حماية السيادة تؤهّلك لاستخراج النفط

د. رائد المصري

بهدوء، وقبل القيام بالتحليل السياسي والاستراتيجي لحال الأمة والمنطقة، وجب القول هنا إنّ الغرب حال دون نشوء كيان سياسيٍ جماعي يتولّى النهضة الحضارية فيهما بإرادتهما وباختيارهما، وفرض التفوّق الاستراتيجي الإسرائيلي في كلّ الميادين والعمل الدائم على تثبيت ثلاثية التخلّف والتّبعية والتجزئة أو التقسيم، وهي ثلاثية قاتلة كلّفت الأمة أنهاراً من الدماء والتضحيات والكثير من هدر الثروات والقوة طيلة عشرات السنوات…

ومن خلال القراة المتأنّية لما جرى مؤخّراً على مسرح الأحداث المتسارعة في لبنان وسورية بالتحديد، يبدو أنّ نجاح الصواريخ السوريّة المضادّة للطائرات لأكثر من مرّة في إصابة طائراتٍ صهيونية معادية مغِيرة، يؤكّد أنّ تداعيات ذلك ربّما ستكون خطيرة في أيّ حربٍ مقبلة، لأنّ التفوّق الجويّ الإسرائيليّ لم يعد مضموناً وهو ما بدأ يقرأه الإسرائيلي ومن خلفه الأميركي جيداً.

المعادلات الجديدة التي دخلت فيها المنطقة وهي المحكومة بالصراع العربي الصهيوني ومحكومة بالتخلّف والتّبعية لمنظومة الغرب الاستعمارية. ونعني بها هنا ما أورده سيّد المقاومة في خطابه الأخير، عملية بدء الدخول في الصراع والاستحواذ على الثروات النفطية والغازية في المتوسط. وهو إدراك ووعي مبكّر طالما نادى به السيد نصرالله منذ بدء الحرب السورية لتجنّب ويلاتها، لأنّه سيخدم بالنهاية مشروع التسوية الاقتصادية واستثماراتها النفطية والغازية التي بات النظام الرأسمالي بحاجة إليها اليوم، بعد استنزاف كلّ طاقاته وإمكاناته وسيولته في حروبه العبثية التي شنّها، وفي احتلالاته التي أصابت خللاً بنيوياً في اندماج الرأسمال المالي بالرأسمال الصناعي وصاغتها العولمة الاقتصادية، في استباحة جديدة لنهب خيرات وثروات الشعوب العربية الفقيرة.

نغمة بدأت مع لحنٍ جديدٍ من البلوك التاسع اللبناني في المنطقة الاقتصادية الخالصة، بعد تلزيم الشركات وتوقيع العقود، لتعاود «إسرائيل» ومن خلفها الإدارة الأميركية خلط الأوراق الاقتصادية التي بدأت تترتّب منذ تحرير حلب وسيل التدفّق العسكري والميداني للجيش السوري وحلفائه لوضع يده على أكثر من 85 في المئة من الأرض السورية، ولن تنتهي إلاّ باستكمال الخريطة البرلمانية اللبنانية الجديدة مع خريطة الانتخاب العراقية، فيستكمل المسار السياسي التحصيني مع الأبعاد الأمنية والعسكرية التي تريح سورية ومنظومة تحالفاتها في المنطقة، من دون أن ننسى الوضع الجديد لمعادلات الرّدع التي أرستْها الدولة العربية السورية بإسقاط طائرة الـ«أف 16» الصهيونية، والتي بقيت كأداة أخيرة في تكبيل «إسرائيل» نهائياً والسيطرة على السيادة الجوية اللبنانية بشكل كامل، حتى لا تكون منصّة للعدو في ضرب سورية من جديد. وهو ما يجب العمل عليه من الآن فصاعداً حماية لأمن لبنان وحماية لاقتصاده ولمنشآته النفطية والغازية عبر إرساء قواعد ردع جديدة ومختلفة تحفظ لبنان وسورية والمنطقة وتبقيها بعيدة عن متناول المستعمرين الإسرائيليين وبعض أدواتهم العربية ورجعياتهم المتعفّنة…

فها هو محور المقاومة اليوم بدأ يلتقط أنفاسه بعد عودة الهدوء إلى معظم أنحاء سورية وانحسار عدد جبهات القتال من خلال اتفاقات تخفيف حدة التوتّر، وصار بالإمكان التركيز أكثر على القضايا المحورية كقضية الاحتلال الإسرائيلي والوجود العسكري الأميركي على الأرض السوريّة، وما تبقى من أدوات التكفير والإرهاب والقتل والإجرام…

فمعادلات الرّدع القديمة انهارت وحلّت مكانها معادلات جديدة تجعل كفّة المقاومة ومحورها هي الأرجح والأكثر قدرةً على الحسم في المقبل من الأيام لقدرتها أكثر على الصّمود وتطوير ترسانتها العسكريّة على الصّعد كافة…

لقد وقف الغرب ولأسباب استراتيجية عدّة تتعلّق بمصير الأمّة ضدّ نشوء أيّ قوّة فاعلة موحّدة: إسلامية كانت أو ليبرالية أو يسارية، فتلك قضايا محورية أساسية تتعلّق بعمليات التحديث والبناء الفكري والتطوير الحضاري. وهو ما يفسّر هذا الاختلال البنيوي في منظومة الاستيعاب الحضارية والفكرية عند العرب التي بدأت تستعيد عافيتها اليوم. وهي طبعاً خيارات جوهرية تحتاج كيانات موحّدة منسّقة التوجّه برؤية وأهداف استراتيجية، لا يمكن أنْ تنجزها دول وكيانات متفرّقة متنازعة الاتجاهات والتنظيم والتأثير…

أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى