هل ينجح «الربيع العبري» في إيران؟!

د. محمد سيد أحمد

في البداية لا بدّ من تأكيد أنّ هناك ثلاثة مشاريع إقليمية تتنافس لفرض هيمنتها وسيطرتها على منطقة الشرق الأوسط، وهي المشروع الإيراني والمشروع التركي والمشروع الصهيوني، في ظلّ غياب تامّ للمشروع العربي، بل وغيبوبة حقيقية تعيشها مجتمعاتنا على مستوى الأنظمة والشعوب معاً، لدرجة تحوّلنا فيها الى مفعول به دائماً، ولم يعد لنا وجود فاعل على أيّ مستوى، في ظلّ الصراع الدائر بين المشاريع الإقليمية الثلاثة في المنطقة، لكن تجدر الإشارة الى أنّ المشروعين الإيراني والتركي قابلين للمنافسة الإقليمية، لكن يبقى المشروع الصهيوني مشروعاً استعمارياً استيطانياً احتلالياً يستهدف وجودنا، لذلك لا بدّ أن نعطيه أولوية في المواجهة.

وفي محاولة الاستنهاض والخروج من الغيبوبة العربية على حكامنا وشعوبنا أن تدرك مَن هو العدو الحقيقي، سواء لنا أو لجيراننا في المنطقة التي تُحاك ضدّها المؤامرات تاريخياً، والمستهدفة اليوم للتقسيم والتفتيت من قبل العدو الأميركي الحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني صاحب المشروع المعادي وليس المنافس لمشروعنا العربي الذي نسعى لإحيائه، وللمشروعات الأخرى المنافسة لنا في المنطقة، المشروع الإيراني من جانب والمشروع التركي من جانب آخر.

فإيران صاحبة المشروع المنافس الأوّل للمشروع العربي في منطقة الشرق الأوسط، نعم تقوم بالتدخل في الشأن العربي ولها وجود واضح في العراق ولبنان وسورية واليمن، لكن هذا الوجود يستهدف بشكل أساسي دعم هذه المجتمعات العربية في مواجهة مشروع التقسيم والتفتيت الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية لدعم المشروع الصهيوني، لتكون له الغلبة في النهاية، وإيران تعلن عداءها للمشروع الصهيوني، وترفض الاعتراف بـ»إسرائيل» وتساند كلّ حركات المقاومة العربية التي تقف في وجه هذا العدو الصهيوني.

فالتدخل الإيراني في العراق ساهم في القضاء على داعش الصنيعة الأميركية الصهيونية، والتدخل في لبنان ساهم في تحرير الجنوب اللبناني من العدو الصهيوني عام 2000 والصمود أمامه في 2006، والتدخل في سورية جاء عبر تحالف استراتيجي مع الدولة السورية وساهم الى حدّ كبير في انتصارات سورية وجيشها في الحرب الكونية التي شنّت عليها من المشروع الصهيوني والجماعات التكفيرية التي تعمل بالوكالة لدى هذا المشروع، والتدخل في اليمن ساعد في مواجهة العدوان الذي يسعى لتقسيمها وتفتيتها لصالح المشروع الصهيوني.

أما المشروع الآخر المنافس للمشروع العربي في المنطقة وهو المشروع التركي، فقد تحالف مع المشروع الصهيوني منذ البداية، معتقداً أنه يمكنه أن يكسب نفوذاً داخل منطقة «الشرق الأوسط» عبر هذا التحالف المشبوه، متناسياً ومتغافلاً عن أنّ المشروع الصهيوني ذاته مشروع معاد لنا ولهم، فلم يخجل الأتراك من عقد تحالف استراتيجي في مجالات التسليح والتدريب العسكري، ناهيك عن العلاقات الاقتصادية والسياسية مع العدو الصهيوني، بل واعتراف تركيا بالوجود «الإسرائيلي»، وخلال «الربيع العبري» شاركت تركيا في محاولات تدمير المجتمعات العربية خاصة سورية ومصر، حيث كان دورها واضحاً في دعم الإرهاب على الأرض العربية.

ومع فشل «الربيع العبري» على الأرض العربية، حاول الصهاينة أن ينالوا أولاً من المشروع التركي الحليف لهم عبر «ربيع عبري» على الأرض التركية، لكن الأتراك تداركوا الموقف وقاموا بقمع الانتفاضات الشعبية بوحشية شديدة، وبالطبع صمتت الولايات المتحدة والعالم عما حدث، لكن هذا لا ينفي سعي المشروع الصهيوني لتقسيم وتفتيت تركيا، كما يسعى لتقسيم وتفتيت المجتمعات العربية، ثم يحاول الآن أن ينال من المشروع الإيراني عبر «ربيع عبري» جديد في الداخل الإيراني، حيث استغلّ المشروع الصهيوني المطالَبة الشعبية بالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي في إيران من أجل تحويلها «ثورة» تسعى للإطاحة بالنظام كمقدّمة لتقسيم وتفتيت إيران والقضاء على مشروعها المعادي للمشروع الصهيوني.

والسؤال المطروح الآن: هل ينجح «الربيع العبري» في إيران؟ والإجابة تقول لا، ولم ولن ينجح هذا «الربيع العبري» في إيران، وسوف تتمكّن إيران من إخماد الفتنة داخلها عبر حزمة إجراءات إصلاحية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي لتحسين مستويات معيشة الشعب، ولن تفلح الأدوات التي يستخدمها المشروع الصهيوني على الأرض العربية في النيل من إيران خاصة الورقة الطائفية والجنرال إعلام عبر وسائله الحديثة، بخاصة مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، لأنّ إيران تفرض قبضة حديدية على هذه الأدوات الصهيونية التي تستخدم في عمليات التقسيم والتفتيت وإشعال النيران لإسقاط الأنظمة.

والغريب والعجيب هو انسياق بعض المجتمعات العربية وراء المشروع الصهيوني العدو الأول لنا سواء في محاولته تقسيم وتفتيت مجتمعاتنا، أو في مساعدته على هدم المشروع الإيراني المعادي للصهاينة، لذلك على مجتمعاتنا العربية أن تفيق من الغيبوبة وتدرك أنّ معركتنا لا بدّ أن تكون مع العدو الصهيوني بالمقام الأوّل، ثم مع المنافس الإقليمي التركي المتحالف مع العدو الصهيوني ثانياً، ثم تأتي المواجهة الثالثة مع المنافس الإقليمي الإيراني الذي يشاركنا العداء مع العدو الصهيوني. هكذا يجب أن تكون أولويات المواجهة، اللهم بلّغت، اللهم فاشهد.

كاتب وأستاذ جامعي مصري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى