السيسي – بن سلمان: مقايضة الحاجة المتبادلة لشرعية «الزعامة»

روزانا رمّال

كان لافتاً استقبال ولي عهد السعودية وزير الدفاع الامير محمد بن سلمان في مطار مصر استقبالا حارا ومميزا من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شخصيا، وكأنه يستقبل بن سلمان كملك لا كولي عهد. ولهذا اشارات كثيرة تكفلت بارسال رسائل متعددة الاتجاهات من اللحظة التي وصل فيها الامير الى القاهرة بزيارة تعتبر الوجهة الخارجية الأولى له منذ تنصيبه تباحث فيها الرجلان حول عدة قضايا سياسية واقتصادية واقليمية دولية.

الرسائل التي ارادت السعودية ايصالها لا تقل اهمية عن تلك التي ارادت مصر ايصالها ايضا. وبدءا بالشكليات فان الرئيس السيسي كشف عن مودة خاصة يكنها لولي العهد السعودي وعن اعتبار الزيارة السعودية اليها زيارة حليف لحليف ولقاء المستقبل بالمستقبل، اي ان الرئيس السيسي الذي يتطلع الى الفوز مجددا بالانتخابات الرئاسية يتطلع الى هذه العلاقة مع ولي العهد مستقبلا في الوقت الذي يقترب فيه تنصيبه ملكا ربما، وفقاً لمتغيرات صارت اقرب لمنطق تسليمه العرش مبكرا.

الزيارة التي تأتي قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية المصرية والتي يسعى السيسي للفوز فيها بولاية ثانية، كما بات معروفاً، تعني ان الأخير لا يجد فيها حرجاً امام مرشحين سقطوا او اسقطوا تباعا وازيحوا من المنافسة، وهم يتربصون به وبمواقفه وبكل تحركاته للانقضاض على ما يسمى انتخابات بتبعية مصر او تسليم رأسها لدول النفط بالمعنى السياسي. وأمام عيون إقليمية ودولية تراقب سلوك ما قبل الاستحقاق الرئاسي عن إقرار صريح بالدعم السعودي للسيسي بدون أن تقرأ الزيارة باقل من هذا.

الزيارة المهمة للسيسي لا تقل اهمية بالنسبة لولي العهد. فهي اول زيارة خارجية له منذ تعيينه وليا للعهد وكأنه يقول إنه ارتاح من عبء الخلافات الداخلية والازمات التي عصفت بالديوان الملكي واضطر إثرها تنفيذ مخطط الاعتقالات السريعة للأمراء ورجال الأعمال في الرياض. ويعلن اليوم أنه صار جاهزاً للعودة الى السياسة الإقليمية والدولية من بابها العريض واولها في دعم الحليف الاول بالانتخابات الرئاسية عبد الفتاح السيسي مهما كلف الثمن، وإعلان نجاحه سلفاً والدول الخليجية ما عدا قطر بإطاحة الاخوان المسلمين ووجودهم بانتفاء الترشح للانتخابات وتقليص الحضور ما يعني تلقائياً تفوّقاً سعودياً في الساحة المصرية على كل من تركيا وقطر واستمرار محاصرة الاخيرة.

زيارة بن سلمان وبظل خسارات متلاحقة بسورية والعراق ولبنان وتعقيدات في اليمن يعوّض زعامته بمصر اليوم. والسيسي الذي يريد تعديل الدستور ليصبح رئيسا لولايات متعددة في ظل انتخابات مشكوك في سلامتها من قبل خصومه بتهمة اقصائه مرشحي الرئاسة يحتاج لتغطية عربية ودولية يعتبر بن سلمان مصدرها أنها مقايضة الحاجة المتبادلة لشرعية الزعامة..

وعلى عكس لبنان تتطلب مصر عناية كبرى، وبالتالي زيارة سعودية رفيعة خاصة للبناء على الشيء مقتضاه. وبهذا الاطار يبدو ان الامير السعودي يلملم اوراقه الاقليمية بدءاً من لبنان بإرسال موفد له لمتابعة الانتخابات النيابية «نزار العلولا» هو عائد إليه حسب ما بات معروفاً وصولاً لمصر والحضور اليها من أجل تقديم الدعم المعنوي للسيسي والنفسي أمام قاعدة شعبية عريضة تُضاف الى ذلك سلسلة من الصفقات والاتفاقات بين البلدين كانت قد بدأت بخطوة مصرية فريدة قدّمها السيسي «هدية انتخابية»، حسب معارضيه بالسماح لشركات خاصة باستيراد الغاز من «اسرائيل». الأمر الذي شكل ارباكا كبيرا، لكنه بالمقابل اسس للثقة السعودية بموقف ثابت للسيسي حيال مصالح استراتيجية كالمحافظة على معاهدات السلام وغيرها التي من الممكن ان تشكل ارضية تلاقي حول مساعي الى نسج اتفاقات مماثلة حول فلسطين وسورية مستقبلا.

الاتفاقات العسكرية بين البلدين لا تقل اهمية. وهي اتفاقات قديمة كان آخرها عام 2010 في نيسان بعد زيارة إبن سلمان القاهرة والتوقيع على تنفيذ مناورات كبرى بين جيشي البلدين. وبالتالي فان ما اسسه السيسي مع ولي العهد مفترض ان يستكمل بالمرحلة المقبلة على الاسس نفسها، لكنه من المتوقع ان تحظى سورية من هذه العلاقة بنصيب كبير، خصوصا ان المعلومات اشارت الى البحث في الوضع هناك وكيفية التعاون من اجل التوصل الى حل كان لمصر دور اساسي فيه باستقبالها معارضة مغايرة لمعارضة الرياض، لكن الرياض لا تعترض على احتضانها اياها بشكل او بآخر، ما يؤكد انها مباركة للدور المصري كخط وسط سيتم اللجوء اليه في خواتيم الازمة. وهذا الدور بدأ مبكراً مع مصالحات كثيرة واتفاقات مع المسلحين والدولة أبرزها في منطقة الغوطة الشرقية.

العلاقة الوطيدة التي يريد بن سلمان نسجها تأتي تعقيباً على زياة والده والتأسيس لاستراتيجية امنية واضحة بين البلدين بخصوص سيناء والارهاب وموقع الاخوان في المعادلة الأمنية يضاف اليها مسالة اساسية وهي جزيرتا تيران وصنافير. فالصحف المصرية تتحدث عن ان الزيارة اتت في وقت تعلن فيه «المحكمة الدستورية المصرية بعدم الاعتداد بجميع الأحكام القضائية الصادرة سواء من المحكمة الإدارية أو القضاء المستعجل بشأن اتفاقية تيران وصنافير»، مضيفة أنه «يترتب على الحكم سريان الاتفاقية المبرمة مع السعودية، والتي تنص على نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر إلى السعودية». في وقت كان قد شكّل الطعن بالقرار من قبل المحكمة المصرية اهتزازا بالعلاقة.

وعلى هذا يبدو ان السعودية على موعد مع «إنفاق» انتخابي عربي حماية لنفوذها في كل من لبنان ومصر والعراق عبر الاستحقاقات المنتظرة.. ومن يدري ربما تسد حملة اعتقالات الأمراء جزءاً من الحاجات الانتخابية بعد الشح السعودي المالي لفترة طويلة اقله عن حلفائها بالحالة اللبنانية..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى