سفير اليمن في دمشق نايف القانص لـ«البناء»: صالح ارتكب «غلطة الشاطر» ودعوتُهُ إلى محاربة أنصار الله أصابته في مقتل

دمشق ـ إنعام خرّوبي

يعدُّ نايف القانص من أهمّ الشخصيات وأكثرها تأثيراً على الساحة الوطنية اليمنية. وقد تدرَّج القيادي البارز في «حزب البعث العربي الاشتراكي ـ قطر اليمن» في صفوف الحزب من نصير ثم عضو عامل إلى أمين فرقة فأمين شعبة، أمين فرع ثم عضو قيادة قطرية احتياط، ثم عضو قيادة قطرية وأمين قطري مساعد. وبسبب مرض الأمين القطري أوكلت مهامه إلى القانص. كما كان عضواً في الهيئة التنفيذية للّقاء المشترك ثم رئيساً للهيئة التنفيذية لثلاث فترات وناطقاً رسمياً باسم «اللقاء المشترك» لثلاث دورات.

عُيّن القانص عضواً في «اللجنة الثورية العليا» لـ«أنصار الله»، قبل أن ينتقل إلى دمشق سفيراً لحكومة صنعاء، لكنّ الطريق أمام السياسي والديبلوماسي المخضرم لم تكن سهلة إلى العاصمة السورية وقد وصلها من بيروت التي أقلته إليها طائرة تابعة لسلاح الجو العُماني، بعد محاولات كثيرة جرت لمنع وصوله وتعميم اسمه على كافة المنافذ الدولية.

كثيرة هي الملفات التي تطرّق إليها السفير القانص في حديث خاص لـ«البناء» بحنكة العارف والمتابع والمشارك في صناعة القرار على الساحة الوطنية اليمنية.

في الشأن اليمني، شدّد القانص على أنّ ما حصل في البلاد لم يكن «انقلاباً على الشرعية» بل استُخدم كمبرّر للعدوان السعودي، معتبراً أنّ الانقلاب الحقيقي هو انقلاب عبد ربه منصور هادي على اتفاق «السلم والشراكة الوطنية» الذي جاء بحكومة بحّاح الشرعية المتوافق عليها، «عندما لم يلتزم به في داخل اليمن وكرّر ذلك أثناء وجوده في الرياض، مع أنه قبل ذلك قدّم استقالته ثم تراجع عنها، بطلب من السعودية».

واعتبر أنّ علي عبدالله صالح ارتكب «غلطة الشاطر» التي أصابته في مقتل حين دعا إلى مواجهة أنصار الله في كلّ مكان ودعا، في الوقت عينه، إلى الحوار مع دول العدوان.

وأعرب عن تفاؤله بالتحركات الجارية للتوصل إلى حلّ سياسي للأزمة في اليمن، معرباً عن أسفه حيال الموقف العربي «الهزيل» تجاه ما يجري في هذا البلد الذي دعم وناصر كلّ القضايا العربية.

سورياً، اعتبر السفير القانص أنّ الحلّ السياسي للأزمة السورية أصبح حقيقة قائمة لا يستطيع أحد أن يتراجع عنها. وقال: «مهما حاولت منصّات من هنا وهناك أن تعطِّل، ستمضي سفينة الحلّ. سورية نجت ولن تغرق، وكلّ ذلك بفضل الانتصارات الميدانية للجيش السوري وحلفائه الذين أثبتوا أنهم القوة الوحيدة التي قضت على الإرهاب في المنطقة».

وحذّر القانص من محاولات تصفية القضية الفلسطينية، بالتعاون مع دول عربية وفي مقدّمتها مصر، انطلاقاً من قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» ونقل السفارة الأميركية إليها مروراً بتقليص المساعدات لوكالة «الأونروا»، لافتاً إلى أنّ صائب عريقات هو من «أخطر الشخصيات الفلسطينية وهو عراب مشاريع التطبيع مع العدو».

وفي ما يلي نصّ الحوار كاملاً:

سعادة السفير.. كان يوم الحادي والعشرين من أيلول ثورة 21 سبتمبر مفصلياً. كيف قلب هذا التاريخ المعادلات في اليمن؟

ـ ثورة 21 سبتمبر كانت ثورة تصحيحية لمسار ما سمّي بـ«الربيع العربي» الذي كان في الواقع خريفاً عربياً وربيعاً صهيونياً بامتياز. هذه الثورة أدّت إلى تقطيع أذرع السعودية داخل مركز القرار اليمني، لذلك جنّ جنون هذه الدولة الديكتاتورية وسعت إلى تقويض العملية السياسية داخل اليمن، بعد أن توصلنا إلى حلّ سياسي جذري وشامل، وتمّ توقيع «وثيقة السلم والشراكة الوطنية» من قبل جميع القوى السياسية اليمنية، والتي شكلت على بموجبها حكومة تكنوقراط برئاسة خالد بحّاح. ولكن حدث انقلاب على وثيقة السلم والشراكة من قبل عبد ربه منصور هادي وبعض الأحزاب، بإيعاز من السعودية، ما دفع بالقوى الوطنية إلى الدفاع عن الوطن ضدّ مشروع يهدف إلى تقسيم اليمن إلى ستّ دويلات من خلال صيغة مشروع الدستور، وذلك عبر ملعوب أميركي سعودي إماراتي لأنّ لجنة صياغة الدستور كانت تُعقد في الإمارات، برعاية خليجية. بعدها جرت حوارات متواصلة في فندق «موفنبيك» برعاية المندوب الأممي السابق جمال بن عم، وتمّ الاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي من خمسة: رئيس المجلس توافقي وأربعة أعضاء يمثلون المكوّنات الرئيسية الأربعة الموجودة في العملية السياسية الوطنية اليمنية: عضو واحد لكلّ من «المؤتمر الشعبي العام»، «أنصار الله»، «الحراك الجنوبي»، و«اللقاء المشترك» وشركاؤه. ولكن للأسف، كان هناك عدد من الأحزاب السياسية التي تعمل للخارج أكثر مما تعمل للداخل وتحاول تعطيل هذا الخيار، لكننا تجاوزنا هذا الأمر، وكان هناك إجماع على المضيّ قدُماً في هذا الخيار في 25 مارس آذار 2015، وتمّ تحديد اليوم التالي لتقديم هذه الأسماء، لنُفاجأ فجر يوم السادس والعشرين من مارس آذار بالعدوان السعودي التحالف العربي .

انقلاب هادي

ما الذي دفع بالسعودية إلى شنّ هذا العدوان في رأيكم؟

ـ بعد «اتفاق السلم والشراكة اليمنية»، والذي شُكلت بموجبه حكومة بحّاح، بإجماع سياسي، شعرت السعودية بأنها أصبحت خارج اللعبة في اليمن وأنّ هذه الحكومة ستمضي إلى مسار جديد في الخطّ السياسي اليمني وأنّ المعادلات قد تغيّرت. التاريخ بعد 21 سبتمبر أيلول ليس كما قبله، خصوصاً بعد طرد الذراع الأساسي للسعودية ممثلاً بعلي محسن الأحمر وتقطيع الأذرع الإرهابية وإغلاق جامعة «الإيمان» التي كانت تخرّج الشخصيات المتطرّفة التي ترعى الإرهاب، ليس على مستوى اليمن فقط بل على مستوى العالم كله، إضافة إلى معاهد أخرى للسلفيين. جامعة «الإيمان» بفروعها كانت برعاية سعودية، أما المعاهد السلفية فكانت برعاية إماراتية.

هناك من برّر العدوان السعودي بحصول «انقلاب» على الشرعية، لكنّ الانقلاب الحقيقي هو انقلاب هادي على اتفاق «السلم والشراكة الوطنية» الذي جاء بحكومة بحّاح الشرعية المتوافق عليها، عندما لم يلتزم به في داخل اليمن وكرّر ذلك أثناء وجوده في الرياض، مع أنه قبل ذلك قدّم استقالته ثم تراجع عنها، بطلب من السعودية.

ما مدى صحة ما يُقال حول وجود هادي تحت الإقامة الجبرية في السعودية؟

ـ بعد أشهر على العدوان السعودي، وخلال لقائه مع قناة «دبي» التلفزيونية قال هادي إنه لم يعرف بالعدوان وإنّ الأميركيين طمأنوه بأنه لن يحصل أيّ شيء. يبدو أنّ هادي لم يكن يعلم بحصول ما سمّي «عاصفة الحزم» حين كان في عمان، وهذا دليل على أنّ هذا العدوان لم يكن بقرار دولي ولا بدعوة من هادي، والآن وبعد سيطرة المجلس الانتقالي على عدن فقد آخر أمل له من شمّاعة الشرعية، ومنذ اتخاذ عدن عاصمة موقتة، وطيلة فترة العدوان، لم يمارس هادي مهامه من المدينة، وكانت له بعض الزيارات البسيطة والقصيرة لها، لكنه في الفترة الأخيرة لم يستطع أن يزور عدن نهائياً وقد وصل إلى مطارها ومُنِع من الدخول إليها من قبل القوات الإماراتية، فذهب إلى الإمارات ليشكو ما حلّ به لكنّه تعرّض لموقف مُهين، ولم يكن في استقباله في مطار أبو ظبي سوى ضابط مخابرات. هذه الأمور وغيرها تؤشر إلى أنه تحت الإقامة الجبرية في الرياض ولا يستطيع فعل أيّ شيء.

أيّدت بعض الشخصيات اليمنية العدوان في بدايته لكنها أصبحت اليوم تعتبره احتلالاً. فما رأيكم بذلك؟

ـ يبدو أنّ بعض الشخصيات التي كانت مؤيِّدة للعدوان استفاقت من سُباتها، وعلى رأسها القيادية الإخوانية توكُّل كرمان التي كانت من أشرس المؤيدين للعدوان، وها هي اليوم تقول إنّ السعودية والإمارات قوّتا احتلال ويجب مقاومتهما.

وأنا أسأل: على أيّ أساس مُنِحت توكُّل كرمان جائزة «نوبل للسلام»؟ أيّ سلام هذا وهي التي شجعت العدوان على بلادها؟ هذه الجائزة كذبة وقد اشتراها لها رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم.

هل سقط «اللقاء المشترك» بخروج عدد من مكوّناته الأساسية؟

ـ اللقاء المشترك هو تكتُّل لأحزاب المعارضة الرئيسية، وقد تمّ تأسيسه في 6 فبراير شباط عام 2003. ويضمّ هذا التكتل كلاً من «التجمُّع اليمني للإصلاح»، و«الحزب الاشتراكي اليمني»، و«التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري»، و«حزب البعث العربي الاشتراكي»، و«حزب الحق»، و«التجمُّع الوحدوي»، و«اتحاد القوى الشعبية اليمنية».

هناك ثلاث شخصيات قيادية طغت على اللقاء المشترك هي: عبد الوهاب الآنسي التجمُّع اليمني للإصلاح ، ياسين سيد نعمان الحزب الاشتراكي اليمني ، وسلطان العتواني التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري وهم سبب تفكُّك المشترك. فعندما بدأ الحوار الوطني اليمني وحصلت جدلية حول تمثيل اللقاء المشترك، أَوكل اللقاء المهمّة لهؤلاء الثلاثة كونه كان يرى فيهم قيادات وطنية، لكنهم، للأسف الشديد، عندما زاروا قطر عادوا منها برؤية أخرى. كان من المفترض أن يذهبوا للتفاوض باسم اللقاء المشترك كما كان متفقاً عليه، لكننا اكتشفنا أنهم حاوروا باسم أحزابهم، حتى أنّ الحصة التي حصل عليها اللقاء المشترك في الحوار الوطني والبالغة 127 عضواً وزّعوها على أحزابهم: 50 للتجمُّع اليمني للإصلاح، 37 للحزب الاشتراكي اليمني، 30 للتنظيم الناصري، ووزّعوا 20 عضواً على بقية الأحزاب. بعد ذلك وعندما جرت اجتماعات ونقاشات حول الرؤية التي سيطرحها «المشترك» على طاولة الحوار الوطني، طرحنا، كحزب بعث، أن تكون «رؤية المشترك» هي وثيقة الإنقاذ الوطني التي تحاورنا عليها في «المشترك» مع العديد من المكوّنات الوطنية طيلة خمس سنوات مشروع الإنقاذ الوطني وهو من أفضل المشاريع التي قُدِّمت، كرؤية للحلّ في اليمن، سواء بما يتعلق بالقضية الجنوبية أو قضية صعدة والدستور وإقرار قانون العدالة الانتقالية وشكل الدولة وما إلى ذلك. اعتبرنا أن ليس من المنطق أن يذهب كلّ حزب برؤية مختلفة، وكانت تلك رؤيتنا جميعاً، وإلا لماذا بذلنا من الجهد والوقت والمال خمس سنوات؟ لكنّ الآنسي ونعمان والعتواني أصرّوا على أن يذهبوا بتمثيلهم الحزبي، ونحن في حزب البعث العربي الاشتراكي في اليمن، اتخذنا موقفاً ورفضنا أن ندخل الحوار ما لم تُنفّذ النقاط العشرون أو ندخل كمشترك برؤية واحدة، لأننا شعرنا بأنّ هناك مؤامرة يُراد تمريرها وبأنّ الحوار على هذا الشكل سيكون عبثياً وستأتي مخرجاته من الخارج وسوف تكون له نتائج وخيمة على البلاد، لأنّ هناك كما قلت خطة لتقطيع اليمن وهذا ما حدث فعلاً، لنُفاجأ بأنهم يريدون دولة اتحادية من ستة أقاليم وهذا ما يثبت أنّ الطبخة كانت جاهزة.

لقد خُدِعنا بقيادات هذه الأحزاب الثلاثة التي كانت تعدّ نفسها أحزاباً كبيرة وأساسية في «المشترك» وقد ذهبت إلى الرياض، بينما ظلت بقية الأحزاب في اليمن وواصلت العمل باسم «المشترك» وبالرؤية الوطنية ولا تزال تجتمع وتمارس مهامها وتصدر بياناتها باسم اللقاء.

كان الطريق إلى سفارة بلادكم في دمشق صعباً كيف تمكّنتم من مغادرة صنعاء رغم كلّ العراقيل التي وُضعت أمامكم؟

ـ خروجي من صنعاء كان بطريقة صعبة جداً عن طريق طائرة تابعة لسلاح الجو العُماني نقلتني إلى بيروت. وقد جرت محاولات كثيرة لمنع وصولي إلى هنا ومنها إرسال رسالة إلى الخارجية السورية لكي ترفض اعتمادي سفيراً، لكنني وصلت دمشق في السابع من نيسان 2016 عن طريق بيروت. وقد وجدت هنا في السفارة الكثير من الأوراق والوثائق التي تتضمّن معلومات هامة وحسّاسة كانت ترسل للرياض عبر القائمة بالأعمال التي كانت على تواصل مع وزير خارجية العدوان. تجاوزنا هذه الأزمة لكن بعد ذلك تمّ تعميم إسمي على كلّ المنافذ الدولية لمنعي من السفر إلى أيّ دولة في العالم.

بعد تعيينكم في دمشق هناك من اعتبر أنّ حكومة صنعاء عيّنت سفيراً حوثياً في إشارة إلى عضويتكم في اللجنة الثورية العليا. فما ردُّكم؟

ـ دخلتُ اللجنة الثورية العليا كممثل لحزب «البعث العربي الاشتراكي»، ونحن حلفاء مع الإخوة في «أنصار الله». أنا، بما أمثله، لي رؤيتي وتوجُّهي، وللإخوة الحوثيين رؤيتهم وتوجّههم كمكوّن وطني له أيديولوجيته الدينية. نحن كحزب قومي علماني نتفق مع أنصارالله في الجانب الوطني والدفاع عن الوطن بكامله وبناء الدولة، وأيضاً نحن شركاء في محور المقاومة. رؤيتنا واحدة تجاه قضايا الأمة في سورية ولبنان وبقية الدول العربية وحتى مع أشقائنا في إيران، والقضية الفلسطينية هي قضيتنا المركزية. نحن نتقارب في هذه النقاط الجوهرية وقد نتباعد في أمور أخرى، لكنّ هذا لا يفسد للودّ قضية. هذا هو تنوُّع الطبيعة الإنسانية والفكرية والسياسية. وهنا أسال: إذا كنت في اللجنة الثورية العليا أصبحُ حوثياً؟ اللقاء المشترك كان يضمّ إخوانيين واشتراكيين وناصريين فهل أصبحتُ إخوانياً أو ناصرياً أو اشتراكياً؟ هل من المعقول أن تذوب هويتي لمجرد أن أتحالف مع مكوّن سياسي معيّن؟ لو كان الأمر كذلك، هل أصبح السيد حسن نصرالله مسيحياً أو هل أصبح الرئيس العماد ميشال عون شيعياً بعد وثيقة التفاهم بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحرّ» في لبنان؟ تحالفنا مع أنصار الله هو حول المشروع الوطني نفسه، وإن اختلفت الرؤى. نحن ندعو إلى التسامح والتصالح والتفاهم، وما يجمعني أنا شخصياً مع أنصار الله هو ما قدّمناه من دماء وتضحيات، وقد قدّمت أسرتي قافلة من الشهداء على جبهات القتال دفاعاً عن الوطن.

الحرب لا تجلب إلا الدمار

ما هو جوهر خلافكم مع علي عبدالله صالح وما هي انعكاسات مقتله على الساحة اليمنية؟

ـ حين اختلفنا، أو اختلفتُ أنا شخصياً، مع علي عبدالله صالح كان يُقال لي لماذا أنت مع الثورة في اليمن وضدّها في سورية. وكنت أجيب دائماً بأنّ ما يجري في سورية تآمر وليس ثورة. من الطبيعي أن نختلف في الداخل حول الرؤية الوطنية لبناء الدولة ولكن أن يتآمر أحدنا أو يستقوي بالخارج فهذا خط أحمر. هذا هو جوهر خلافنا مع علي عبدالله صالح، نحن مع من يدافع عن الوطن وضدّ من يستقوي بالخارج، وقد افترقنا عن الأحزاب الكبرى في اللقاء المشترك عندما ذهبت للاستقواء بالخارج.

المشكلة مع صالح تعود إلى وقت سابق، وقد ارتكب خطأً استراتيجياً كبيراً، وكما يقولون «غلطة الشاطر بألف». تجاوزنا الخلاف في السابق وتدخلت قوى وطنية وعملنا قدر الإمكان على التقارب وتجاوز هذه المسألة، لكن كان هناك تدخُّل من الداخل والخارج لإحداث شرخ في التحالف الوطني الداخلي الذي هو في مواجهة العدوان. حدث ما حدث يومها وكانت بداية المواجهة يوم المولد النبوي وتطوّرت الأحداث فكان خطاب السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي عقلانياً ويدعو إلى ضبط النفس وإلى الحوار والتصالح، وفي الوقت نفسه كانت مجاميع علي عبدالله صالح قد سيطرت على جزء كبير من العاصمة وعلى منافذها. علي عبدالله صالح بالتأكيد تابع الخطاب واعتقد أنّ هذا الخطاب هو خطاب استسلام وضعف. الخطأ الكبير في خطاب علي عبدالله صالح بعد ذلك هو أنه دعا إلى مواجهة أنصار الله في كلّ مكان ودعا، في الوقت عينه، إلى الحوار مع دول العدوان. هذه هي الضربة التي أصابت علي عبدالله صالح في مقتل. وبعد هذا الخطاب تغيّر الواقع على الأرض وحدث شرخ كبير في حزب المؤتمر الشعبي العام، بعدها قُتِل علي عبدالله صالح وكان هناك خطأ كبير في نقل صوره قتيلاً بهذا الشكل، ولا أعتقد أنّ أنصار الله هم من قاموا بذلك عن قصد قد يكون أحد الموجودين من أنصارالله نزّل المقطع على مواقع التواصل الاجتماعي فانتشر بشكل سريع. لكنّ الخطوات التي تبعت ذلك، أعني العفو العام وانعقاد البرلمان والخطاب العقلاني للعميد يحيى محمد عبدالله صالح نجل شقيق صالح وأعضاء المؤتمر الشعبي العام هدّأت الأمور. هناك عقلانية كبيرة لدى غالبية أسرة علي عبدالله صالح، باستثناء طارق صالح نجل شقيقه أيضاً وهو ذو توجهات سلفية وهناك من يعتبر أنّ طارق هو سبب جرّ المؤتمر وعلي عبدالله صالح إلى خسارة الداخل ثم خسارة حياته. هناك عدد كبير من أفراد أسرة علي عبدالله صالح يدركون هذه الحقيقة، ولم ينجرّوا لرغبة دول العدوان حتى الآن.

المهمّ اليوم هو أنّ الجبهة الوطنية تترمّم من الداخل ونحن ندعو إلى حوار وطني داخلي وفتح السّبُل أمام الجميع لأنّ الحرب لن نتتهي ما لم يعد جميع الفرقاء السياسيين إلى الحوار، وما لم يلتزموا بعدم القيام بردّات فعل انتقامية، فالحرب لا تأتي إلا بالدمار، وحتى في عملية صنع السلام يتحمّل المنتصر أعباء أكثر من المهزوم.

مع سورية في مواجهة الإرهاب

سورية واليمن تواجهان المشروع نفسه في المنطقة وهو الإرهاب التكفيري. كيف يتكامل دورهما في هذه المواجهة؟

ـ سورية تعرّضت لعدوان خارجي كبير دخل عامه الثامن، والدول التي موّلت هذا العدوان وجلبت الإرهابيين إليها، هي نفسها مثلت تحالفاً عدوانياً ضدّ اليمن. سورية واجهت أدوات الإرهاب وماله ونحن واجهنا ماكينة إنتاجه نفسها بشكل مباشر، إضافة إلى أنّ الساحة اليمنية كانت حقل تجربة للأسلحة الفتاكة التي أنتجتها الدول الكبرى. حوصِر اليمن بحراً وبراً وجواً والعدو في جواره. كانت سلطنة عُمان هي المنفذ الوحيد وقد طوّقوا هذا المنفذ بعد استيلائهم على محافظة «المهرة» اليمنية، وفي ذلك أيضاً استهداف لأشقائنا في السلطنة وهي معروفة، عبر التاريخ، بأنها تنأى بنفسها عن التدخُّل في الشؤون الداخلية لأيّ دولة عربية.

أنتم ترأسون «الهيئة الشعبية لمناصرة سورية وقضايا الأمة العربية». ما هي هذه الهيئة وما هو دورها؟

ـ هذه الهيئة تجمع كلّ الأطياف القومية، من المؤتمر الشعبي العام والبعثيين والاشتراكيين والناصريين وأنصار الله ومستقلين، وقد استطعنا من خلال هذه الهيئة أن نواجه الشارع الإخواني ونجحنا في تحويل الشارع اليمني من شارع إخواني إلى شارع عروبي بامتياز وتحوّلت شوارع صنعاء، وتحديداً الشوارع التي كانت تخرج فيها مسيرات للإخوان المسلمين وبعض الجالية السورية الموجودة في اليمن، للمطالبة بإسقاط الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، إلى شوارع تتزيّن بصور الرئيس الأسد في لوحات إعلانية ضخمة، وصور لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله.

هل كان عدد اليمنيين الذين استُقدِموا للقتال في سورية كبيراً؟

ـ تجاوز عدد اليمنيين الذين استُقدِموا للقتال في سورية الـ12 ألف مقاتل، وكنا نحذِّر باستمرار من رحلات الطيران القطرية والتركية التي تنطلق من عدن بشكل مستمرّ وكذلك رحلات الإياب، وقد انكشفت الأوراق كاملة في ما بعد، وهناك إحصائية بكلّ العناصر التي أدخلت من اليمن إلى سورية، عبر تركيا، حيث تمّ تدريبهم وإرسالهم ضمن المجموعات الإرهابية إلى سورية.

هل هناك جالية يمنية في سورية؟

ـ عدد أفراد الجالية اليمينة في سورية هو حوالي 600، بعضهم من آباء يمنيين وأمهات سوريات وفلسطينيات، كما أنّ هناك عائلاتٍ يمنية مقيمة هنا منذ 15 أو عشرين عاماً، ولولا الحصار على اليمن لكان العدد أكبر. هناك أيضاً 206 طلاب ما بين مرحلة «البكالوريوس» و«الماجستير» و«الدكتوراه» يتابعون دراستهم في الجامعات السورية بمنح مجّانية من الحكومة اليمنية ومن حزب البعث العربي الاشتراكي، وأريد أن ألفت هنا إلى أنّ حزب البعث يُشرِك الجميع في المنح ولا يحصرها بالبعثيين فقط.

قرعت الأمم المتحدة ناقوس الخطر وأعلنت أننا سنشهد في اليمن عام 2018 أكبر أزمة إنسانية في العالم فهل يتحرك العالم لوقف هذه الحرب؟

ـ الوضع الإنساني في اليمن أكثر من مأساوي ومخيف. لقد استهدف العدوان البنى التحتية ودمّر المقوّمات الضرورية لبقاء السكان على قيد الحياة. كما أنّ استخدام القنابل العنقودية والأسلحة المحرّمة دولياً أدّى إلى انتشار الأمراض والأوبئة.

وبحسب تقرير لوزارة حقوق الإنسان في اليمن، فإنّ اليمن يواجه كارثة إنسانية حقيقية حيث لم تقتصر الحرب القائمة على تدمير البنية التحتية للبلاد وتفشي وباء الكوليرا والمجاعة، بل ساعدت أيضاً على تنامي ظاهرة الإرهاب وسيطرة الجماعات الإرهابية على العديد من المدن والمناطق اليمنية.

الوضع الإنساني في اليمن تجاوز حدود ما يمكن توصيفه بالأزمة. الشعب اليمني يُذبح وسط صمت عربي ودولي.

وسط هذا الدمار الهائل والأزمة الإنسانية المتفاقِمة ألا يزال هناك أفق للحلّ السياسي في اليمن؟

ـ الحلّ السياسي بقدر ما هو صعب الآن، إلا أنني متفائل بالتحرُّكات الأخيرة وهناك توجُّه لمبعوث أممي جديد، لأنّ المبعوث السابق إسماعيل ولد الشيخ لم يكن للأسف مبعوثاً أممياً بل كان موظفاً سعودياً ولا نشاهد تحرُّكاته إلا عندما تُرتَكَب المجازر البشعة من قبل السعودية، ويكون تحرُّكه بهدف تغطية هذه الجرائم.

هناك أيضاً تحرُّك آخر لوزير خارجية بريطانيا بوساطة عُمانية، وقد اجتمع السلطان قابوس إلى عدد من ممثلي حكومة الإنقاذ الوطني في مسقط، أثناء زيارة وزير الخارجية البريطاني لعُمان. بالإضافة إلى ذلك، هناك ضغوط أوروبية، وقد اتخذت ألمانيا قراراً بعدم بيع السلاح للسعودية، وقد شاهدنا تحرُّك الشارع البريطاني وأعضاء في البرلمان بمسيرات رافضة زيارة ولي العهد في دولة العدوان محمد بن سلمان. كما هناك تحرُّك لـ«التحالف العالمي لنصرة اليمن» والذي يضمّ ناشطين من دول أوروبية عديدة ومن روسيا وفلسطين ودول المغرب العربي وأميركا اللاتينية وكندا والسويد، وقد اجتمعنا هنا في دمشق في مكتب السفارة. هذا التحرُّك على مستوى العالم أثبت جدواه، لكنّ الموقف العربي كان هزيلاً، رغم أنّ الشارع اليمني ناصر كلّ القضايا العربية وخرج من أجلها. ونحن للأسف لا نرى تحرُّكات تستحق الإجلال إلا في لبنان الذي خرج بشكل قوي جداً من أجل اليمن، وإذ نلتمس العذر لسورية التي تحمل همّها الكبير، إلا أنّ الإعلام السوري يلعب دوراً هاماً جداً في تسليط الضوء على قضية الشعب اليمني، وهناك الكثير من الندوات التي تنظم في «اتحاد الكتاب» و«جامعة الأمة العربية» ومن قبل الفصائل الفلسطينية من أجل الشعب اليمني، وأنا أتقدّم بالشكر الكبير لكلّ من يقف إلى جانب شعبنا وأوجّه العتب إلى العرب وأقول لهم إنّ اليمن أم العرب جميعهم وأم العروبة وها هي اليوم تُذبح أمام الجميع.

الدور الإماراتي هو الأخطر

بسطت الإمارات نفوذها على أرخبيل سقطرى اليمني ما هي الأهمية الاستراتيجية لهذا الأرخبيل؟

ـ من يسيطر على سقطرى يسيطر على البحار السبعة، وقد حاولت أميركا كثيراً مع علي عبدالله صالح من أجل إنشاء قاعدة عسكرية في الأرخبيل، كما أنّ جزيرة ميون هي قفل مضيق باب المندب.

الدور الإماراتي هو الأخطر تجاه قضايا المنطقة، وليس اليمن فقط، وخصوصاً تجاه القضية الفلسطينية. محمد بن زايد أخطر شخصية عربية ويلعب دوراً سيئاً وبالغ الخطورة ويتبنّى مشروع التطبيع مع العدو الصهيوني.

في رأيكم ماذا ستكون تداعيات قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة بعد اعتراف ترامب بها عاصمة لدولة الاحتلال؟

ـ القرار الأميركي لم يُتخذ من فراغ ولم يكن اعتباطياً ولا تهوّراً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كما يظنّ البعض، بل هو قرار مدروس مع دول عربية كبيرة سواء السعودية أو مصر أو الإمارات. الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يُمسك ملف ما يسمّى بـ«صفقة القرن»، وبلاده ترزح تحت ضغوط اقتصادية وسياسية وتواجه مشكلة سدّ النهضة وغيرها. السيسي هو امتداد لنهج السادات، إنْ لم نقل أنه أكثر منه اندفاعاً، وقد قال بالحرف الواحد في اجتماع بالولايات المتحدة «إنّ العلاقات الحميمة مع الكيان الصهيوني التي امتدّت أربعين عاماً ستكون في المستقبل أكثر دفئاً».

إنّ الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لكيان العدو ستكون له أبعاد كثيرة وخطيرة، وهناك عدة دول عظمى، على رأسها روسيا والصين ودول أوروبية أيضاً، لم تكن مع ترامب في هذا التوجه. وقد وضع الأميركيون في استراتيجيتهم ردود الفعل العربية، وهم يدركون أنّ ردّ الفعل العربي يكون مرتفعاً في البداية ثم ينحسر تدريجياً. بالإضافة إلى ذلك فإنّ تقليص المساعدات لـ«الأونروا»، تلك الوكالة التي كانت تُموّل من أميركا بالدرجة الأولى، يأتي ضمن سياق محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وللأسف فإنّ المسؤول الفلسطيني صائب عريقات هو عرّاب هذه المواقف وصاحب رؤية التطبيع مع الكيان الصهيوني وهو شخصية فلسطينية خطيرة جداً ومستشار لأبناء زايد في الإمارات.

كديبلوماسي وسياسي متابع كيف تقيّمون مسار الحلّ السياسي في سورية؟

ـ الخطوات التي تخطوها الحكومة السورية مع حلفائها هي خطوات ذكية تقرِّب إلى الحلّ، كما أنّ المصالحة الوطنية والتحرُّكات السياسية أنجزت أربعين في المئة من الطريق إلى هذا الحلّ.

اليوم وصلت الأمور إلى تحقيق ستين في المئة من الحلّ وبقي أربعون في المئة. أما مؤتمر سوتشي فقد أكد ضرورة تطبيق القرار رقم 2254، لإقامة حوار شامل بين الأطراف السورية وصولاً إلى حلّ سياسي للأزمة، ونحن نبارك خطوات المصالحة داخل سورية والحوار السوري ـ السوري، ومن كان يمدّ الإرهاب ويموّله الآن وقع في شرّ أعماله، خصوصاً تركيا التي وقعت في فخ عفرين. وأنا أشيد، في هذا السياق، بتعاطي الحكومة السورية مع كلّ مواطنيها بمسؤولية كاملة وهي لم تتردّد في حمايتهم، ونأمل استخلاص الدروس من هذه الأزمة بأنّ الخروج عن الإطار الوطني والاستقواء بالخارج لا يفيد أحداً، ونتمنّى على الإخوة الأكراد أن يستوعبوا فكرة أنّ هناك عداءً تاريخياً تركياً لسورية، أما أردوغان فهو يرى أنّ الأكراد ملحدون وإرهابيون. الدولة السورية أعطت كلّ حقوق المواطنة للأكراد، والحلّ أصبح حقيقة قائمة لا يستطيع أحد أن يتراجع عنها ومهما حاولت منصّات من هنا وهناك أن تعطِّل، ستمضي سفينة الحلّ فسورية نجت ولن تغرق، وكلّ ذلك بالطبع بفضل الانتصارات الميدانية للجيش السوري وحلفائه الذين أثبتوا أنهم القوة الوحيدة التي قضت على الإرهاب في المنطقة وفي كلّ هذا العالم، وكذلك الحشد الشعبي في العراق، أما التحالف الدولي فقد كان حماية للإرهاب، وبات كلّ العالم يشعر اليوم بأنّ الأمن الذي تحقق له هو بفضل تضحيات الجيش السوري وحلفائه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى