وزارة الثقافة السورية تحْيي الذكرى 750 على نبوغ ابن النفيس

رانيا مشوّح

بين عراقة الماضي وتحدّيات الحاضر، تتأرجح بعبقها الأزليّ، مُخلّفة رحيق الحضارات، دمشق عاصمة الثقافة الأبديّة حاضنة العلوم بشتّى أنواعها مُرسخةً الرقي لكلّ زمان. ومن هنا، وعبر تاريخ سطّرته بأنامل الإبداع، تعيد سيدة الحضارات إحياء تراث مبدعيها وعلمائها، حيث أقامت وزارة الثقافة السورية وبرعاية وزير الثقافة محمد الأحمد، بالتعاون مع وزارة الصحة، احتفالية تكريمية لمناسبة الذكرى السبعمئة والخمسين 750 سنة على نبوغ العالم والفيلسوف السوري ابن النفيس، بعنوان «ابن النفيس عالماً ومبدعاً»، وذلك في قاعة المحاضرات في مكتبة الأسد الوطنية في دمشق، والتي تقام على قائمة احتفاليات الذكرى العالمية لـ«يونيسكو» للعامين 2018 و2019.

افتتح الاحتفالية كل من معاون وزير الثقافة توفيق الإمام ومعاون وزير الصحة الدكتور أحمد نصير عبد الرحمن خليفاوي الذي صرّح قائلاً: في هذه المناسبة الكريمة على مرور 750 سنة على نبوغ العالم والفيلسوف والطبيب وكلّ المصطلحات العلمية والطبية والفنّية والإدارية التي تخصّ ابن النفيس، الشقّ العلمي هو ما سأقوم بمناقشته. فكما هو معروف أن ابن النفيس كان له الكثير من المخطوطات والكتب الخاصة بالطبّ والعلوم، هذه الكتب كانت عبارة عن منارة للأجيال اللاحقة، إضافة إلى ملاحظات على تركيزه على الناحية الدوائية والناحية الفنّية في العلاج واستطاع أن يستنبط نظريات وطرق للعلاج، بالإضافة إلى أنّه ضحى بنظريات وضعت من قبله كنظرية الدورة الدموية الصغرى، فالمعروف أنه هو من قام باكتشافها، فهو قد ضحى بنظرية كان يُعمل بها لسنوات، مهما تكلمنا عن ابن النفيس فهو من خلال مؤلّفاته وعلومه واكتشافاته كان منارة لنا وللعلم.

بدوره، قال إياد المرشد مدير الندوة والمدير العام لمكتبة الأسد الوطنية في دمشق: ابن النفيس عالم عربي ودمشقي معروف عالمياً، ويأتي تكريمه من قبل «يونيسكو» ووزارة الثقافة ووزارة الصحة ضمن هذه الاحتفالية لابن النفيس نظراً إلى إنجازاته الكثيرة، إذ إنه كان عالماً في الطبّ في عصره، وكان الأبرز في عصره، كما أنّ له مساهمات في المجال الإنساني ومجالَي الفلسفة والقانون، بالتالي نحن نحتفل بقامة ثقافية وعلمية هامة جداً، وهذا ما نسلّط عليه ندوتنا لهذا اليوم.

وفي الإطار نفسه، قال الدكتور علي القيّم أحد المحاضرين في الندوة: رسالة الندوة تؤكّد أن الإنسان السوري كان دائماً واعياً رسالته. فالقرن السابع الهجري كان قرن اضطرابات وفوضى وحروب مع الفرنجة ومع غيرهم، وكان فيه أزمات كثيرة. ورغم هذه الأزمات استطاع ابن النفيس وابن البيطار وابن الدخوار وغيرهم من العلماء، أن يؤكّدوا أن الإنسان السوري كان دائماً قادراً على تجاوز المِحن، و قادراً على الإبداع والإنتاج، وأن يقدّم للبشرية منجزات كثيرة.

وأضاف: ابن النفيس الدمشقي كان طبيباً وعالماً وفيلسوفاً وفقيهاً، وكان أيضاً يؤمن بالتجريب، فقام بتشريح الحيوانات وتشريح الإنسان من أجل الوصول إلى منافع وفوائد واكتشافات مهمة، كانت متوّجة باكتشاف الدورة الدموية الصغرى قبل وليم هارفي الإنكليزي وسارفيتوس الإسباني بحوالى ثلاثة إلى أربعة قرون. وباقي كتبه تدرَّس حتى القرن التاسع عشر، وهو شارح كتاب القانون وله الرسالة الكاملية التي تؤكّد على التجريب والتفكير. كما كان أمام تلاميذه لا يتخذ قراراً من دون أن يتأكد منه. عاش ابن النفيس في البيمارستان النوري ثم انتقل إلى البيمارستان المنصوري في القاهرة وقدّم اكتشافاته، كان لا يؤمن بالعلاج النظري الميداني.

وصرّح الدكتور نضال حسن أمين اللجنة الوطنية لـ«يونيسكو» في وزارة التربية عن رسالة «يونيسكو» من الاحتفالية: هذه المناسبة ثمينة وغالية على قلوبنا في اللجنة الوطنية لـ«يونيسكو» في وزارة التربية وفي وزارتَي الثقافة والصحة الجهات الوطنية المتعاونة في تنفيذ هذه الفعالية. هذه الفعالية تُنظَّم بالتعاون مع «يونيسكو» منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ، وهي واحدة من الشؤون والملّفات الهامة التي تعرّف من خلالها بالشخصيات والأعلام البارزين على المستويين الإنساني والعالمي.

وأضاف: بتوجيه من الدكتور هزوان الوزّ وزير التربية رئيس اللجنة الوطنية السورية لـ«يونيسكو»، نشارك الجهات الوطنية ممثلة بوزارتَي الثقافة والصحة لتنظيم هذه الفعالية الهامة جداً، وهي تعريفية واحتفالية لعالمنا السوري ابن النفيس، نستطيع التحدث عن إنجازاته في إغناء الثقافة العالمية والإنسانية وأنّه بنى كلّ هذه العلوم من خلال دعوة للتحرّر من الأفكار المغلوطة ودعوة للتبصّر بها وبحثها ونقدها وكسر التقيّد بها وشكّل منظومة دالة على الأثر العلمي الطيب والدعوة المنهجية للتبحر في الأفكار كلّها وشكّل ظاهرة فريدة للتداوي والوقاية، واستطاع أن ينتزع من المعنيّبن والمرجعيات المهتمة بالعلوم والمعرفة مكانته حتى أصبح يسمّى موسوعة علمية متنوّعة. واليوم دورنا و«يونيسكو» الإضاءة على هذا العالم الفريد.

رافق الاحتفالية فيلم وثائقيّ عن ابن النفيس، وندوة عنه شارك فيها: الدكتور أحمد نصير عبد الرحمن خليفاوي بعنوان «الجانب الطبّي لإنجازات ابن النفيس»، والدكتور علي القيّم بعنوان «الجانبان الإبداعي والفلسفي في مؤلّفات ابن النفيس»، وأدار الندوة الأستاذ إياد مرشد مدير عام مكتبة الأسد الوطنية.

كما تم إصدار عدد خاص من مجلة المعرفة العدد 655 يُخصّص عن حياة ابن النفيس، كما تم توزيع مئة نسخة من كتاب سلسلة «عظماؤنا» «ابن النفيس الدمشقيّ».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى