العدوان الاستعماري الغربي وحلف المأزومين

د. رائد المصري

بهدوء… في صبيحة العدوان الخماسي الأميركي الفرنسي البريطاني السعودي والإسرائيلي على سورية، يدخل رئيسها الرئيس بشار الأسد حاملاً حقيبة عمله الى قصر المهاجرين ليتابع أعماله التي لم يتوانَ عنها يوماً أو يتلكأ، بنشاط وكدّ طيلة الحرب الاستعمارية التي شنّها الغرب على بلاده منذ ما يزيد على سبع سنوات، بخطىً ثابتة واثقاً من موقفه واستراتيجيته التي رسمها وثبّتتها معادلات التصدّي للإرهاب ومنع التقسيم الجغرافي لبلاده. وهو ما أدمى قلوب الكثير من العرب والمستعربين ومعهم المتآمرون وجعلهم يتخبّطون كثور جريح هائج لا يعرف طريقه، رغم مساحات الصحراء الواسعة في نجد والحجاز والبتراء وسيناء ووسط أفريقيا…

إنه حلف العدوان الغربي المأزوم على سورية وإليكم الحكاية:

ترامب المتخبّط بسياسات خارجية مغلوطة ومتوتّرة نتيجة فقدان أميركا للاستراتيجية الحيوية التي تُبقيها وتمكّنها من إدارة الصراعات والنزاعات الدولية وفق منهجها الذي فقدته لصالح الشركات المالية والعسكرية والإعلامية والتي باتت مسيطرة ومستحوذة على كلّ شيء تقريباً في أميركا، وهي في تصادم تامّ مع الواقع الدولي ومع رئيس يدير السياسات الأميركية كتاجر وسمسار وكشركة مساهمة وهو ما أضعف أداء الإدارة في الدولة العميقة وجعل الاضطراب والتوتير والاستقالات المتكرّرة سيد الموقف. وهي حالة تأزّمية وصلت الى حدّ بأن تتمّ مداهمة مكاتب محامي الرئيس ترامب من خلال الاتهامات بالفضائح الجنسية والمالية والصفقات المفتعلة. وهذا دليل كافٍ للهروب الى الأمام من الواقع المتشظّي في القرارات الداخلية والسياسات الخارجية القاصرة للولايات المتحدة الأميركية والتي لم يمسك ترامب طرف خيطها بعد…

بريطانيا التي أصابها التأزّم الداخلي ومسيرة خروجها من الاتحاد الأوروبي وعلاقاتها المترنّحة مع روسيا والمعارضة الداخلية القوية والضغط الاقتصادي جعل تيريزا ماي تهرب الى الأمام، بدءاً من محاولة تسميم الجاسوس المزدوج سيرغي سكريبال وابنته وإلصاق التّهمة بروسيا زوراً، وليس انتهاء بافتعال حادثة الكيماوي في دوما السورية لحرف الأنظار عن الداخل البريطاني. وهي محاولات مكشوفة بانت وجهتها وحقيقتها…

فرنسا ماكرون كذلك، هذا الآتي من عالم المال والأعمال في شركات روتشيلد اليهودية الصهيونية، وهو يواجه أزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية متفاقمة في الداخل الفرنسي، حاول في بداية تولّيه الرئاسة أن يصنع تميّزاً فارقاً عن السياسات الأميركية، وإذ به يقع في فخّ التّبعية الكاملة لترامب، لأنّ الجميع يدور في حلقة إفلاسات مالية مفرغة، لكونهم أتوا نتيجة حكم الأوليغارشيات المالية المعولمة التي لا تريد إنقاذ شعوبها من أزماته الاقتصادية الملتفّة حول رقابهم. وهم مستمرون في المكابرة مراهنين على الوقت وعلى طول أزمات المنطقة المتفجّرة…

ولا ننسى حجم التأزّم السعودي في الداخل بدءاً من مشروع 2030 وصولاً الى الإصلاحات الدينية والمالية، التي جعلت الشرخ واسعاً بين أبناء الطبقة الحاكمة، لتنعكس أزمة كبرى في فشل الحرب على اليمن والفشل المتسارع مع جيرانها الخليجيين وفشل مشروعها في سورية والعراق ولبنان، فهربت إلى الأمام لتأييد الضربة الاستعمارية على سورية انطلاقاً من قواعدها والرغبة في التدخّل العسكري، إذا تطلّب الأمر منها ذلك…

وأخيراً «إسرائيل» وحجم وشكل أزمتها الفضائحية في الداخل والتحقيقات الجارية مع رئيس حكومة العدو والهستيريا التي تنتجها سياساتها الخارجية بعد تعافي الوضع السوري ومحور المقاومة في سورية والمنطقة، وبعد أن تكبّلت يداها في التدخّل في الأزمة السورية، بعد الغوطة الشرقية وحجم هذا الانتصار الاستراتيجي الذي حقّقته الدولة وحلفاؤها…

إنّ ما يجري اليوم في سورية لم يعُد مقتصراً على أزمة داخلية، بل تعدّاها ليشمل تدخّلات خارجية تتزاحم عليها دول الاستعمار وكلاب حراسته، فأصبح الصراع أميركياً ـ روسياً على النفوذ العالمي بعد ضمّ روسيا جزيرة القرم والدور الذي لعبته في سورية وتحالفها مع الصين ودعمها لإيران وعلاقتها بتركيا على خلفية قمّة أنقرة الأخيرة التي أزّمت علاقتها بحلف الأطلسي وحيّدتها تحييداً كبيراً ومباشراً.

لقد جازفت دول العدوان كثيراً بعمل إجرامي ضدّ دولة ذات سيادة، وإنْ كانت نتائجه محصورة ومقيّدة بسبب التهديدات الروسية، رغم أنّ البعض قد هلّل له واستعجله وطالب به في الخليج، عارضاً خدماته وأمواله، وهو الذي عجز عن حسم معركته ضدّ أفقر بلد عربي ونعني به اليمن، لتكون المفارقة أشدّ خزياً بأن تكون الدول ذاتها التي زارها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هي مََن قامت بالعدوان على سورية فور إنهاء زيارته…

في قمّة العرب: أخلص لأقول بأنّ عجز المملكة السعودية عن تحديد مكان انعقادها، في الدمام أو في الظهران أو في الخبر أو في أيّ مكان آخر، لن يمكّن عرب القمّة العربية من رفض قرار ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس واعتبارها عاصمة لدولة الكيان الصهيوني الغاصب، لأنّ قرار ترامب هو جزء من «صفقة القرن» وأوّل مَن أعلن عنها وباسمها هو الرئيس المصري والرئيس الفلسطيني، ولمّح إليها زعماء آخرون وأولياء العهد الجدد، بما يعني بأنّهم جزء لا يتجزّأ منها…

فلن تستطيع هذه الكيانات العربية المترهّلة الخائفة من إيران والراكعة والخانعة أمام «إسرائيل» على رفض عصا ترامب التطويعية. فهي تعمل وفقاً لأجنداته مقابل الحماية، وسيدرك هؤلاء العرب كما راهنوا سابقاً وتُركوا للمصير البائس المذلّ، بأنّه لاحقاً وقريباً جداً أميركا ستبتزّهم ولن تحميهم هم وسلالاتهم مطلقاً…

أستاذ في العلوم السياسية العلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى