العدوان السعودي على لبنان: ضعُف الطالب والمطلوب

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

العنوان المناسب برأيي، الذي يمكن أن نطلقه على التطورات الجديدة وخصوصاً استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، هو «العدوان السعودي على لبنان»، أو «الاجتياح لسيادة لبنان»، من خلال إجبار رئيس الحكومة على الاستقالة بهذه الصورة المهينة وتهديد أمن الوطن واستقراره. كنّا نظنّ لوهلة أنّ السعودية يمكن أن تتجه إلى مستوى جديد من العقلانية والتوازن بعد سنوات من الجنون والعبثية بحرب متوحّشة على اليمن، ودعم مفتوح للإرهابيين لتدمير سورية والعراق، وتدّخل عسكري في البحرين، ومساهمات في تفجير الأوضاع في أكثر من بلد عربي وإسلامي.

كدنا نصدّق مع تشكيل حكومة الرئيس الحريري والتسوية التي حصلت مع العماد عون، والانفتاح على روسيا، أنّ السعودية ستعيد حساباتها في المنطقة، وستتوقف عن مواصلة الحرب على الشعب اليمني، وستكفّ عن مطالبتها برحيل الرئيس الأسد ومساندة المسلحين، وستُحسّن علاقاتها مع الحكومة والشعب العراقيين، وستضمن للبنان أن لا يدخل في أزمات سياسية قاسية.

لكن السعودية خيّبت ظنون وأماني مَن راهن على اتباعها منهجية مغايرة، وعلى تحوّل في المواقف تعود معها العلاقات العربية العربية إلى الهدوء والاستقرار. فهذا ابن سلمان يُفاجئ الجميع بسيفه، ويؤجّج النار في الساحات كلّها، ويوسّع من دائرة الحرائق لتصل إلى لبنان. لقد أراد بخطوته هذه التي أكره فيها رئيس حكومتنا على الاستقالة أن يقول لنا: «الأمر لي». وإنّ بمستطاعي قلب الطاولة على الجميع، وتحريك ماء الفتنة الراكدة، وإغراق البلد في الفوضى، وضرب الاستقرار الاقتصادي والمالي، بل حتى تهديدنا بتحالف عسكري أو استدعاء «إسرائيل» لشنّ عدوان على بلدنا.

بهذه السياسات الرعناء والمجنونة تتحوّل السعودية إلى رأس حربة، وتطلب من حلفائها في لبنان المزيد من تصعيد المواقف السياسية والإعلامية وحتى الأمنية. وعلى اللبنانيين بحسب ما صرّح رجل ابن سلمان المخابراتي السبهان أن يختاروا بين الاستقرار أو حزب الله…!

إنّها الحرب إذاً. يريد ابن سلمان من اللبنانيين أن ينقلبوا على حزب الله الذي دفع شبابه الدماء الغالية كي يعمّ الأمن والاستقرار في بلدهم. ويريد منهم أن يشكلوا حكومة لا وجود لحزب الله فيها، ويطلب منهم أن يضغطوا على رئيس الجمهورية بوجوب الانحياز إلى محوره كي يحظى بالرضا وإلا سيتمّ إسقاطه.

ما هذا الجنون؟ أيظنّ آل سعود أنهم بالمال يمكن أن يشتروا انتصارات؟ أيظنّ هؤلاء أنّ اللبنانيين سينقلبون على أشرف وأطهر الرجال الذين ضحّوا بدمائهم في وجه الإرهاب الإسرائيلي والتكفيري ليبقى لنا الوطن سيداً حراً مستقلاً؟ أيظنّ هؤلاء الأجلاف وقساة القلوب أنّ بإمكانهم أن يدفعوا العدو الإسرائيلي ساعة يشاؤون لشنّ عدوان ينفّس عن غيظهم وكراهيتهم؟ أيظنّ هؤلاء أنّ اللبنانيين سيتخلّون عن رئيس وطني شريف بطل لمجرد أنّ ابن سلمان وزمرته لا يحبونه ولا تناسبهم سياساته؟ أيظنّ هؤلاء أنّ اللبنانيين سيفرّطون بوحدتهم وعيشهم وقوّتهم وتفاهمهم كرمى لعيون مجنون لا يعرف إلا صناعة الحروب والفتن؟

سيعرف ابن سلمان ومعه كلّ مَن تآمر على شعوب أمتنا، وسفك كلّ هذه الدماء البريئة، أنّ بلدنا ليس طوع بنانه بل طوع إرادة المؤمنين الأحرار الشرفاء الوطنيين الذين سيسعون بكلّ قوة لحماية البلد من الأخطار وصونه بالوحدة وبالجيش والشعب والمقاومة. وإن كنّا نعرف أنّه لا يعتبر، ولكن لمن يقرأ من مشى في ركبه نحيله إلى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى