هل تنجح واشنطن بتوحيد حليفيها الكردي والتركي؟

حميدي العبدالله

شكل الغزو التركي لعفرين مناسبة جديدة لرفع مستوى التوتر بين الولايات المتحدة وحليفها التركي. وأدلى المسؤولون الأتراك بسلسلة من التصريحات التي توجه انتقادات حادّة للولايات المتحدة، واتهموها بأنها تناصر الأكراد في سورية ضدّ تركيا.

وأولت وسائل الإعلام الأميركية، وتحديداً مراكز الأبحاث الكبيرة ودوريات النخبة مثل مجلة الفورين بوليسي علاقات واشنطن مع حليفيها أهميةً خاصة، وأوصت جميعها بضرورة بذل جهود كبيرة، وتقدّمت باقتراحات من أجل احتواء هذا التوتر والعمل من قبل الولايات المتحدة على توحيد «تركيا والأكراد». لكن السؤال هل تنجح واشنطن فعلاً في توحيد هذين الحليفين؟

ثمة سلسلة من العقبات تحول دون نجاح واشنطن في تحقيق ما توصي به مراكز الأبحاث الأميركية وما يسعى فعلاً إليه المسؤولون الأميركيون، ومن أبرز هذه العقبات:

أولاً، تركيا تريد أن تنشر قوّاتها في المناطق التي تسيطر عليها القوات الأميركية بمساندة وحدات الحماية الكردية، على غرار الوضع القائم الآن في مناطق جرابلس- الباب، حيث السيطرة المباشرة للقوات التركية. ليس لدى تركيا اعتراض على أن يكون انتشار قواتها إلى جانب القوات الأميركية، ولكنها لا تريد أن تبقي قواتها بعيدة عن المنطقة الممتدّة من القامشلي وصولاً إلى منبج. وقد جاهر الرئيس التركي أكثر من مرة بسعيه للوصول إلى هذه المناطق ونشر القوات التركية فيها. لكن الولايات المتحدة لا تريد أيّ شريك لها في السيطرة على هذه المنطقة، وهي تعارض انتشار القوات التركية في مناطق انتشارها التي تؤمّن لها هيمنة حصرية على الوضع في هذه المنطقة واستخدامها ورقة لخدمة مصالحها ورؤيتها وسياساتها في سورية.

ثانياً، التعارض بين أهداف وسياسات وحدات الحماية الكردية وسياسات تركيا يصعب احتواؤه كما يصعب التوفيق بين الطرفين. وكلّ طرف ينظر إلى الطرف الآخر بأنه يشكل تهديداً وجودياً له. تركيا تعتقد أنّ وحدات الحماية الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني تشكل تهديداً لأمنها القومي، ووحدات الحماية ترى أنّ تركيا تشكل تهديداً لتطلعات الأكراد في سورية، فضلاً عن أنها حليف للجماعات التكفيرية، أما الحديث الأميركي عن تجربة تعاون صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية، أثناء تحرير عين العرب من سيطرة داعش مع تركيا، وبالتالي يمكن العودة إليها مرة أخرى، فإنّ هذا التعاون كان وليد الظروف التي كانت قائمة في بداية مسيرة صعود تنظيم داعش، بينما تغيّرت الظروف الآن، بعد أن باتت وحدات الحماية الكردية بمساندة القوات الأميركية هي التي تسيطر من منبج حتى القامشلي، وزال التهديد الذي تمثله داعش والحاجة إلى التعاون مع تركيا للسماح بقوات من بشمركة مسعود البرزاني بعبور الحدود التركية لطرد داعش من عين العرب تحت القيادة الأميركية.

ثالثاً، تخشى تركيا من أنّ أيّ تعاون مع الولايات المتحدة قائم على رأب الصدع بينها وبين وحدات الحماية الكردية سيقود إلى قيام كيان كردي على امتداد حدودها مع سورية في إطار دعم الولايات المتحدة لإقامة دولة فيدرالية في سورية، ومن شأن ذلك أن يشكل سابقة ثانية، إضافةً إلى سابقة إقليم كردستان العراق، سوف تشجع أكراد تركيا على المضيّ في نضالهم من أجل الحصول على وضع مماثل في تركيا.

لكلّ هذه الأسباب، وربما أسباب أخرى، لكنها أقلّ أهمية، لن تنجح مساعي الولايات المتحدة في توحيد حليفيها التركي الكردي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى