القوات اللبنانية وإيران؟

روزانا رمّال

صار معروفاً أن الأوضاع بين الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ليست على ما يُرام منذ الأزمة التي أدت الى إعلان استقالة الحريري من الرياض، والتي بدا فيها جعجع متحمّساً لهذه الاستقالة على اساس ان نفوذ إيران تصاعد في لبنان، وأنه لم يعد مقبولاً او محمولاً أن تصبح الحكومة جزءاً من أجندة إيران الخارجية. وهي كلها أمور بديهية لمن يرى في القوات اللبنانية حزباً مبدئياً لا يساوم على المبادئ، لكن صار السؤال عن هذه المبادئ جدياً خصوصاً أنه صار يشكل خطراً على شكل وطبيعة التحالفات التي تعهّدت القوات حفظها في وقت تبدو مستعدّة للنكث بها، إذا اقتضت الحاجة. وهي اليوم للإشارة حليفة للتيار الوطني الحر وحليفة لتيار المستقبل وآخرين. وتلعب السياسة وفق المعايير الخاضعة لميزان قوى قد يكون آنياً او ظرفياً وليس استراتيجياً، كما يؤكد المشهد.

ما الذي يدفع القوات اللبانية مثلاً إلى ان تدعم استقالة الحريري وتسلّم آخر كائناً من كان من اجل الوقوف سداً منيعاً بوجه إيران وحلفائها، مع علمها أن للرئيس سعد الحريري حضوراً وازناً في مناطق سنية بارزة، على الرغم من تراجعها؟ وما الذي يضمن للقوات ان ينجح الاسم المقترح أكان من عائلة الحريري او من خارجها في ادارة الزعامة السنية من «الصفر»؟ ولماذا تتحمس لهذه الدرجة؟

التقلّب القواتي الذي صار موضع قلق بالنسبة لأوساط سياسية بازرة يأخذ الى ضرورة التذكير بالتالي:

القوات اللبنانية كانت من أبرز المتحمسين للتواصل مع السفارة الإيرانية من باب الواجب الاجتماعي او الانساني. وهي أول من بادر لتقديم واجب العزاء بالسيد هاشمي رفسنجاني، فما كان من رئيس الحزب سمير جعجع إلا وأرسل ممثلاً عنه، وهو وزير الشؤون الاجتماعية بيار أبي عاصي من أجل التعزية، لكنه كان يرسل إشارات أخرى في ذلك الوقت تحكي عن رغبة تقارب قواتية من إيران. الضروري هنا لفهم المرحلة تلك الحديث عن المرحلة الموازية. وهي تترجم بمرحلة نجاح إيران بالمفاوضات مع الدول الغربية بشأن برنامجها النووي وانفتاح الأوروبيين عليها، فما كان من القوات اللبنانية إلا وترشيح عون وهو مرشح حزب الله «حليف إيران» الى رئاسة الجمهورية، حسب وصف خصومه وتقبل مسألة التقارب من إيران بناء على كل المتغيرات الإقليمية، ومن بينها الانفتاح الاقتصادي، حتى صار التحضير للتعاون التجاري مع إيران من قبل رجال أعمال قواتيين أمراً عادياً وطبيعياً، وبعد أن صارت مسألة فتح أسواق تجارية إيرانية أوروبية مشتركة فكرة واردة.

القوات اللبنانية في تلك الفترة، ونقلاً عن مصادر دبلوماسية رفيعة لـ «البناء» كانت قد أجرت لقاء مع مسؤول إيراني بحضور شخصية لبنانية بارزة، وممثل عن رئيسها سمير جعجع، وأعربت عن رغبتها بتعزيز العلاقة. فرحبت إيران بهذه العلاقة لقاء شرطين أساسيين: اولهما كشف مصير الدبلوماسيين الأربعة، والثاني أن يعلن سمير جعجع أمام الإعلام أن سلاح حزب الله حاجة او ضرورة بظل وجود التهديدات «الإسرائيلية»، وهو ما ينسجم مع سياسة إيران بطبيعة الحال.

المهم في هذا بتلك المرحلة التي كانت مسألة التعازي فيها برفسنجاني ليست تحركاً عفوياً، بل مدروس هو مسألة «المبدأ» ومنهجية الحراك السياسي القواتي. فاذا كانت إيران هي مرفوضة بشكل محسوم عند القواتيين، لماذا الإعلان عن رغبة بمرحلة من المراحل بتعزيز العلاقة؟ وكيف يمكن تفسير اليوم نسف القوات هذه النظرية وتحوّلها باتجاه المناداة بتقليص النفوذ الإيراني في لبنان؟ ألم يكن ممكناً بفترة من الفترات أن تكون القوات هي إحدى ادوات تعزيز النفوذ الإيراني ايضاً في لبنان، في ما لو تمّ التقارب جدياً؟

فكرة تعزيز النفوذ الإيراني والمسارعة للحضن السعودي لا تبدو منسجمة مع الحركة السياسية المنطقية السريعة التنقل للقوات اللبنانية والنقلة لا تحتاج لإعلان الخطوة بقدر ما تحتاج لترتيب الأفكار والأسس بشكل يجعل من التموضع السياسي موضع أمان أكان مع هذا الفريق أو ذاك.

السؤال عن تحالف القوات مع التيار الوطني الحر بات مشروعاً عادياً، بعد أن صارت التأويلات حول سوء العلاقة بين تيار المستقبل والقوات واقعاً بعد عودة الحريري وانتشار الأخبار بشكل كثيف حول ريبة من موقف القوات باتجاه دعم الاستقالة والخطوة السعودية.

القلق في بلد كلبنان مشروع، لكن الاخطر ان تكون ادارة العملية السياسية لفريق بارز مسيحياً كالقوات اللبنانية، خاضعة لمتغيّرات آنية او مفاجئة تصبح فيها القوات مستعدّة لأخذ البلاد الى المجهول مثل فكرة أن هناك أميراً سعودياً أراد أن يعزّز حضوره ونفوذه ويعزز فرص تسلّمه العرش من والده، وهو في أقوى صورة وأضمنها.

القوات اللبنانية مدعوّة للكثير من التفسيرات لخصومها وحلفائها، والالتفات الى ان كون حرية التموضع «حقاً سياسياً»، فإن هذا لا يعني تعريض السلم الأهلي للخطر ولحسابات المصالح غير المحسوبة ولـ «المغامرات» التي تأخذ البلاد الى المجهول، بسبب قصر «الرؤيا» والالتفات أيضاً الى أن بناء الثقة يحتاج الى ظروف قد لا تتوفّر بشكل سلس في كل مرّة تتقرّر فيها إعادة التموضع من جديد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى