نظرية «اختراق الحلفاء» طُلبت من الحريري وصالح

روزانا رمّال

عندما قبل الرئيس سعد الحريري بترشيح العماد ميشال عون لمنصب رئاسة الجمهورية، كان السؤال المباشر يتمحور حول ما إذا كان هذا القبول يلقى إيجابية سعودية بعد الفيتو الذي رفع لسنتين على اسم ميشال عون، لكونه حليف حزب الله أم أنه خيار حريري أحاديّ الجانب. كذلك الأمر وراء قبول حزب القوات اللبنانية لهذا التبنّي وترشيح عون بعد مصالحة مسيحية أتت كعباءة ومباركة لهذا الترشيح الذي وحّد الصف لدى أكبر فصيلين مسيحيين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، ليتبين بعد مرور سنة على انتخاب عون رئيساً أن القوات اللبنانية هي ورقة خاصة عند السعودية، يمكن الاستفادة منها في تنفيذ مشاريع انقلابية محلية، كما صار مؤكداً لجهة استعدادها وشروعها الى تبني خيار استقالة الحريري الفوري والترويج لصحته. هذا كله بعد أن استُدعي سمير جعجع الى الرياض على عجل، قبل وقت قريب من استدعاء سعد الحريري وإعلانه منها الاستقالة الملتبسة.

وبالعودة لترشيح الحريري للعماد ميشال عون الذي أتى أن تخلت 14 آذار عن سمير جعجع كمرشح قبل سنوات خلت، فإن العيون توجّهت حينها ورغبت بالتأكد من صحة الخطوة نحو الرياض، فأرسل النائب وليد جنبلاط مبعوثاً للاستفسار هو النائب وائل أبو فاعور، حسب مصادر سياسي بارز لـ «البناء» الذي قال «إن مهمة أبو فاعور كانت تتمثّل بضرورة الإحاطة بأجواء الرياض ونقلها إلى بيروت إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وإلى الرئيس برّي، لأن الرجلين أساس في المعادلة، ولم يكونا على قناعة تامة بأن هذا قد يكون فعلاً خيار المملكة لتثبت الوقائع أن أبو فاعور التقى رئيس الاستخبارات السعودي الذي اكتفى بعدم الاعتراض على اسم ميشال عون كمرشح رئاسي بدون أن يقول هذا هو مرشحنا، وذلك بعد زيارتين استكشافيتين».

وبعد ذلك صار اسم عون الأوفر حظاً، فحصل على قبول الجميع وتسهيل الجميع لجلسة انتخاب تأتي به رئيساً، فبقي بعض المعترضين يغرّدون خارج السرب ليتمسّكوا اليوم بنسف التسوية الرئاسية بأول فرصة ممكنة.

وصول عون للرئاسة أعقبته تسمية الحريري رئيساً للوزراء، والذي أكدت المصادر حينها أن هناك خطة قيد التنفيذ تتمثّل بأن يكون الحريري إحدى ضمانات الانقلاب على حزب الله من قبل التيار الوطني الحر، فصار تقارب غير مسبوق بين الطرفين، وكان التفاهم بين التيارين وتفعيل اللقاءات بين الرئيس سعد الحريري ونادر الحريري والوزير جبران باسيل تتقدّم بسرعة حتى صارت خياراً مكرّساً بعلاقة متينة أبعد من مسألة تقليب التيار الوطني الحر على حزب الله وفك التحالف.

المشكلة عند السعوديين أن الذي حصل كان العكس، فبدلاً من أن ينجح الحريري بتقليب باسيل على حزب الله لإبعاد الرئيس عون عن حزب الله، بكونه صار رئيساً غير ملتزم بخيارات حزبية، أي أن نسفه للعلاقة مع الحزب تصبح أسهل، وبدلاً من أن يتقدّم الحريري نحو قلب المشهد، نجح باسيل بتقريب وجهات النظر بين حزب الله والمستقبل، بل وتعزيزها لتصبح هذه الأطراف الثلاثة مجتمعة «ثلاثية ضامنة» لاستقرار لبنان.

إذا فشل المخطط السعودي في إحداث خرق بصفوف حلفاء حزب الله في لبنان، وفشلت الخطة بإعلان السعودية إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل التسوية بعد انتظار كافٍ لسنة من دون أن ينجح الحريري بخرق الصف بين الحزب والتيار الوطني الحر. لكن هذا السلوك يبدو أنه ومن خلال ما جرى في اليمن مع الرئيس علي عبد الله صالح الذي قُتل على يد الحوثيين بعد انقلابه عليهم هو المخطط السعودي ذاته الذي يقتضي بخرق الصف عبر منح الطرف المعني إغراءات وتغطيات، وما يلزمه من أجل ذلك وعليه عرض على علي عبد الله صالح رفع اليد عن أمواله وكل ما يملكه أبناؤه ووعده بدور كبير بعد التسوية في اليمن، فما كان عليه سوى الانقلاب فوراً.

الفكرة نفسها تفشل مرتين، هي نظرية خرق الصف، تماماً كنظرية خرق الصف في مسألة استقالة الحريري مع أموال أو وعود فيها لمن يرغب بالمساهمة كلها أمور وعدت بها القوات اللبنانية وغيرها ممن زاروا السعودية وتعتمد على تعزيز أوضاعهم وتحسينها إذا ما أدوا المهمة بنجاح.

بالعودة الى الرئيس الذي صار رئيساً «راحلاً» بساعات بعد الفرار والانقلاب على حلفائه الحوثيين. وهو الذي حاربهم سنوات طويلة، فإن التكتيك نفسه أنتج الخلاصة نفسها الخطيرة جداً على محور السعودية، لأن مقتل علي عبدالله صالح الذي يمكن أن يشكل وسيطاً أو طرفاً مقبولاً في الحل اليمني عند السعوديين والحوثيين على حد سواء، جعل الساحة خالية لأنصار الله وكرّس صمودهم الميداني لسنوات في هذه الحرب من دون أن يبدو أن هناك تراجعاً في عديدهم أو عتادهم. وبالمحصلة فإن الخطتين كرستا تفوّق حلفاء إيران في الساحتين اليمنية واللبنانية بعد أن كان الهدف العكس تماماً ما يعني أن هذه الخطوات تزيد في تكريس فكرة الفشل السعودي الذريع في قراءة السياسة والنتائج والوقائع والتهرّب من فرص الحوار الجدّي لحل سياسي لا بديل عنه لوضع حد للحرب على اليمن التي صارت محرجة للتحالف العربي، خصوصاً أن دولاً اجتمعت لقتال ميليشيا، كما يسمّونها من دون أي تقدّم سياسي ولا ميداني يوضع في رصيد الدول القادرة على الاعتداد بها كإنجاز. وعليه، من الممكن أن يؤدّي كل هذا التصعيد إلى اقتراب البحث الجدّي الدولي بإغلاق الملف اليمني بأقرب وقت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى