك من بينهم الشهيد جورج حاوي، بأنّه كان يسعى لقتل بشير الجميّل إلا أنّ حبيب الشرتوني سبقه.

– إنّ الاجتياح وتنصيب بشير الجميّل رئيساً، سرّع في التنفيذ واستباقاً لتسلّم هذا الأخير مهامّه، ممّا كان سيصعّب الأمور، خصوصاً عند نشوء مؤسسات للدولة وتحت السيطرة التامّة للاحتلال «الإسرائيلي» وبقيادة أكبر عملائه الذي خان الوطن والدستور والقوانين.

– لقد أوضح الأمين حبيب الشرتوني في التحقيق معه، الأسباب والدوافع التي حملته على تنفيذ فعله بقرار ذاتيّ، والسبب الوحيد والأساسي هو تعامل هذا الأخير مع أعداء لبنان وقتل أبناء شعبه، والثابت بأنّه لم تكن تربط بشير الجميّل أيّة علاقة شخصية أو ثأريّة أو ماليّة، ومن أيّ نوع كان، بحبيب الشرتوني.

3ـ هل كان بشير الجميّل، واستطراداً يتمتّع بالصفة الدستورية كرئيس للجمهورية بتاريخ مقتله؟

– المادة /49/ من الدستور تنصّ على أنّه «لا يجوز انتخاب أحد كرئيس للجمهورية ما لم يكن حائزاً على الشروط التي تؤهّله للنيابة».

ومن هذه الموانع عدم ارتكابه أفعالاً مصنّفة قانوناً أفعالاً جرميّة شائنة، ومنها الخيانة.

إنّ المادة /73/ من الدستور تنصّ على التئام المجلس النيابي قبل مدة شهرين على الأكثر وشهر على الأقل من انتهاء ولاية أيّ رئيس للجمهورية لانتخاب رئيس جديد، وخلال هذه المدّة لا يمكن القول بوجود رئيسين للجمهورية، إذ يظلّ صاحب الصفة الدستورية يمارس صلاحياته كاملة منفرداً ولحين انتهاء ولايته.

– أمّا المادة /50/ من الدستور، فهي تنصّ على وجوب قيام الرئيس المنتخب بتأدية اليمين الدستوريّة أمام المجلس النيابي بتاريخ انتهاء ولاية الرئيس السابق، ثم ينتقل بعدها لاستلام الحكم في القصر الجمهوري من الرئيس السابق وفي الدقيقة الأخيرة لانتهاء الولاية، وقبل ذلك يبقى رئيساً منتخباً، وهذا ما أكّد عليه القرار الاتهامي.

خلاصة الأمر:

بشير الجميّل بتاريخ الاغتيال لم يكن يتمتّع بالصفة الدستورية، كما أنّه لم تكن هناك أيّة علاقة لانتخابه أو شخصه أو عائلته بالعملية التي نفّذها الأمين حبيب الشرتوني بسبب تعامل بشير بصفاته الشخصية والسياسية والحزبية مع عدو للدولة اللبنانية.

4 ـ في الأفعال الجنائيّة التي ارتكبها بشير الجميّل:

– ارتكب بشير الجميّل، كما هو ثابت من القليل الذي أوردناه سابقاً، وهو غيضٌ من فيض من أفعاله ومنذ سنوات، الجرائم المتمادية والمتعاقبة التالية:

– في جرم المادة /273/ عقوبات:

– كلّ لبناني حمل السلاح على لبنان في صفوف العدو عوقب بالإعدام.

– كلّ لبناني، وإن لم ينتمِ إلى جيشٍ معادٍ، أقدم في زمن الحرب على أعمال عدوان ضدّ لبنان، عوقب بالأشغال الشاقّة المؤبّدة.

– في جرم المادة /274/ عقوبات:

«كلّ لبناني دسّ الدسائس لدى دولة أجنبية أو اتّصل بها ليدفعها إلى مباشرة العدوان على لبنان أو ليوفّر لها الوسائل إلى ذلك، عوقب بالأشغال الشاقّة المؤبّدة، وإذا أفضى فعله إلى نتيجة عوقب بالإعدام».

وهذه الأفعال ثابتة ومؤكّدة باعترافات العديد من جماعة بشير الجميّل ومنهم جوزف أبو خليل عضو المكتب السياسي الكتائبي للصحافة، وفي كتبهم ووثائقهم ومذكّراتهم بقيامهم مع بشير الجميّل، أو منفردين، بزيارات متكرّرة للأرض المحتلة والاجتماع بقيادات العدو «الإسرائيلي» العسكرية والسياسية لتأمين الأموال والتسلّح والتدريب والتجهيز لميليشيا هذا الحزب.

وهذه الزيارات، كما حضور «الإسرائيليين» إلى لبنان عبر المرافئ التي كانت تسيطر عليها هذه الميليشيا، كانت تهدف لتأمين المصالح المشتركة للفريقين، وأدّت إلى وضع خطة مشتركة، بتشجيع من القيادة الكتائبيّة، مع القيادة «الإسرائيلية» لدخول جيشها إلى لبنان لتحقيق هذه الأهداف، أي وضع اليد على لبنان ومؤسساته وتنصيب رئيس من أعوانهم هو بشير الجميّل رئيساً للجمهورية، وإنشاء نظام تابع لـ»إسرائيل» يحقّق أهدافها الأمنية والسياسية، فكان الاجتياح وآثاره التي امتدّت حتى العام 2000، وما نتج عنه من تدمير للبُنى التحتية والممتلكات ومؤسسات الدولة، وكلّ ذلك بتشيجع وغطاء كامل من بشير ومعاونيه.

– كما نصّت المادة /275/ عقوبات:

«كلّ لبناني دسّ الدسائس لدى العدو أو اتصل به ليعاونه بأيّ وجه كان على فوز قوّاته عوقب بالإعدام».

– كما تنصّ المادة /278/ عقوبات:

«كلّ لبناني قدّم مسكناً أو طعاماً لجندي من جنود الأعداء يعمل للاستكشاف أو أجرى اتصالاً مع أحد الجنود والجواسيس أو العملاء وهو على بيّنة من أمره، يُعاقب بالأشغال الشاقّة المؤقتة».

وقد أنشأت مخابرات العدو الموساد مراكز عدّة بمساعدة من ميليشيا بشير الجميّل، لا سيّما منها مركز دائم لها في المتن الشمالي بحماية وحراسة تلك الميليشيا.

– كما تنصّ المادة /295/ عقوبات:

من قام في لبنان في زمن الحرب أو عند توقّع نشوبها بدعاوة ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبيّة، عوقب بالاعتقال المؤقّت.

– في هذا السياق، لا بدّ لنا من العودة إلى الدعوات والشعارات التي أطلقها بشير الجميّل، وبصفته قائداً للميليشيا الأقوى مسيحياً، أبرزها:

«أمن المجتمع المسيحي فوق كلّ اعتبار»، وسواه من الشعارات التي تحت سقفها وفي ظلّها نُفّذت مجازر عديدة، بدءاً ممّا عُرف بالسبت الأسود وكان جميع ضحاياه من العمال اللبنانيين من طائفة معيّنة في مرفأ بيروت، ومروراً بمجازر مخيمات تلّ الزعتر وجسر الباشا وضبيّه، وأغلبيّة ضحايا المجازر من اللبنانيين والفلسطينيين، ومعظمهم من المدنيين الذين كانوا يعملون على الهروب من أماكن القتال، وصولاً إلى مجازر إهدن والصفرا وضحاياهما من طائفة بشير الجميّل ومذهبه نفسيهما، مع التذكير ولو تكراراً بمجازر عينطورة ـ المتن، واغتيالات منصورية المتن التي طالت لبنانيين مدنيّين آمنين ذنبهم الوحيد أنّهم ينتمون لفكر عقائديّ قوميّ علمانيّ وحدويّ يرتكز على مبدأ المواطنيّة، مناقض لمشروع بشير الجميّل المتمثّل «بالتوأمة» مع المشروع «الإسرائيلي» الذي يعمل على تجزئة الدول وإنشاء دويلات طائفيّة مكانها وتأجيج الحروب الأهلية المستمرة.

– بشير الجميّل الذي كان أداة للعدو «الإسرائيلي» الذي هجّر الفلسطينيين إلى لبنان، لم يستعمل علاقاته مع «إسرائيل» لإعادة الفلسطينيّين إلى بلادهم وقفاً للحرب وحقناً للدماء، بل كان أداة لقتلهم وتدمير لبنان.

والجواب واضح ذلك أنّ التوأمة بين استراتيجية بشير الجميّل في حينه واستراتيجية «الإسرائيلي» كانت تمنع ذلك، إذ إنّ غاية «الإسرائيلي» «إزالة» كلّ من يحمل اسم فلسطين من الوجود، حتى ولو كانت شجرة زيتون، عبر القتل والإبادة والتهجير مجدّداً، وقد أوكل هذه المهمّة في لبنان إلى بشير الجميّل الذي تطوّع لتنفيذها مقابل تحقيق حلم هذا الأخير بالسيطرة على لبنان وإنشاء دولة فئوية تحت إمرته. وهذا الأمر توضّح أكثر على إثر مقتل بشير الجميّل واجتياح المخيمات الفلسطينية ومجازر صبرا وشاتيلا، وبعدها حرب الجبل بين المسيحين والدروز لتعميق الشرخ بين مكوّنات لبنان وخلق حالات النزوح والتقوقع، واستمرار احتلال جزء من الجنوب اللبناني حتى العام 2000، وما رافقه من حروب وتدمير وخطف وقتل وإذلال لسكّان هذه المناطق المحتلة.

– إنّ كلّ ما ورد أعلاه، يؤكّد أنّ أفعالاً جرمية اقترفها بشير الجميّل بشكلٍ متمادٍ ومستمر، وعن وعي وإدراك، ولغايات شخصية وعلى حساب الدولة والمؤسسات والمجتمع، وهي أفعال متمادية يعاقب عليها القانون اللبناني بأقصى العقوبات، منها الإعدام، والإثباتات على هذه الأفعال موثّقة بالمراجع الصادرة عن «إسرائيليين» وأعوان بشير الجميّل في تلك الحقبة.

5ـ السؤال الأخير في هذا السياق

استناداً لأيّة معطيات ومسلّمات أعطى الأمين حبيب الشرتوني لنفسه حق «تطبيق» العقوبات المنصوص عنها أعلاه بحق مرتكب الأفعال العائدة لها؟

– إنّ المبدأ العام هو أنّ تقييم الأفعال وإعطاءها الأوصاف القانونيّة الملائمة، وتقرير العقوبات اللازمة وتنفيذها بالمرتكبين، إنّما يعود إلى السلطة القضائية حصراً، ولا يمكن التنازل عنها أو تجييرها إلى أيّة سلطة أو شخص طبيعي أو معنوي.

– إنّ المبدأ المذكور يطبَّق عندما تكون مؤسسات الدولة القضائية والأمنية والسياسية تعمل بشكل سليم وطبيعي، وبالمساواة بين أفراد المجتمع.

– ولكن، ومن العودة إلى ظروف هذه القضية كما أوضحنا تكراراً أعلاه، نجد أنّه، وباختصار، ومنذ بداية ما عُرِف بالحرب الأهليّة في العام 1976، كان هدف معظم الأفرقاء المتقاتلين السيطرة على مؤسسات الدولة وإداراتها من قِبلهم وفقاً لقناعاتهم وخدمة لمآربهم.

– وقد وصلت حالة انحلال المؤسسات إلى ذروتها مع الاجتياح «الإسرائيلي» في العام 1982 واحتلال عصابات العدو معظم الأراضي اللبنانية، ووضع اليد على أغلبيّة الإدارات والمؤسسات العامّة، ممّا أدّى إلى تعطيل معظم المرافق العامّة وفي مقدّمها القضاء اللبناني، وبالتالي لم يعُد من رادع أمام استباحة القوانين، وبالأخصّ حالات التعامل مع العدو وتأمين مصالحه وغاياته على حساب اللبنانيين والدولة اللبنانية، وهذا التعامل له صفة جرميّة هي «الخيانة العظمى» وعقوبتها الإعدام.

الفصل السادس: أمثلة عن كيفيّة التعامل مع العملاء في عملية التنقية أثناء تحرير فرنسا وبعده من الاحتلال النازي.

إنّ التنقية في فرنسا استهدفت الأشخاص الذين تعاونوا مع سلطات الاحتلال النازي.

عند حصول التحرير قام عدد من المواطنين والمقاومة الفرنسية بعملية تنقية خارج أي إطار قضائي أو قانوني، بلغت حصيلتها تسعة آلاف قتيل.

وبعد فترة من تنظيم الأوضاع، بدأت عملية التنقية القضائية القانونية، فشملت حوالى /300.000/ ملف وصدر فيها /127000/ حكم، وتراوحت الأحكام الصادرة بين السجن خمس سنوات وصولاً إلى إعدام ما لا يقلّ عن 800 متعامل.

وقد طالت عملية التنقية القطاعات كلّها، فبلغ مجموع الإعدامات حوالى /11000/ إعدام.

وكانت عملية التنقية قد بدأت حتى خلال فترة الاحتلال، حيث كان المقاومون ينفّذون عمليات قتل بحقّ المتعاملين، وكانت في بعض الأحيان تتمّ بواسطة محاكم ميدانيّة واقعية «Tribunal de fait»، حتى بعد التحرير كان يتمّ قتل بعض العملاء أثناء انتظارهم لصدور الأحكام عن المحاكم النظاميّة.

حتى أنّ النساء اللواتي كنّ يُقمن علاقات حميمة أو يقدّمن خدمات متنوّعة للمحتل، وبالرغم من أنّ أفعالهنّ المذكورة لا تشكّل جرماً معاقباً عليه قانوناً، وعدم تدخّلهنّ في الأعمال الأمنيّة أو السياسية، تمّت معاقبتهنّ عن طريق تعليقهنّ بواسطة شعر الرأس، في الطرقات والساحات العامّة.

إنّ عملية التنقية طالت كلّ مَن تعامل مع الاحتلال من رأس الهرم، أي كامل حكومة المرشال فيليب بيتان Philipe petain. وفي هذا السياق، لا بدّ من إعطاء مثال صارخ يتعلّق بمحاكمة هذا الأخير. فبالرغم من أن بيتان كان بطلاً من أبطال معركة فردان في الحرب العالمية الأولى، والتي كانت انطلاقة خسارة الإمبراطورية الألمانية لهذه الحرب، ورغم ما قدّمه بعد ذلك من خدمات وتضحيات لوطنه فرنسا في المراكز العديدة التي تبوّأها في الجيش الفرنسي، فإنّ الشعب الفرنسي لم يغفر له أبداً تعاون حكومته مع المحتلّ الألماني إبّان اجتياح هذا الأخير لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، علماً أنّ هذا التعاون كان تحت شعار «تأمين متطلّبات الشعب الفرنسي» في تلك الفترة فكان استقباله بالشتائم و»البصق عليه» من قِبل الفرنسيين عند عودته إلى فرنسا من ألمانيا، حيث كان محتجزاً من قِبل الألمان إثر انسحابهم من فرنسا، وصولاً إلى محاكمته، والتي حُكم بنتيجتها عليه بالإعدام الذي خُفّض بسبب كبر سنه إلى المؤبّد بجرم الخيانة والتعامل مع المحتل.

وكذلك الحال بالنسبة إلى «لافال» laval، رئيس الجمعية العمومية الفرنسية الذي حُكم عليه بالإعدام بالجرائم عينها.

كما تمّت محاكمة المدراء العامّين، وكل مَن كانت له علاقة أو تولّى مسؤولية في تلك الحكومة.

وحُكم أيضاً بالإعدام عدد كبير من رجال الجيش والجنرالات، منهم pierre esteva jean المسؤول في تونس، Henry dentz المسؤول في سورية، و .Jean de la borde وتمّ تخفيض عقوبتهم للسجن المؤبّد.

كما طالت عملية التنقية المثقفين والصحافيّين الذين اقتصر دورهم على عملية إبداء الرأي أو الكتابة والتنظير للمحتلّ، منهم Georges Suarez مدير جريدة اليوم، Albert le Jeune الذي حُكم بالإعدام وتمّ تنفيذه في 3/1/1945، كذلك الكاتب Gaston Gallimard حُكم بالإعدام ونُفّذ في 6/2/1945.

في الخلاصة، إنّ جميع من تمّت ملاحقتهم أُدينوا بالخيانة العظمى، Indignite national لفترة معيّنة أو لمدى الحياة، بحسب كلّ ملف، لمنعهم من ممارسة حقوقهم السياسية وبعض المهن التي لها تأثير بالسياسة.

كما أنّ عدداً من الذين حصلت أفعال التنقية بحقّهم تقدّموا بدعاوى أمام القضاء، وتمَ رفضها لأنّه لم يتمّ اعتبار أحد منهم كضحية.

علماً أنّ هؤلاء لم يتعاونوا مع العدو قبل احتلال فرنسا، ولم يساعدوه على دخول بلادهم، بل أثناء الاحتلال وليس لمصلحة شخصية، بل بذريعة تأمين مصالح الفرنسيّين اليومية.

موسوعة ويكيبيديا

إنّ الأفعال التي حصلت في فرنسا لا تقارَن مع الأفعال التي قام بها بشير الجميّل، عبر استدعاء عدو لبنان التاريخي ومساعدته على فوز قوّاته وتأمين الإطار السياسي والعسكري والأمني له لتدمير عاصمة لبنان واقتصاده وتجويع وقتل الآلاف من أبنائه، إضافةً إلى المفقودين بهدف مصلحة شخصية دنيئة، ألا وهي وضع اليد على لبنان وإقامة دولة طائفية يحكمها بالحديد والنار.

الفصل السابع: الحق بالمقاومة والحفاظ على الدولة ومؤسساتها والدفاع عن شعبها

– مَن أعطى الأمين حبيب الشرتوني الحق بتنفيذ أحكام القانون؟

من المسلّم به، أنّ مبادئ القانون الجزائي تتعلّق وتتناول سلوك الأفراد والجماعات في سبيل تأمين الاستقرار والأمان للمجتمع وحمايته من كلّ رذيلة وشائبة قد تؤدّي إلى اضطرابه وانحلاله.

والقانون الجزائي يحدّد كلّ فعل جرمي، ويحدّد العقوبة الواجب إنزالها بكلّ مَن يخالف الأحكام القانونية الإلزاميّة.

إنّ الأُسس أعلاه ليست مطلقة ونهائية، بل تأخذ بالحسبان الظروف الموضوعية لكلّ فعل ومسبباته، وهذا ما عُرف عنه بالنيّة الجرميّة كما بالدافع، مفرّقة عند ارتكاب الفعل بين القصد والعمد، وبين الدافع الشريف والدافع الدنيء وحالات الدفاع المشروع والضرورة وسواها، وبالتالي تقرّر تشديد العقوبة أو تخفيفها أو الإعفاء منها، بحسب وقائع كلّ قضية.

إنّ الأمين حبيب الشرتوني في ظلّ غياب الدولة وانحلالها وسيطرة المحتلّ وعملائه على مؤسساتها، وقيامهم بالتعدّي على قوانينها وارتكاب العديد من الجرائم التي لا تُحصى ولا تُعَدّ، وصولاً إلى الخيانة العظمى والاستعانة بأعداء الوطن، مستندين إلى غياب وعدم وجود أيّ رادع أو قوّة شرعية تمنعهم من ذلك لتحقيق مآرب وغايات شخصية تقف خلفها دوافع «دنيئة»، وفقاً للتحديد القانوني.

ومن هنا، عُرف مصطلح «كلّ مواطن خفير» حفاظاً على أدنى المقوّمات اللازمة لحين عودة المؤسسات الشرعية للقيام بمهامّها. وهذا ما جرى فعلياً خلال الاحتلال الألماني لفرنسا، كما أوضحنا سابقاً:

1ـ نعود ونؤكّد بأنّه أثناء الاحتلال النازي لفرنسا أخذت المقاومة الفرنسية الشعبية على عاتقها إنشاء برامج سياسية اقتصادية واجتماعية داخل المجلس الوطني للمقاومة.

Le Conseil national de la Resistance

وذلك في غياب وانحلال المؤسسات الشرعية للدولة الفرنسية نتيجة الاحتلال ومناهضة لحكومة فيشي المتعاون معه، وذلك تحضيراً لمستقبل فرنسا ومؤسساتها بعد انتهاء الاحتلال وقيام المؤسسات العامّة.

2ـ تنفيذ المقاومة، أثناء الاحتلال وبعد زواله، مئات، بل آلاف الأحكام الشعبية بحقّ المتعاملين كما أوضحنا سابقاً بسيطة أم فظيعة ، سواء كانوا من العاملين مع حكومة فيشي أم من المتعاملين العاديين وهذه الأحكام وصلت لحدّ التصفية، ولم تتمّ ملاحقة أي شخص بعد إعادة تكوين مؤسسات الدولة بأيّ جرم استناداً لهذه الأفعالز وهذا حقّ مُعطى لكلّ وطني في ظلّ غياب مؤسسات الدولة العامة، وذلك نيابةً عن السلطة الطبيعية أي الحكومة التي كانت منحلّة في حينه. وهذا ما أُطلق عليه تسمية ممارسة حالة الضرورة والدفاع المشروع، أو تنفيذ أمر تكليف من القانون أو الأمر الشرعي للسلطة.

il peut neanmoins se presenter des situations ou ledit comportement, tout en couservant sa charge de danger, meme tres concrete, est de nature a produire un autre effet plus positive,qui l emporte sur l nconvenient au point de le neutraliser. L acte bieu que normalement incremine peut s en trouve justifie et etre reudu conforme au de droit.

L effet de telles causes de justification etat de nescessite – legitime defense , ordre ou autorisation de la loi, commendement legal de l autorite il importe d y insister, n est pas de faire sortir le comportement du champ penal ou l incirmination l avait place , mais de reconnaitre sa leicite Droit penal general HENNAU et VERHAEGEN- P.150- NO 167 bis

أي إنّ حالة الضرورة وحالة الدفاع المشروع وتصريح أو إذن السلطة والقيادة الشرعية للسلطة، لا تُخرج الفعل المنفّذ تبعاً لأيّ منها من الحقل الجنائي، بل إنّها تصل إلى درجة الاعتراف به كعمل وتصرّف مشروع وقانوني، وتنزع عنه الصفة الجرميّة بحكم القانون، ممّا يجعل من فاعلها خارج كلّ مساءلة قانونية لكونه «مارس حقاً مشروعاً منحه إيّاه القانون».

– وتحت هذا المفهوم، فإنّ ما قام به الأمين حبيب الشرتوني هو حق دفاع مشروع عن المجتمع والنفس ومكوّناتها المادية والمعنوية والإنسانية والسياسية، ممّا ينزع عنه كلّ صفة جرميّة، ويجعل فعله خارج كلّ مساءلة قانونية. وهذا الحق حتى يكون مشروعاً، يجب أن يكون محميّاً من القانون، أي وفق النص القانوني، ولا يتنافى مع المبادئ القانونية والاجتماعية والأخلاقية أي تنفيذ الحكم وفق الحيثيات القانونية المتعلّقة به وبالجرم العائد له، علماً أنّ حق الدفاع المشروع يشكّل في المحصّلة حالة خاصة من «حالة الضرورة» حيث يعمد الفرد، ضحية الاعتداء أو المؤهّل للتعرّض لاعتداء مؤكّد أو محتمل أو داهم على كرامته أو قِيمه الإنسانية وفي وضعية عدم إمكانيّة اللجوء إلى السلطة العامّة، يعمد أو يجد نفسه في وضعية ومبادرة حالة القيام بعمل لدرء هذا الاعتداء، ولو أدى ذلك إلى إلحاق أذى بشخص المعتدي.

La legitime defense ne constitue en somme qu un cas particulier de l etat de necessite ou le sujet, victime, ou temoin d une agression actuelle ou imminente contre une valeur personelle et dauns l impossibilite de faire appel a l autoirite publique, se tourve dans l alternative de subir ou de laisser subir une agression ou d infliger une lesion a la persone de l agresseur

ص 193 رقم 225 المرجع أعلاه.

بمعنى آخر، ما دامت السلطة العامّة غير قادرة على القيام بواجبها في تنفيذ أحكام القوانين ودرء الأخطار عن المجتمع، يحقّ لكلّ فرد فيه اتخاذ الإجراءات عنها لمنع الضرر أياً كان. ولكن، وبمجرّد أن تصبح السلطة قادرة على حماية مواطنيها، وذلك بموجب حقّها الحصري في هذا المجال، يكون أي تصرّف من الأفراد عندها غير قانوني المرجع أعلاه ص. 193 No 225 .

L ouverture du droit de la defense individuelle implique l impossibilite de recourir utilement a l autouite public.

المرجع أعلاه ص 194 No 227

«أمّا وقد قامت الدولة وأخذت على عاقتها واجب حمايته أي الفرد ، فإنّ انفرادها في ممارسة هذا الحق يبقى قائماً ما دامت قادرة عليه. فإذا تعرّض الفرد لظرف لم يكن بإمكان الدولة التدخّل فيه لحمايته، عاد حق ممارسة الحق إليه أي إلى الفرد ، فكما أنّ الفرد يجب على الدولة حمايته، كذلك الدولة بإقرارها حق الدفاع المشروع تكون قد فوّضت ضمناً الفرد حماية نفسه عندما لا تستطيع هي القيام بهذا الواجب».

مصطفى العوجي المسؤولية الجنائية ص 426.

أي أنّ المعادلة هي بسيطة المجتمع المكوّن من أفراد، فوّض الدولة ومؤسساتها سلطة حمايته، وأخذت هذا الموجب وهذه المسؤولية عنه، لكن هذا الأمر يعود حكماً وحتماً إليه، واستناداً إلى حقّه بالدفاع المشروع، وبتفويض حكمي وضمني، عند انحلال مؤسسات وأجهزة الدولة أو تقاعسها أو تمنّعها عن القيام بموجب هذه الحماية له.

«بما أنّ الأفعال التي تقوم بها السلطة في معرض صلاحياتها لا تشكّل جرماً، لذلك لا تتصّف بالجرمية هذه الأفعال عندما يُقدم عليها الأفراد بتفويض من السلطة أي في حال غيابها ، وكأنّهم يقومون بها من طرفها وبِاسمها لمصلحة المجتمع».

المرجع أعلاه ص 435

وبهذا السياق، جاءت المادة رقم /229/ من قانون العقوبات اللبناني.

– وبمقارنة بسيطة بين هذه الآراء الفقهية والأمثلة التاريخية وواقع الحال في لبنان، نجد أنّها تنطبق عليها كلّياً وكأنّها مستنسخة عنها، كما أوردنا سابقاً.

الفصل الثامن: الخلاصة «لقد قتلتُه لأنه باع نفسه لإسرائيل»

كتاب: حبّ وموت في بيروت، ص. 193-194 .

لذلك، نفّذ الأمين حبيب الشرتوني حكم المواد /274/ و/275/ وسواها من قانون العقوبات اللبناني، وفي ظلّ غياب وانحلال مؤسسات الدولة اللبنانية وسيطرة بشير الجميّل وأعوانه عليها، وبتفويض حكمي من المجتمع، فاستعمل بالتالي بكلّ جرأة، حقّه بالدفاع المشروع عن مصلحة الوطن والشعب.

إنّ فعله يستند إلى شرعية ثابتة من المجتمع، ويرفع عنه كلّ فعل جرميّ، وما ردّة الفعل الشعبية المؤيّدة إلا جزء من التأكيد على هذا التفويض وعلى شرعية الحق الذي مارسه حبيب الشرتوني وسبق به الكثيرين ممّن تمنّوا ممارسته. مثل جورج حاوي كما سبق ذكره .

وتأكيداً منه على إيمانه بهذا العمل وعدم وجود أيّ سبب دنيء خلفه أو دافع جرمي، لم يهرب الشرتوني، بل لجأ إلى قريته وانتظر توقيفه بعد أن علم أنّه مشتبه فيه، كما ورد في محضر التحقيق معه، وأمثاله لا يهربون.

ودفع حبيب الشرتوني ثمن فعله البطولي ثماني سنوات في السجن في عهد شقيق بشير الجميّل، من دون أن يعلم سبب عدم إحالته إلى المحاكمة، كما دفع ثمناً كبيراً نتيجة اغتيال أهله وأقاربه بكلّ جبن وخساسة: وهنا الدافع الدنيء عند المتعامل.

– وماذا نجد في التحقيق مع حبيب الشرتوني في هذا السياق:

يؤكّد أنّه مؤمن بمبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يتصف المنتمون إليه بالصلابة والإخلاص، وقد جعلوا منها إيماناً لهم ولعائلتهم.

– معرفتهم التامّة بهويّتهم القومية والعمل على ترسيخها.

– معرفتهم بعدوٍّ وحيد لهم في حقهم وأرضهم ومعتقدهم هو اليهود، الذي يستمدّ عداءه لكلّ الناطقين بالضاد من كتابه، حيث يصفهم بالبهائم، وحقه بإبادتهم والاستيلاء على أرضهم وثرواتهم وتاريخهم.

– عملهم على وحدة بلادهم واسترداد كلّ أرض مغتصبة.

وقد عدّد حبيب الشرتوني في التحقيق معه مجمل المبادئ التي يؤمن بها، والتي جعلت منه مواطناً شريفاً مناقبياً لا طائفياً، متساوياً مع غيره من المواطنين بالحقوق، ومؤمناً بالدولة القويّة والجيش والقضاء وغيرها من الأمور الواردة في محضر التحقيق.

لذلك، وأمام مشاهدته لعمليات الاتصال والتعاون والتآزر مع عدو الوطن، وخرق القوانين الصارمة في هذا المجال والاستهزاء بها، والتنسيق مع العدو للتعدّي على شعبه وأرضه ومجتمعه. هذا الأمر عينه الذي رآه أيضاً العديد من اللبنانيين الوطنيين أمام كلّ ذلك قرّر «الارتقاء إلى درجة البطولة» كما ورد على لسانه في محضر التحقيق ، وقطْع دابر هذا التعامل واستعمال حقّه بالدفاع المشروع وتنفيذ أحكام القانون في ظلّ الغياب الكلّي لمؤسسات الدولة الرادعة.

«وهكذا يتبيّن لنا بأنّ عمل حبيب الشرتوني ناجم عن دافع سياسي من أجل تحقيق غاية شرعية، وقد أكّد حبيب هذا الأمر خلال مراحل التحقيق معه، وأعلن ذلك للصحافة حتى وهو بين أيدي أعدائه من دون تردّد أو خوف، فأثبت بذلك أنّ الحياة بالفعل هي «وقفة عزّ فقط».

كتاب حب وموت في بيروت بربارة نيومان – ص 193 194 .

ممّا يؤكّد شرعية الحق الذي مارسه حبيب الشرتوني بدافع شريف إنقاذاً للوطن والمجتمع وكرامة أبنائه، ممّا يستوجب وقف التعقّبات بحقّه لعدم أحقية ومشروعية وقانونية أيّة إدانة لفعل المقاومة لصالح فعل العمالة، حفاظاً على حق المواطنين المقدّس والمنصوص عنه في الدستور والشرائع الدولية في مواجهة المحتل، وحفاظاً على قدسية المقاومة التي هي أعلى مراتب المواطنية التي يبلغها الإنسان الحرّ المجرّد من أنانيته ومصالحه الشخصية الضيقة.

لذا، كان هذا الكتاب حفاظاً على ذاكرة التاريخ كي لا تغيب في غياهب الباطل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى