وزنة لـ«البناء» و«توب نيوز»: لاستثمار عائدات النفط العربي في التعليم والتكنولوجيا والأبحاث

أدونيس كيروز

يشهد العالم مزيداً من التباطؤ الاقتصادي والكثير من التقلّبات في الأسواق المالية التي تنعكس سلباً على اقتصادات الدول، لا سيّما في ما يتعلّق بأسعار النفط التي شهدت في الأشهر الأخيرة هبوطاً كبيراً. وتعدّدت الأسباب والعوامل لهذا الهبوط، من انخفاض الطلب على النفط، وإبقاء مستوى الإنتاج مرتفعاً، إلى الأسباب السياسية والأمنية.

وتقوم المملكة العربية السعودية من جهتها، بتغيير استراتيجيتها التي ارتكزت سابقاً على إبقاء سعر برميل النفط على مستوى الـ 100 دولار أميركي، إذ تتجه نحو سياسة رفع حصتها في السوق وتسعير نفطها لكلٍّ من دول آسيا الشرقية وأوروبا بسعرٍ أقلّ.

إلا أنّ العرض، والطلب، ومواجهة المنافسة، ليست العوامل الوحيدة المؤثرة على تقلّبات الأسعار. فالنفط سلعة استراتيجية تقع في محور الصراع الجيوسياسي الذي يحتدم أكثر اليوم مع تأزم الوضع في أوكرانيا، واستمرار الاعتصامات في هونغ كونغ، إضافةً إلى الحرب على سورية.

أمام هذه التطوّرات، أشار الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي د. كامل وزنة في حديث إلى «البناء» و«توب نيوز»، إلى أنّنا «شهدنا في الأشهر الأخيرة هبوطاً كبيراً في سعر برميل النفط وصل إلى حدّ 30 دولاراً أميركياً، وسبّب أزمة لكثير من الدول، بينما خلق فرصاً لدولٍ أخرى»، لافتاً إلى أنّ «بعض الدول تستفيد من هذا الانخفاض من حيث التوفير، فيما تضرّرت الدول التي تعتمد في شكل كبير على عائدات النفط، لا سيّما العراق، وإيران، وروسيا». وأضاف: «معظم هذه الدول في حاجة إلى سعر محدّد لبرميل النفط لتجنّب أي عجز في الميزان التجاري. العراق مثلاً، في حاجة إلى إبقاء سعر البرميل على مستوى 106 دولارات أميركية، وروسيا في حاجة إلى إبقائه على مستوى 120 دولاراً أميركياً، ودول أخرى على 140 دولاراً أميركياً، وحتى المملكة العربية السعودية في حاجة إلى سعر 93 دولاراً أميركياً لتجنّب العجز». وتابع: «الدول التي تواجه عقوبات اقتصادية، أم هي في حالة صراع مع الغرب، تواجه مشكلة كبيرة نتيجة هذا الهبوط»، مشيراً إلى أنّ «التقييمات تختلف من دولة إلى أخرى، لكن عندما يصل سعر برميل النفط البرنت إلى 83 دولاراً أميركياً، وسعر «غرب تكساس» إلى 80 دولاراً أميركياً، فهناك أزمة اقتصادية ستضرب هذه الدول».

أما عن العوامل الأخرى للهبوط، فلفت وزنة إلى ما أعلن عنه بعض الخبراء الروس حين قالوا: «إنّ دولاً في منطقة الخليج تعمل لتقويض روسيا، لا سيّما أنّ العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والغرب تهدف إلى ضرب الاقتصاد الروسي».

وعن أي تنسيق بين الولايات المتحدة والسعودية لإبقاء الإنتاج مرتفعاً للمحافظة على انخفاض الأسعار، قال وزنة: «إنّ المملكة فاجأت دول الـ OPEC حين رفعت إنتاجية حصّتها من النفط من دون الرجوع إلى دول المنظّمة»، مضيفاً أنّ «الولايات المتّحدة في حاجة إلى أن يكون سعر برميل النفط حوالى 93 دولاراً أميركياً». لافتاً إلى «الشكوك العديدة حول استرتيجية المملكة، إذ إنّ هذا الموقف غير منتج للدول المنافسة، ولا حتى للسعودية»، لا سيّما أنّ «المملكة تستطيع أن ترفع الإنتاج إلى حدّ معين لا أكثر، وذلك لضمان نسبة جودة النفط المطلوبة عالمياً».

أما في ما يتعلّق بمصلحة الولايات المتحدة في انخفاض سعر النفط، في الوقت الذي بات السعر الحالي يقارب أكثر سعر تكلفة إنتاج البرميل، وبالتالي انخفاض هامش الربح، أوضح وزنة أنّ «أميركا، وعلى رغم ارتفاع إنتاجها في الفترة الأخيرة، ما زالت في حاجة لاستيراد النفط لتلبية حاجاتها الاستهلاكية»، مضيفاً: « أنّ هذا الانخفاض الحالي لأسعار النفط يصبّ في مصلحتها، إضافة إلى أنّ المتضرّرين من هذا الهبوط هم من أخصامها»، لافتاً إلى أنّ «أميركا تستهلك حالياً ما يقارب الـ20 مليون برميل يومياً، ممّا يعني أنّها توفّر سنوياً حوالى 200 مليار دولار».

وأضاف: «ارتفع إنتاج الولايات المتحدة منذ عام 2008 حتى الآن، حوالى 70 في المئة. وتنتج اليوم 8.8 مليون برميل، وهي ما زالت في حاجة إلى استيراد ما بين 11 و12 مليون برميل لتلبية حاجاتها، وقد يرتفع إنتاجها لاحقاً إلى 12 مليوناً، وبالتالي، سينخفض استيرادها إلى ما بين 8 و9 ملايين برميل».

وعن تعاون «إكسون موبيل» و»روس نفت»، أشار وزنة إلى أنّه «سُمح لـ»إكسون» إكمال العمل في مشروع التنقيب عن النفط في المحيط الشمالي، إذ إنّ عملها يقع في أحد أهم الحقول في العالم، وفي ما يتعلّق بالمخزون فسيعود لعمليات الاستخراج لتحديد مستوى احتياط النفط».

وفيما يخصّ تأثير سيطرة تنظيم «داعش» على آبار النفط في سورية والعراق، وبيع النفط بأسعار منخفضة، على القرار سعودي، أشار وزنة إلى «عدم إمكانية هذا الأمر، وذلك لقلّة عدد الإنتاج الذي تؤمّنه آبار النفط التي سيطر عليها التنظيم، وبالتالي لا يعود القرار السعودي لهذا الأمر، لافتاً إلى أنّ «الحرب على «داعش» كانت لتحجيم مصادر تمويله، إضافة إلى الأسباب السياسية الأخرى». وأضاف: «هناك معركة قوية مفروضة على روسيا اليوم، وهذه المعركة إقتصادية مبنية على إخضاع روسيا واجبارها على التخلّي عن الصين، إن على المدى القصير، أو على المدى الطويل، إضافة إلى جعلها جزءاً من الناتو»، لافتاً إلى أنّ «هذا الأمر مستحيل بوجود الرئيس بوتين».

ولفت وزنة إلى أنّ «التباطؤ في كلٍّ من أوروبا وأميركا ظاهر، وهناك منظومة اقتصادية جديدة لسنا بعيدين منها، تتمثّل بصعود دول «البريكس»، وهناك محاولة لتقويض المصرف الجديد لدول البريكس». وأشار إلى «أننا نشهد حرباً حقيقية على السيادة الاقتصادية، وما يحدث اليوم في هونغ كونغ هو جزء من هذه الحرب، وهناك من يعمل في الخفاء كالبريطانيين ووراءهم الأميركيون، لتفتيت جزء من الصين، إنْ عبر هونغ كونغ، أو تايوان.

واليوم يشهد العالم مرحلة اقتصادية خطيرة تعرف بالـ deflation أو بالانخفاض في السعر، وهي أخطر من التضخم، إذ إنّ الشركات لا تستطيع أن ترفع الأسعار، وأرباحها ستكون ضعيفة، وقد تغلق بعدها أو تسرّح عمالها.

أما في الولايات المتّحدة، فعلى رغم ضخّ الأموال الهائلة، لم تستطع اميركا أن تعيد الحركة الاقتصادية. وفي ما يخص نسبة البطالة، فإنّ المعيار وتعريف العاطلين من العمل قابلان للتفسير».

وعن احتمال ارتفاع السعر من جديد مع بداية فصل الشتاء وارتفاع الطلب، أو استقرار الأسعار على مستوى منخفض، أشار وزنة إلى «وجود عوامل عديدة ستلعب دوراً في هذا الموضوع، لا سيّما أنّ التعافي الاقتصادي غير الظاهر على المدى القريب، إضافة إلى المعارك العسكرية التي تشهدها المنطقة، بخاصّة في منطقة الخليج وتأثر صادرات العراق وليبيا بالوضع الأمني، وحتى المملكة إذا وصل التطرّف إلى داخلها مع ارتفاع التخوف مما يحصل في اليمن». وتابع: «السياسة والعامل الأمني وأي اختلاف آخر بين أوروبا وأميركا من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، ستكون لها دور إضافي. ويبقى الطلب والعرض عاملين أساسيين في أي معادلة اقتصادية، إن على المدى القريب أو البعيد.

وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض الترنّح في الأسعار قد يكون إيجابي لبعض الدول التي تعاني من تباطؤ في الاقتصاد، وسيء لدول اخرى التي تعتمد على إيرادات النفط».

واختتم: «النفط سلعة استراتجية لها إيجابياتها وسلبياتها. وعلى دول المنطقة لا سيّما الخليجيّة منها، أن تخرج من سياسات الاعتماد على مبيعات النفط، لافتاً إلى أنّ «بعض هذه الدول استخدمت عائدات النفط في تمويل الإرهاب، بينما يجب استخدامها في تطوير البنية الاقتصادية، وتنمية الاقتصاد العربي والإسلامي، والخروج من الاعتماد الكلّي على مبيعات النفط، إذ إنّ اليوم أي تغيير في التكنولوجيا أو استثمارات جديدة في الغاز الصخري، من شأنه ان يغيّر المعادلات، مشيراً إلى أنّ «على العالم العربي الاستثمار في التعليم، والتربية، والأبحاث والتطوير، والتكنولوجيا، ووقف تمويل المدارس التكفيريّة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى